زمن الرومانسية انتهى.. هذا زمن الأنثوية الفاعلة

عبر عقود من تاريخ السينما كانت الرومانسية السينمائية سببا في استقطاب جمهور عريض يجد في نجمات السينما مثالا متألقا لأنثوية سينمائية فريدة.
كانت تلك النجمات يكملن ظهور رجال رومانسيين هم الآخرون زادوا من تلك المساحة العريضة من التفاعل بين الجمهور المنجذب لتلك القصص الحالمة، ولينتشلهم من واقعهم إلى حلم رومانسي مديد.
وبعد كل ذلك التراكم بدأ السؤال الذي لا بد منه مع تطور التكنولوجيا والحياة الرقمية وانكفاء المرء على ذاته وتشظي الأنثوية السابقة إلى نثار من الصور المباحة التي انتهكت ذلك الغلاف الرومانسي إلى نوع من العلاقات المكشوفة والبدائل الحسية المباشرة.
سوف نبحث في ذلك الشكل السينمائي المعتاد والذي تدعمه قصة سينمائية كلاسيكية تضع الحواجز بين شخصيتين عاشقتين متحدّيتين أو معرّضتين للخيانة أو أنهما تغرقان في دوامة من النفاق أو العنف، وصولا إلى تلك الشراكة في أفلام الويستيرن.
سوف تحضر هنا أسماء ممثلات راسخات في الذاكرة من وزن انغريد برغمان، وكاثرين هيبورن، وغريتا غاربو، وافا غاردنر، وكاثلين كيلي، وباربارا ستانويك، وجين كيلي، وجين باول، وديبورا كير، ومارلين مونرو وناتالي وود، وجوانا وودوارد، وجولي اندروز، وآبي لنكولن وباربارا ستريساند وغيرهن.
كانت تلك الحقب الكلاسيكية في تاريخ السينما قد أوجدت لها اعتباراتها على صعيد المعالجة السينمائية بحسب نظام الاستديو وصناعة النجوم التي أخذت في التطور، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه بفضل الأنثوية الخارقة المدججة بقدرات استثنائية التي تضاهي الرجال، بل وقادرة على مقارعتهم وقتالهم إلى النهاية.
ولا شك أننا خلال ذلك نشهد ذائقة سينمائية مختلفة تماما، فلم تعد تسحرها تلك القصص الرومانسية الكلاسيكية الحالمة التي سادت عبر أجيال سينمائية سابقة.
فلقد حلت في محلها إما علاقات براغماتية أو أخرى قائمة بالأساس على الصراع دون هوادة، وذلك من خلال أفلام شتى صارت تقدم علاقات غرائبية بين الرجل والمرأة، ولاحظ الأنماط الأنثوية المبتكرة في سلسلة أفلام “إكس مين” أو في “ماد ماكس” أو في سلسلة الفاني أو في السلاسل المأخوذة عن قصص الكوميكس.
هنا سوف تتسع مساحة المغامرة لتشمل أغلب أحداث الفيلم، فيما لا تحتل العلاقات المعتادة بين الرجل والمرأة إلا مساحة ضئيلة وسط مبررات تتعلق بإشكالية تتمثل في جدل خلاصته وماذا بعد الرومانسية ومشاهد الحب؟
واقعيا لقد حلت بدل الرومانسية التي سادت عقودا نمطية أخرى هي الأنثوية السينمائية الفاعلة والصانعة للأحداث والمتجردة من الشرط الأنثوي الخالص إلى شكل لا جندري قائم على فكرة الإنجاز والتفوق.
ولهذا يمكن مقاربة شخصيات مثل ساندرا بولوك وساندرين بونير وجوليا روبرتس وسكارليت جوهانسون وناتالي بورتمان ونيكول كيدمان وهال بيري وإيميلي بلونت وكيت بلانشيت وجيدي فوستر وغيرهن.
هذه المجموعة ممن يمثلن الأنثوية السينمائية القائمة على الإنجاز والمضاهاة والتفوق الجندري ترسم صورة مختلفة عن المألوف الرومانسي، وحيث قصص الحب هنا محاصرة بمهام ثقال وتحديات شتى ولا وقت للانتظار سوى في المضي في ما هو أهم.
في مقابل ذلك وجدنا جمهورا يبحث عن ومضات إبهار مختلفة لا تقدم العلاقات الثنائية على أنها وقفات مطولة للغزليات والتعابير الحالمة إلى ما هو أهم، إلى نوع من التكامل الجندري الذي صارت فيه الأنثوية السينمائية ندا قويا وصانعة للأحداث وليست على هامشها بانتظار النجم البطل مفتول العضلات لكي يقوم بالمهمة.
كل ذلك مرتبط بذائقة مختلفة وأيضا عن تقييم نقدي يذهب بعيدا في التشخيص إلى اختلاف متطلبات السوق السينمائية وسينما النجوم التي صارت تقدم أنماطا جديدة مختلفة ومغايرة من النماذج المجسدة للأنثوية السينمائية وليس بالضرورة مجسدة لأزمنة الرومانسية التي ظلت راسخة في الأذهان منذ عقود السينما المبكرة..