زارعة الإسفنج مهنة جديدة للنساء في عالم بيئي متغير

جامبياني (زنجبار) - لم تتوقع نصير حسن حاجي أن تكون مزارعة أو سباحة، ولكن عندما كانت تبحر في مياه زنجبار الزرقاء مع نظارات واقية على حجابها لتفحص مزرعة الإسفنج العائمة، أدركت أنها فاجأت نفسها وأصبحت كليهما.
وإلى جانب 12 امرأة أخرى في قرية جامبياني على ساحل المحيط الهندي أصبحت حاجي تعتمد على الإسفنج الطبيعي المقاوم للمناخ على الحبال السميكة الذي سينمو لأشهر قبل أن تحصده النساء وتنظفه وتبيعه للمتاجر والسياح.
وقالت حاجي في وقت لاحق وهي جالسة على الأرض في منزلها بالجزيرة التنزانية "تعلمت السباحة وزراعة الإسفنج حتى أكون حرة ولا أعتمد على أي رجل".
وقبل زراعة الإسفنج، الذي يشبه صخرة بيضاء ذات نسيج محكم ولكنها في الواقع حيوانات بسيطة متعددة الخلايا، كانت حاجي تزرع الأعشاب البحرية، إلى أن أدت زيادة درجات حرارة المحيطات بسبب الاحتباس الحراري إلى صعوبة الزراعة.
وتعتمد حجي ونساء أخريات على المحيط لكسب عيشهن (من زراعة الأعشاب البحرية إلى صيد الأسماك والسياحة). وقد شهدن ارتفاع درجة حرارة البحار الذي يهدد عملهن، لكنهن يتأقلمن من خلال إيجاد طرق لتنويع ما يفعلنه من أجل تدبير أمورهن.
ويقول دعاة حماية البيئة المحليون إن هذا الوضع أصبح أكثر إلحاحا حيث أدت قيود السفر حول العالم بسبب فايروس كورونا المستجد إلى توقف تدفق السياح إلى وجهة العطلات الاستوائية، مما أجبر سكان الجزر على النظر إلى الطبيعة لكسب لقمة العيش.
وقال محمد أوكالا، وهو ناشط في مجال الحفاظ على البيئة ومرشد سياحي من جامبياني، "نرى أشخاصا يعتمدون على السياحة يتحولون الآن إلى صيد الأسماك أو قطع الأخشاب من الغابات.. إنها لعبة شد الحبل بين الاقتصاد والبيئة".
ويقول السكان المحليون إنهم رأوا مخزون الأسماك ينضب خلال العام الماضي بالفعل. لكن بالنسبة إلى نساء مثل حاجي، كانت زراعة الإسفنج بمثابة حاجز ضد الصدمات المناخية والاقتصادية التي عانت منها الجزيرة.
وقالت أم الأطفال الأربعة البالغة من العمر 46 عاما، وهي تذهب لإشعال قدر على نار قريبة "أنا أبني منزلي وأعلم أطفالي. لقد جرى التخلي عن النساء من قبل، ولكن هذا يتغير الآن".
وتظهر الأبحاث التي أجرتها جامعة ولاية زنجبار أن أكثر من 90 في المئة من مزارعي الأعشاب البحرية في الجزيرة هم من النساء، وأنهن شهدن تغيرات في درجات حرارة المياه وأنماط هطول الأمطار وملوحة المحيطات، أثرت على الإنتاج في السنوات الأخيرة.
وباستخدام البيانات التي تظهر ارتفاع درجة حرارة زنجبار على مدار الأربعين عاما الماضية، توقعت دراسة أجرتها مؤسسة التكيف مع المناخ العالمية ووزارة التنمية الدولية البريطانية السابقة في 2012 أن متوسط درجة حرارة الجزيرة القصوى الشهرية سيرتفع بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية بحلول الخمسينات.
يمكن للمزارعات بيع 10 إلى 20 إسفنجة مقابل ما يصل إلى 20 دولارا لكل منهن في الشهر الواحد
وعادة ما تبيع مزارعات الأعشاب البحرية منتجاتهن للوسطاء الذين يصدرونه إلى دول مثل الدنمارك وفيتنام وفرنسا والولايات المتحدة حيث يُستخدم عامل استحلاب في الكريمات والصابون والأطعمة.
وكانت حاجي تزرع الأعشاب البحرية منذ أن كانت فتاة صغيرة. وقبل ست سنوات، أخبرها أحد الأصدقاء أن جمعية البيئة الخيرية "مارين كالتشرز" كانت تعلم النساء السباحة وزرع الإسفنج الذي يمكن استخدامه للتنظيف والاستحمام.
ومنذ 2009، جمع كريستيان وكوني فاترلاوس، مؤسسا المؤسسة الخيرية السويسرية، جزيئات الإسفنج من جميع أنحاء الجزيرة لتنمو في مشاتلها، والتي أصبحت نقطة انطلاق لمزارع الإسفنج المزدهرة.
وقال كريستيان فاترلاوس، وهو ينظر إلى المحيط من مكتبه في جامبياني، "قابلت شخصا في ميكرونيزيا كان يعمل في زراعة الإسفنج ورأيت فوائد جلب هذه الفكرة إلى زنجبار"، مشيرا إلى أنه لا يوجد سوى عدد قليل من مزارع الإسفنج في العالم .
وقال إن الإسفنج أكثر مقاومة للمناخ المتغير من الأعشاب البحرية، ويحتاج إلى صيانة أقل ويباع بأسعار أعلى للفنادق والسياح، ويقدم بديلا صديقا للبيئة للإسفنج الصناعي.
ويعمل الإسفنج أيضا على ترشيح الجزيئات الموجودة في الماء وتغذيتها ويوفر بديلا للصيد الجائر، مما يخفف الضغط على النظام البيئي الساحلي.
ونجحت 13 امرأة يعملن بالزراعة بمساعدة “مارين كالتشرز” بزراعة حوالي 1500 إسفنجة، وتعمل المؤسسة الخيرية على تدريب حوالي أربع نساء إضافيات كل عام.
وقال فاترلاوس إنه في شهر جيد، يمكن للمزارعين بيع 10 إلى 20 إسفنجة مقابل ما يصل إلى 20 دولارا لكل منها. ورأى بعض النساء يصبحن دعاة حماية أثناء ذلك.
وتابع "عندما يدرك الناس أن الزراعة في البحر أكثر استدامة من الصيد الجائر فيه، فإن البحر يتحول إلى صديق يوفر لك لقمة العيش ومن المهم حمايته". لكنه أضاف أن الحفاظ على الطلب كان أمرا صعبا، لاسيما عندما ضرب الوباء وخفض عدد السياح إلى الجزيرة.
وقال فاترلاوس إن الإسفنج يُباع محليا فقط في الوقت الحالي لتقليل التكاليف ودفع حصة أكبر من الإيرادات للمزارعات.
وأضاف أن الإسفنج، على سبيل المثال، لا ينمو في جنوب الجزيرة، ربما لأن درجات حرارة البحر هناك أكثر برودة.
لكن مؤسسته الخيرية تعمل على توسيع زراعة الإسفنج في بيئات مماثلة لبيئات جامبياني، في كل من مدغشقر وتونس. وقال "نحن لا نفهم حقا ما سيحدث عندما يتعلق الأمر بالتغيرات المناخية، لكن يجب أن نكون متفائلين ونحتاج إلى محاولة التكيّف الآن، بينما لا تزال لدينا فرصة".