زراعة التبغ في جنوب لبنان واقع مرير في غياب الدعم

بيروت- باشر مزارعو التبغ في الجنوب والنبطية زراعة أراضيهم، وقد ارتفعت تكلفة الزراعة بعد انهيار الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار لأن متطلبات الزراعة تباع بالعملة الصعبة، ما كبّد المزارعين خسائر فادحة بالإضافة إلى أن استمرار انتشار القنابل العنقودية الإسرائيلية في الأراضي التي تزرع تبغا يعوق هذه الزراعة.
ودخلت شتلة التبغ لبنان في عهد الأمير فخرالدين لتصبح مورد رزق الآلاف من العائلات في الأرياف، وشكّلت واحدة من الروابط القوية التي حافظت على التصاق سكان الجنوب بأرضهم في أقسى الظروف، في ما بعد انتقلت هذه الزراعة إلى مناطق أخرى، حيث تنتشر اليوم في البقاع والشمال وجبل لبنان ويعتاش منها المزارعون في أكثر من 452 بلدة وقرية.
وفي الجنوب يوجد 16 ألف مزارع تبغ، والمساحة المزروعة تبغا تبلغ 50 ألف دونم. وتمرّ زراعة شتلة التبغ بمراحل طويلة وتستمر على مدى أشهر السنة.

شتلة التبغ شكّلت واحدة من الروابط القوية التي حافظت على التصاق سكان الجنوب بأرضهم في أقسى الظروف
وتبدأ المراحل الأولى بإعداد المشاتل في شهر مارس مع ما تتطلبه من عناية وبيوت بلاستيكية وأسمدة وأدوية، لتبدأ مع شهر مايو ورشة نقل النبتة من المشاتل وغرسها في الأرض ما يقتضي توافر يد عاملة تقوم بزراعة المشاتل واحدة واحدة بعد إعداد الأرض بشكل ملائم، من ثم تأتي عملية الري التي تتيح نمو المشاتل وثبات جذورها بالأرض.
ومع بداية الصيف تبدأ عملية قطف أوراق التبغ التي تنقل إلى أماكن معدّة لذلك، أو إلى المنازل، ليبدأ شكّها ورقة ورقة ومن ثم تجفيفها وتوظيبها بانتظار بدء إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) بتسلّم المحصول.
وتقول إحدى المزارعات في بلدة راميه القرية الجنوبية المحاذية للشريط الحدودي “العمل بالتبغ مستمر على امتداد السنة، لا نكاد نهيئ المشاتل حتى يأتي وقت الزراعة، ثم القطاف، ثم صفها بعد يباسها لنسلمها إلى الريجي، فنتقاضى مبلغا لا يكفي تكاليف الموسم الآخر من الزراعة”.
ويحتاج هذا النوع من الزراعة إلى يد عاملة وبذور وأسمدة ومياه، وقد ارتفعت الأسعار وبلغ الراتب اليومي للعمال كل بحسب اختصاصه بين 150 ألفا و30 ألفا، وهي أسعار تضاعفت عن العام الماضي، وهي باهظة مقارنة بالأسعار التي يجنيها المزارعون عند انتهاء موسم التبغ، إذ لاحظت إدارة التبغ زيادة سعر الكيلو وهي طفيفة، وإن المزارعين يطالبون بأن يكون سعر كيلو التبغ 35 ألفا، لأن الزراعة تتطلب تكاليف باهظة وتمتد سنة كاملة.
وقال رئيس اتحادات مزارعي التبغ في لبنان حسن فقيه للوكالة الوطنية للإعلام “لقد انطلق المزراعون في زراعة أراضيهم بالتبغ لهذا العام بعد أن حرثوها وهناك كمية ثابتة تزرع في الجنوب وتبلغ 50 ألف دونم، وهناك الآلاف من العائلات تعمل في هذه الزراعة جنوبا وتعيش منها، نتمنى أن يكون الإنتاج هذه السنة جيدا، وكنا نتمنى أن يكون هناك زيادة للمساحات المزروعة حتى يتسنى للعديد من العائلات العمل، لكن ندرك حجم المسؤوليات الملقاة على الريجي والمالية العامة”.
وأضاف “العام الماضي اضطرت السلطات إلى زيادة أسعار الكيلو وتعويض المزارعين نتيجة الخسائر التي لحقت بمزروعاتهم بسبب انهيار الليرة بعدما بلغ الدولار ارتفاعا صاروخيا، فكانت زيادة 50 في المئة على كيلو التبغ، ونأمل أن تعود الأسعار إلى سابق عهدها حتى يستطيع المزارع الاستفادة من هذه الزراعة.
وعلى الرغم من تعب المزارعين فهم لا يملكون أي ضمانات صحية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويتحدث حسن فقيه عن معاناة المزارعين قائلا “فهم بالرغم من عملهم المتواصل على مدار السنة والمدخول المهم الذي يؤمنونه لخزينة الدولة، ليسوا مضمونين، إذا ما توعك أحدهم صحيا، يدفع أرباحه من محصول التبغ للمستشفيات والدواء”.
ويضيف أن “المتطلبات الزراعية ترتفع، لذلك نحن مع ضم مزارعي التبغ إلى الضمان الصحي والاجتماعي وتقديم التسليف الزراعي لهم بفائدة صفر في المئة. نحن متروكون للبنوك التجارية، وفي حوار دائم في إدارة حصر التبغ والتنباك، نطالب بزيادة الأسعار وسنعمل جاهدين على دعم المزارعين بالتعاون مع الريجي ووزارة المال، ولا نقبل بأن تبقى الأسعار السابقة كما هي وكلفة الزراعة في ارتفاع متزايد”.
وقال المزارع محمد علي قاسم من قرية يحمر إن “تكلفة زراعة الدونم الواحد من التبغ تصل إلى مليون ونصف مليون ليرة لبنانية، بين حراثة ومياه وزراعة، لذلك نناشد الرئيس نبيه بري ونقابة التبغ ووزارة المال بضرورة أن يكون سعر كيلو التبغ بين 35 و50 ألفا حتى يرد بدل التعب المضني طوال العام في السهر على الزراعة والقطاف، وما تتطلبه تلك الزراعة التي لو وجدنا غيرها لتركناها”.
ورأت المزارعة سعدى محمد أن “التكاليف الزراعية مرتفعة والمسؤولون لا يبالون بمزارعي التبغ الذين يبقى حقهم مهدورا كونهم غير قادرين على الإضراب، ونحن نلملم الموسم من بين القنابل العنقودية التي قد تنفجر بنا في أي ساعة”.
ويؤكد الحاج قاسم مزارع من قرية عيترون في الجنوب إن “هذه الشتلة غرست في قلوبنا منذ زمن، على الرغم من معاناتنا كمزارعين لا نستطيع ترك زراعتها، فهي مهنة العاطلين عن العمل وبناتج المحصول ندفع أقساط المدارس ونزوج أبناءنا”.