زراعة الحبوب في المغرب أمام تحدي التأقلم مع التغير المناخي

اعتماد أصناف بذور بديلة يعيد رسم خارطة إنتاج المحاصيل.
السبت 2023/05/06
إليكم عينة لمستقبل غذائكم

يدفع صداع التقلبات المناخية المسؤولين المغاربة نحو تنسيق جهودهم للتركيز على استخدام أصناف جديدة من البذور في مسعى لتعزيز إنتاجية المحاصيل أملا في مواجهة موجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ سنوات وجعلت الزراعة من أكثر القطاعات معاناة.

الرباط - يحث المغرب خطاه باتجاه تأمين كفايته من الحبوب المزروعة محليا على الرغم من تقلص المساحة المخصصة للإنتاج، مما يترك المسؤولين الحكوميين والجهات المعنية أمام جعل هذا المجال يتأقلم مع التغير المناخي.

ويسهم الإنتاج المحلي من الحبوب في تحقيق رقم معاملات سنوية يفوق 15 مليار درهم (1.5 مليار دولار)، لكن مع تقليص المساحات المزروعة عبر تحويلها إلى زراعات ذات القيمة المضافة العالية، يبدو الحصاد أقل هذا الموسم في ظل الجفاف.

وخفّضت وزارة الفلاحة مؤخرا توقعات الإنتاج للموسم الزراعي الحالي بحوالي 20 مليون قنطار (مليوني طن)، بسبب ضعف تساقط الأمطار مقارنة بالموسم الفارط، سيضطر معها المغرب إلى ضخ ميزانية إضافية لتغطية النقص عبر التوريد.

رشيد ساري: البذور المقاومة للجفاف تمكننا من بلوغ الاكتفاء الذاتي
رشيد ساري: البذور المقاومة للجفاف تمكننا من بلوغ الاكتفاء الذاتي

وتوقعت الوزارة في أحدث تقييماتها أن يصل محصول الحبوب للعام الحالي إلى نحو 5.51 مليون طن بزيادة 62 في المئة عن العام الماضي.

ولكن هذا الرقم يجعل البلاد بعيدة عن مستهدف زيادة المحصول إلى 7.5 مليون طن حسبما كان مفترضا في ميزانية العام الجاري.

وانخفض إنتاج الموسم الزراعي الماضي، حيث بلغ إجمالي محصول الحبوب الرئيسية في البلاد نحو 34 مليون قنطار (3.4 مليون طن)، وهو رقم ضعيف نتيجة قلة الأمطار.

ويندرج الانخفاض في إطار الهدف الذي حددته وزارة الفلاحة لتقليص المساحات المزروعة بالحبوب عبر تحويلها إلى زراعات ذات قيمة مضافة عالية، مع ما لا يقل عن 1.4 مليون مزرعة.

وكان القطاع قد حقق ارتفاعا في مردودية الهكتار الواحد خلال الفترة بين 2003 و2019 بنحو 42 في المئة ليصل إلى 17 قنطارا.

وترافق هذا الارتفاع مع انخفاض المساحات المزروعة وطنيا بالحبوب بنحو 32 في المئة، من 5.35 مليون هكتار في عام 2008 إلى 3.65 مليون هكتار في 2019.

ويحتاج المغرب سنويا إلى قرابة 10 ملايين طن من الحبوب، ويلجأ دائما إلى الأسواق الدولية لاستيراد الكمية اللازمة لتغطية عجز الإنتاج المحلي. وخلال العام الماضي استورد قرابة خمسة ملايين طن، بزيادة 23.2 في المئة على أساس سنوي.

وتتسلل التساؤلات إلى أهل القطاع بشأن ما إذا كانت الحكومة ستبقى رهينة الجفاف والظروف الدولية المتحكمة في أسعار الحبوب، أم ستعمم تقنية الزرع المباشر كآلية لتغيير ملامح المجال نظرا إلى جدواها الكبيرة وحفاظها على التربة وتحملها للتغيرات المناخية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن قطاع الحبوب تعرض لمجموعة من المشكلات “جعلتنا ندفع فاتورة غالية جدا” بسبب سياسة المخطط الأخضر الذي اعتمد على زراعة منتجات موجهة للتصدير.

وأشار خلال حديث مع “العرب” إلى أنه “بعملية حسابية أدى ذلك الوضع، على سبيل المثال، إلى أن ما نصدره في أربع سنوات من الطماطم يمكن أن نستورده في سنة من الحبوب”.

