زمن الأحزاب التاريخية ولّى وانتهى

بعض الأحزاب التاريخية تعالج تأزم الوضع الداخلي بجذب بعض الوجوه الشهيرة إليها، وهو ما يبتعد عن الهدف الأساسي المعني باستقطاب سياسيين وكوادر وتأهيلهم عبر خطة زمنية.
الثلاثاء 2018/09/18
انتهى عصر كاريزما سعد زغلول

القاهرة- أثارت الصور المتداولة لرئيس حزب الوفد الليبرالي، وهو أقدم الأحزاب في مصر، مع عدد من الفنانين ولاعبي الكرة الذين انضموا إليه حديثا، سخرية شديدة، ووصفها البعض بالقول “حزب الوفد تغلب على أكبر أندية الكرة في العالم، ريال مدريد وبرشلونة في سوق الصفقات والانتقالات الصيفية”.

وبرهن التركيز على “البروباغندا” وعدم الاكتراث بنشر برنامج الحزب الجديد أو التعديلات التي وعد بها رئيسه بهاءالدين أبوشقة، أن كل ما تشير إليه التحركات من قبيل تحسين صورة الحزب، ومن انضموا إليه قاموا بذلك بناء على رغبة قيادة الحزب وليس لقناعتهم بأهدافه.

وعبرت الحملة الوفدية بشكل واضح عن طبيعة المشهد السياسي الراهن في مصر، والذي يتواجد فيه أكثر من 100 حزب بلا ظهير سياسي أو شعبي حقيقي. وهو ما يعني أن الأحزاب التاريخية والحديثة نشأة في مصر تعاني مرضا واحدا، اسمه الفشل العام الناجم عن عجز داخلي وتضييق خارجي.

وما يؤكد هزلية الصفقات، أنها جاءت في وقت تضيق فيه الأجهزة الأمنية الخناق على الشخصيات المعارضة، فيما أبقت المجال مفتوحا للأشخاص الذين ينتمون للأحزاب القريبة من الحكومة، في محاولة للإيهام أن هناك هامشا من الحرية يجري استغلاله بصورة سليمة، وتنوعا تسعى لتحقيقه من خلال جذب جميع أطياف المجتمع.

تآكلت جميع الأحزاب التاريخية في مصر، ولم يتبق من أحزاب ما قبل ثورة يوليو 1952، سوى حزب الوفد، الذي جرى حله إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعاد للظهور على الساحة مرة أخرى قبل نهاية السبعينات من القرن الماضي، مع تدشين الرئيس أنور السادات لمرحلة حزبية جديدة، أراد لها أن تقوم على التعددية، فأنشأ أحزابا تفصيلية. وجرت الموافقة على عدد من الكتل أولا، يمينا ويسارا ووسطا، ثم تحولت إلى أحزاب تمثلها، وهي: حزب الأحرار وحزب التجمع الاشتراكي الوحدوي والحزب الوطني الديمقراطي، علاوة على حزب الوفد.

الأحزاب التاريخية القديمة وكذلك الأحزاب حديثة النشأة في مصر، كلها  تعاني مرضا واحدا، اسمه الفشل العام الناجم عن عجز داخلي وتضييق خارجي

واندثر (الأحرار) أو تعثر (التجمع) أو حُل (الوطني) وهي الأحزاب السابقة، وبقي الوفد، هو الحزب الوحيد التاريخي في مصر، لكن في سنواته الأخيرة أصيب بالكثير من الأمراض السياسية التي عصفت بغيره من الأحزاب، وفقدت معها القدرة على المواءمة بين دورها التاريخي والواقع المليء بالأمراض، ما أدى بها للإصابة بتصلب في الشرايين السياسية، جراء انسداد المشهد العام.

ولم يجد الوفد سوى استمالة لاعبي كرة وفنانين ليؤكد أنه لا يزال موجودا في الجسم السياسي، بعدما فقد معظم مقوماته، من قيادات وكوادر وخطاب ورؤية وبرنامج، حتى قدرته على المعارضة فترت ثم تلاشت.

وتتقارب الخطوط السياسية لحزب الوفد حاليا مع السلطة الحاكمة، بعد وصول رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان بهاء أبوشقة إلى منصب رئيس الحزب مارس الماضي. ويقود الحزب تحركات فاترة تسعى لتوحيد جهود الأحزاب وتوظيفها لصالح دعم تصورات الحكومة في الأزمات التي تواجهها بدلا من معارضتها.

وتشير استعانة الوفد بغير السياسيين إلى أزمة الغياب عن الشارع والتي أثرت على المستوى الشعبي، وهي محاولة بائسة للنفاذ إلى قطاعات مختلفة عبر بوابة الحضور المجتمعي، ما يقوض الجهود الجادة التي تبذلها قلة داخله.

ويرمي ضم مشاهير في بعض الأحزاب إلى التغطية أحيانا على الخلافات الداخلية. وفي الوفد تصاعدت مؤخرا مظاهر الانقسامات، وترتبت عليها استقالة عدد من الشخصيات المؤثرة، وجاء الحل من وجهة نظر قيادته الحالية تعويضها بأسماء معروفة بعيدة عن المجال السياسي.

وتعالج بعض الأحزاب التاريخية تأزم الوضع الداخلي بجذب بعض الوجوه الشهيرة إليها، وهو ما يبتعد عن الهدف الأساسي المعني باستقطاب سياسيين وكوادر وتأهيلهم عبر خطة زمنية.

الواضح أن قدرة غير السياسيين على انتشال أوضاع الأحزاب من عثراتها مستحيلة في ظل البيئة السياسية المنغلقة، كما أن بعض الأسماء الفنية التي كانت لها مواقف معارضة في مصر مثل الفنان خالد أبوالنجا والفنان عمرو واكد، لم يُسمح لهما بالظهور السياسي والفني تقريبا.

وسعت أحزاب مصرية عدة لممارسة حملات إعلامية مماثلة عن طريق انضمام العديد من الأدباء والفنانين لكسب المزيد من الشعبية. واشتهر حزب التجمع اليساري باحتضانه للكثير من النجوم، وكان لديه مكتب مخصص للأدباء والفنانين، مارسوا من خلاله العمل السياسي وقاموا بدور توعوي في مواجهة التنظيمات الإسلامية في سبعينات القرن الماضي، لكن كل ذلك لم يعد موجودا الآن.

12