روسيا توظف القضية الفلسطينية في خلافها مع إسرائيل

موسكو لن تستطيع الذهاب بعيدا في علاقاتها مع حماس على حساب علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل ورجال أعمال يهود وهي ترى أن فتور العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب مجرد سحابة صيف.
السبت 2022/05/21
حماس تصطاد في الماء العكر

الزيارة التي أجراها وفد من حركة حماس إلى موسكو في مطلع الشهر الجاري حظيت بتسليط مكثف للأضواء إذ أنها أتت في سياق زمني متصل بما يجري في أوكرانيا، وما تلا ذلك من توتر في العلاقات بين موسكو وتل أبيب، الأمر الذي جعلها تبدو زيارة على غير العادة، ومرتبطة بأجندة روسيا في منطقة الشرق الأوسط ورغبتها في توظيف القضية الفلسطينية وحماس لاستفزاز إسرائيل من خلال هذه الدعوة.

وحتى لا تبدو الزيارة مجرد تمهيد لدعوة سبقتها في يونيو الماضي لاستضافة جولة جديدة من جولات المصالحة الفلسطينية، جاءت زيارة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ إلى موسكو الثلاثاء الماضي لتؤكد هذا التوجه.

وفي ظل الضغوط الشديدة التي تعيشها حاليا الدبلوماسية الروسية، بسبب تبعات الحرب الدائرة في أوكرانيا، اختار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إعادة فتح ملف المصالحة الفلسطينية، وتوظيفه للفت الأنظار حول ما يجري في ساحة الحرب، وحتى وإن كانت الدعوة قد سبقت العملية العسكرية في أوكرانيا بشهرين، ولكنها لم تكن من سلم أولويات الخارجية الروسية. إلا أن التطورات الجارية والتوتر الحاصل بين موسكو وتل أبيب جعلاها تأخذ حيزا مميزا في أجندة بوتين والكرملين، بالإضافة إلى ربطها بجملة من الرسائل السياسية.

يبدو أن الخارجية الروسية في الوضع الراهن حريصة أكثر فأكثر على عودة العلاقات بين دمشق وحماس

روسيا على دراية بالملف الفلسطيني بأدق تفاصيله، وتعلم أن المصالحة الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة غير ممكنة مع إصرار حماس على شروط مسبقة قبل التفاوض، ولأن حوار القاهرة قدم كل شيء ولكنه لم يستطع لم شمل الفرقاء. وهي تعلم كذلك أن الإرادة السياسية غير متوفرة لدى حماس، ولكن لا مانع للكرملين في توظيف هذه الأخيرة لخلط أوراق إسرائيل، وللرد على مساندتها العسكرية لأوكرانيا وإشراكها لبعض المرتزقة الإسرائيليين في كتيبة آزوف. وبالطبع لا تمانع حماس في المشاركة في اللعبة الروسية مادام القاسم المشترك بينهم هو إسرائيل.

علاقة حماس بروسيا بدأت بشكل رسمي في العام 2005، وتخللها عقد لقاءات عدة على مستويات مختلفة، كان أبرزها لقاء خالد مشعل بوزير الخارجية الروسي لافروف سنة 2006 عقب نتائج الانتخابات التشريعية، واستقباله أيضا من طرف رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في العام 2006. ولقاء ثان أثناء تولي هذا الأخير للرئاسة في العام 2010 جرى في دمشق بحضور الرئيس السوري بشار الأسد. والمعروف أن روسيا كانت تنظر لإشراف حماس على غزة بأنه تغيير استراتيجي في المنطقة لا تمانع فيه، بالرغم من امتعاض الإدارة الأميركية وقتها، ولم تسع روسيا لمساعدة حماس لأنها أرادت أن تبقى على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، ولو أنها كانت أقرب لحماس من السلطة الفلسطينية.

ويبدو أن الخارجية الروسية في الوضع الراهن حريصة أكثر فأكثر على عودة العلاقات بين دمشق وحماس أكثر تحقيقا من المصالحة الفلسطينية، وذلك لما ستسببه عودة التقارب بين دمشق وغزة من قلق لإسرائيل. كما أن تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق الأخيرة كشفت بأن الحركة تأمل في عودة العلاقات مع دمشق على الرغم من تعقيداتها. وهذا كله يكشف أن روسيا قد تقود دورا في هذا الصدد لتستفز إسرائيل ليس إلّا.

روسيا لن تستطيع الذهاب بعيدا في علاقاتها مع حماس ودعمها على حساب علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل ورجال الأعمال اليهود الموالين للدولة العبرية، وهي ترى أن فتور العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب مجرد سحابة صيف، لا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن تصل إلى القطيعة التامة، لما للبلدين من مصالح مشتركة في المنطقة وتنسيق أمني في الملف السوري والملف النووي الإيراني. وحماس تدرك هذا جيدا، ولكنها لا تفوت الفرصة للصيد في الماء العكر، وفي ظل الخلاف القائم بين روسيا وإسرائيل من جهة وروسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ولعلها تثني واشنطن عن رغبتها في تصفية الأونروا، قطعا للطريق أمام المساومة الروسية للحركة.

9