حصد وتأمين الحبوب ضرورة ملحة
حصد وتأمين الحبوب ضرورة ملحة

وقال “أمام هذه التقلبات المناخية ونضوب مجموعة من آبار المياه وقلة الأمطار، فإنه بات لازما علينا أن نغير الإستراتيجية الزراعية بالاعتماد أكثر على إنتاج الحبوب”.

وأضاف “تأكد اليوم بشكل حاسم بعد الحرب الأوكرانية - الروسية أننا أصبحنا نؤدي الفاتورة بثمن غال جدا كون المغرب من بين الدول الثلاثة الأولى عربيا الأكثر استهلاكا للحبوب”.

وعرفت بداية الموسم الزراعي الحالي ظروفا مناخية غير مواتية ونقصا كبيرا في المياه وتوزيعا زمنيا غير موات لتساقط الأمطار، خاصة الفترة بين سبتمبر والأيام العشرة الأولى من نوفمبر 2022؛ مما أخر توزيع الزراعات الخريفية وأثر سلبا على حالة المراعي.

فيليبو باسي: نعمل على تقديم أفضل الأصناف للمزارعين لزيادة الإنتاج
فيليبو باسي: نعمل على تقديم أفضل الأصناف للمزارعين لزيادة الإنتاج

ووفق المركز الدولي للبحوث الزراعية بالمناطق الجافة (إيكارد)، ومقره بيروت، تستمر آثار التغير المناخي في التأثير على محاصيل الحبوب في المغرب، ما يؤكد على ضرورة البحث عن تقنيات زراعية جديدة قادرة على حماية دخل المزارعين وزيادة قدرتهم على الصمود.

وطور المركز بالتعاون مع المعهد الوطني للبحث الزراعي في المغرب بعد عشر سنوات من الأبحاث والتجارب أصنافا من البذور يمكنها مقاومة التغيرات المناخية.

وقال فيليبو باسي كبير خبراء إيكارد، الذي يقود برنامجا المركز لإنتاج القمح الصلب، إن ذلك جاء “تماشيا مع خطة الجيل الأخضر لوزارة الفلاحة الهادفة إلى تحقيق سيادة غذائية بحلول 2030 على مستوى محاصيل الحبوب من خلال تعزيز البذور المعتمدة وتقديم أفضل الأصناف للمزارعين”.

وأعلن المركز البحثي عن تسجيل 6 أصناف جديدة من بذور القمح الصلب والشعير مقاومة للجفاف والحرارة المرتفعة والأمراض في المغرب، بما يساهم في تحقيق السيادة الغذائية.

وعلى سبيل المثال، يمكن أن يصل حصاد صنف من البذور يسمى “ناشيت” إلى ما بين 35 و100 قنطار لكل هكتار وذلك في المناطق المسقية. ويصل إنتاج صنف من الشعير إلى 65 قنطارا في الهكتار.

وأكد ساري أن هذا التطور بادرة أمل بخصوص زراعة الحبوب لأنه في السابق لوحظ أنه حتى البذور التي كان يعتمد عليها كانت مستوردة، أما اليوم وبعد بحوث لأكثر من عقد من المعهد العالي للزراعة تم إنتاج حبوب جديدة تتأقلم مع الجفاف.

وأوضح أن ثمة حبوبا بخصائص مغربية وهذه إيجابية للزراعة المحلية تتماشى مع إستراتيجيات الدولة وخاصة في ما يتعلق باستهلاكها للمياه.

كما لفت ساري إلى أن هناك مخططا بدأ في العام 2020 رصدت له الدولة أكثر من 150 مليار درهم (نحو 15 مليار دولار) ويهم بناء السدود وتقنيات السقي وتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة وربط الأحواض المائية في ما بينها.

وبحسب مركز إيكارد، تمت تجربة الأصناف الجديدة من قبل المزارعين لأكثر من أربع سنوات في أكثر من ثلاثين حقلا بمشاركة أكثر من 200 مزارع.

وخلُص إلى أنها تتمتع بقدرة أكبر على تحمل التحديات المناخية لتكون بذلك استجابت لكل توقعات الباحثين والمزارعين، وتم تسجيلها في السجل الوطني للبذور، وستكون متاحة للزراعة في جميع أنحاء البلاد قريبا.

واعتبر ساري أن المغرب سيعتمد على هذه البذور والتي سيكون لها الوقع الكبير على مستوى تغير الإستراتيجيات الزراعية التي “تمكننا من الانتقال إلى بلد يكتفي ذاتيا بالنسبة إلى المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقمح”.

وأضاف “لسنا مضطرين لتصدير المياه من خلال تصدير الطماطم والبطيخ الأخضر والأفوكادو والفراولة، حيث تشكل المياه في هذه الزراعات أكثر من 90 في المئة من مكوناتها”.

11