رووا أولادكم الكوميكس
في كل يوم تقريبا أقسّم البشرية بملياراتها الستة إلى قسمين. فلست أقل شأنا من بن لادن وفسطاطيه ولا من جورج بوش ومحوريه. وفي كل مرة أعتمد معيارا لفصل الفسطاطين تمليه أحداث اليوم أو المزاج. يوما أصنف البشرية إلى هؤلاء الذين يقشرون البطاطس قبل سلقها وهؤلاء الذين يسلقون ثم يقشرون. ومرة أقسّم الإنسانية إلى مجموعة من يكتبون على لوح الفواصم الكهربائية (صندوق الفيوزات) اختصاص كل فاصم (فيوز)، وأولئك الذين لا يكتبون ويلجأون إلى التجربة لدى حصول عطل.
وفي بعض الأيام أكون بمزاج المثقف المتقدم وأقسّم الناس إلى أولئك الذين قرأوا رواية بروست “البحث عن الزمن المفقود” بأجزائها السبعة، وأولئك الذين لم يقرأوها أو بدأوا ولم يتمّوها. وهكذا تتغيّر سمات ساكني الفسطاطين كل يوم تقريبا. في هذا لا أشبه بن لادن ولا جورج بوش اللذين لا تتغير صفات أهل المعسكرين عندهما أبدا.
اليوم بالذات قسّمت العالم منذ الصباح إلى فئتين. المعسكر الأول يضمّ كل من قرأوا كوميكس والآخر من لم يقرأوا ولم يعرفوا تان تان وسوبرمان والوطواط والشبح. أنا من معشر الكوميكس وقضيت طفولة أتصوّر أنه من الممكن، بل ومن الطبيعي، أن يكون الإنسان مليارديرا صاحب شركات وساكن قصر منيف في النهار، وما إن تغرب الشمس حتى تراه قد لبس غطاء رأس موصول بقناع وملابس ملتصقة بجسمه وراح يكافح الجريمة ويضرب الأشرار واسمه الوطواط.
لم أقابل الكثيرين من قراء الكوميكس ومن قابلتهم أحسست انجذابا لهم ورابطة غامضة وكأننا أبناء تنظيم سري وخطير مثل الماسونية. في عملي في الإعلام بأصنافه من صحف إلى راديو وتلفزيون قابلت كوميكسيا واحدا. كان يعرف أن نبيل فوزي (سوبرمان) يعمل في صحيفة الكوكب اليومي التي يرأس تحريرها وهيب ج.
مثلي، كان يقبل أن الإنسان ما إن ينزع نظاراته الطبية حتى يتغير شكله بحيث لا يعرفه أقرب الناس إليه، كما يفعل نبيل فوزي ليصبح سوبرمان. لعل هذه القدرة على قبول اللامعقول هي التي تجعل قراء الكوميكس طائفة مختلفة. ليس القبول سذاجة بل رغبة في التحليق وشغف بالخيال.
أعطني طفلا يقرأ الكوميكس أعطك رجلا متنوعا يحب أن يعرف ويعرف ويعرف.
من كلام الأولين “رووا أولادكم الشعر”. ويمكن أن تكون الحكمة الحديثة “عوّدوا أولادكم على الكوميكس ستنبت لخيالهم أجنحة”. سيحلقون إلى عوالم جميلة لا حدود لها، فيها هندي أحمر اسمه “الرجل ذو السن الواحدة التي فقدها” وليس الرجل الذي بلا أسنان.