نستقلّ القارب فيتهادى تحت جسدينا ونحن نكمل الأنخاب ونواصل قراءة اللفائف وفك أحجيات التاريخ.. تتلقى حواسنا طعم الجمال وتتلمس نعومة لحظاته الفاتنات.

هاهما يلتقيان بعد ربع قرن من الفراق.. عند منتصف المسافة من طرفي العالم حيث اختار كل منهما أن يعيش.. لم يتزوج بعدها رغم أنه خبر الحب والعلاقات.

منذ أن وأدَ العرب البنات في العصر الجاهلي حتى يومها هذا وثمة مشكلة حقيقية تؤرق الرجال والنساء هي إنجاب الإناث.

مرة أخرى أصدّقُ آخر.. رجل.. لكنه مرة أخرى يختصر كل الرجال وكل ما خبرَ عمري من عشق ومن حروف.. ويشخصُ أمامي بقامته الفارعة مثل تمثال إغريقيّ ساحر.

لا اُمومة لدى الرجال!.. هذه هي حقيقة عالمنا.. ولذا يبقى الرجال مدينين لكل النساء حولهم بما يعجز عن تقديمه سوى النساء.. فالاُنثى هي الأصل.

يا نبع الخصوبة والعشق.. يا نخلا يعلو ويا حلاوة تمر وعنفوان.. أنا أنتِ منذ بدء الخليقة حتى سقط رأسي على ترابك فكبرتُ بهاءً وشربتُ ماءً نميرا.

"ذه فويس".. هذا البرنامج المستورد من دول نالت استقرارها وإنسانية مواطنيها واسترخاء عالمها ورفاهية عالم طفولتها.. يأتي إلينا مفجـّرا طاقات أطفالنا الفينيقيين الخارجين للتوّ من رماد أيامهم.

أحتضن الشوارع والأمكنة وأحتفي بكل برعم جديد تفتـّح إذبان نومي وكل وردة تتغنج باُنوثة ألوانها.. أرفع هامتي فأرى روحي وقد ارتفعتْ لتعلوَ فوق المباني الشاهقات.. فيبتسم قلبي.

كان يحاول أن يعيد زراعة عمره فيمدّ جذوره في غير تربته ويشرب من غير مائه ويشمّ سوى هواه.. فأحبَّ الأماكن تارة وكرهها أخرى.. وأحسّ بحيادية مشاعره إزاءها تارة ثالثة.

أليس الحب أولى بالاحتفاء من الحقد؟.. فوردة حمراء واحدة.. صغيرة.. “لا تشغل حيزا في الفراغ”.. تملأ القلب والمكان بعطرها ومعناها.. وهي على صغر حجمها كبيرة في دعواها البريئة إلى الحب.

وإن كان للجنون نصيب أن يتسلل من كوة ما.. ربما نسيتُ أن أغلق دونها حواسي العارية.. فلا بأس.. قليلٌ منه يصلح المشاعر ويعيد التوازن إلى إيقاع العقل المستقرّ ثابت الخطى..

روحها أقرب إلى روح طير شارد.. وقلبها أشبه بحمامة بيضاء تنشر السلام أينما حلّت.. إذا حضرتْ استحال الكون نوافير فرح.. وإن غابت حلّ الضجر والوجوم وأثقل الوجود وطأته مثل حزن طويل.

مثلما علمتنا جدّاتنا التفاؤل بالهلال.. علّمننا أيضا أن نتشاءم من خسوف القمر.. فقد روين لنا أن الخسوف يحدث حين يصعد إلى السماء حوت كبير ويبتلع القمر.

منذ ذلك اليوم وأنا أحسّ أن تلك النخلة التي بقيَتْ تكبر أمام عينيّ على ضفة دجلة وكأنها توأمي.. ولا أعلم هل هي النخلة وأنا الشاعرة أم العكس.

ومثلما لكل سحر شرط يبطله فإن للحرف أيضا شروطا.. وللّغة وقع السحر بشروطه.. لكنها لن تكون سحرا إلا لمن تمكن من فهمها والإحساس بها والتعامل معها بدراية ودربة.. وأيضا بإبداع.

صار لنا في كل بلد بيت دافئ ينتظر قدومنا.. وفي كل أرض حبيب تجمعنا به رنة الهاتف مهما أبعدتنا المسافات أو ازداد بيننا فارق التوقيت.

كيف لم يخطر ببالي أن كلمات حبك لن تكون صالحة إلا لبعض الوقت حتى تملّ مثل كل الرجال وتستعيض عني بأخرى تـُسمعها ما كنت تخدّرني به طوال الوقت؟

سحرٌ كأنه حلم أنامُ على وسادته غير آبهة بصباحٍ قد يطلّ أو ليل قد يطول.. سحرٌ تنعشني زقزقاتُ فجرهِ مثل عشب نديّ يشهرُ طفولته في عالم لا يكترث.