روسيا تحوّل الأمم المتحدة إلى أداة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط

استغلال موسكو لعضويتها الدائمة في عرقلة إنهاء حملتها العسكرية في سوريا تعد جزءاً من جهود الرئيس الروسي الواسعة لإعادة صياغة الأحداث في الشرق الأوسط.
الأربعاء 2020/02/05
ثقة في ممارسة النفوذ

نيويورك - في المباحثات الخاصة بموازنة الأمم المتحدة، والتي كانت تجرى في منتصف الليل في غرفة بلا نوافذ في قبو مقر الأمم المتحدة بنيويورك، اتخذ الدبلوماسيون الروس موقفا متشددا إزاء الموازنة التي تبلغ 3 مليارات دولار بغرض تحقيق أهداف موسكو.

فقبل أيام من بدء العام الجديد، كان مندوبون من عدة دول يسعون جاهدين من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن عدد كبير من الموضوعات، بدءا من عدد المترجمين الذين سيتم تعيينهم في جنيف إلى تحديد من الذي يحق له السفر بالدرجة الأولى على الطائرات.

كانت المحادثات تعاني من الشلل بشأن مجموعة من البنود في مشروع موازنة الأمم المتحدة للعام الجديد، وكان من بينها بند له تداعيات سياسية ويتعلق بتخصيص 17 مليون دولار للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب السورية الدائرة منذ تسع سنوات.

وفي هذا الوقت دخل مسؤول روسي إلى غرفة الاجتماعات وقال أمام دبلوماسيين من أكثر من 20 دولة إن الاتفاق الذي توصلوا إليه بشأن الموازنة ليس جيدا بالدرجة الكافية، مما أدى إلى تأجيل إقرار الموازنة إلى ما بعد عطلة عيد الميلاد، بحسب ما نقلته وكالة بلومبرغ للأنباء عن مصادر شاركت في المحادثات.

ورغم أن إجراء المناقشات الخاصة بموازنة الأمم المتحدة في اللحظة الأخيرة أمر ليس غريبا، فإن تبني موسكو لدبلوماسية متشددة بشأن سوريا شكل جزءا من الحملة القوية للعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

تمثل هذه الدبلوماسية جزءا من الجهد الرامي إلى التصدي للمخاطر التي تهدد نفوذها في سوريا، حيث مكنت القوة الجوية الروسية الرئيس بشار الأسد من استعادة السيطرة على أغلب الأراضي السورية باستثناء منطقة شمال سوريا الغنية بالنفط.

لا يبدو أن لدى كانت الأمم المتحدة استراتيجية للتعامل مع روسيا التي تعرف كيف تستغلها لتحقيق أهدافها

ونقلت بلومبرغ عن لويس تشاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة بمنظمة هيومان رايتس ووتش، القول إن روسيا تقوم بكل ما تستطيع به لتقويض نشاط الأمم المتحدة في سوريا، وهي تعرف تماما كيف تفعل ذلك من خلال عرقلة إقرار موازنة المنظمة الدولية، مضيفا أن روسيا تعرف كيف تستفيد من نظام الأمم المتحدة لتحقيق أهدافها “ومن غير الواضح ما إذا كانت الأمم المتحدة لديها استراتيجية للتعامل مع الموقف الروسي”.

ورغم أنه تم تمرير البند الخاص برصد المبلغ المطلوب للتحقيق في الانتهاكات السورية خلال التصويت المشوب بالتوتر في 27 ديسمبر الماضي، فإن العديد من الدبلوماسيين حذروا من أن روسيا ستواصل تحدي هذا الأمر في المفاوضات المستقبلية.

في الوقت نفسه فإن روسيا استغلت عضويتها الدائمة في مجلس الأمن لعرقلة أي محاولة لإنهاء حملتها العسكرية في سوريا، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد قرارات في مجلس الأمن ذات صلة بسوريا 14 مرة منذ بداية الصراع، وهو ما يزيد بكثير عن عدد مرات استخدام الدول دائمة العضوية الأخرى لهذا الحق في الفترة نفسها.

تعتبر هذه التحركات جزءا من الجهود الواسعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة صياغة الأحداث في الشرق الأوسط في الوقت الذي تقلص فيه الولايات المتحدة وجودها في المنطقة. فقد نجح قرار بوتين بإرسال القوات الروسية إلى سوريا عام 2015 في إنقاذ حكم بشار الأسد من الانهيار، وأجبر القوى الإقليمية الأخرى على التنسيق مع موسكو بشأن مستقبل سوريا، وهمش جولات محادثات السلام السورية برعاية الأمم المتحدة.

كما نجحت روسيا في توسيع هوة الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا من خلال إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي إس-400 رغم الاعتراضات الأميركية مما دفع واشنطن إلى رفض بيع الطائرة المقاتلة إف-35 لأنقرة.

في الوقت نفسه، يحرص أردوغان على إبعاد العلاقة مع روسيا عن التدخل التركي في سوريا والاصطدام بالقوات السورية، في الوقت الذي أرسل فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوات أميركية إضافية إلى منطقة الشرق الأوسط لمواجهة المخاطر الإيرانية.

Thumbnail

ويطالب ترامب الدول الأخرى وحلفاءه في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بزيادة مشاركتها في أمن الشرق الأوسط من أجل الحد من الالتزامات العسكرية الأميركية في “الحروب التي بلا نهاية” من سوريا إلى أفغانستان.

ويقول دبلوماسيون في الأمم المتحدة إن روسيا واثقة من قدرتها على ممارسة نفوذها وإفشال قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الصادر في العام الماضي لبدء تحقيق منفصل بشأن الهجمات على أهداف مدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس في سوريا. وحدثت هذه الهجمات رغم أن هذه المنشآت المدنية أرسلت بيانات إحداثياتها إلى القوات الروسية والسورية لتجنب مهاجمتها عن طريق الخطأ.

وبعد أيام قليلة من معركة الموازنة بشأن مخصصات التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، استدرجت روسيا القوى الغربية إلى مفاوضات ماراطونية بشأن ممرات إرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يريدون منح الأمم المتحدة حق نقل المساعدات إلى سوريا عبر ثلاث نقاط مرور ولمدة ثلاث سنوات، في حين قالت روسيا إنها لن تسمح بأكثر من ممرين ولمدة ستة أشهر.

ويشير الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن ممرات المساعدات إلى فشل الدول الغربية في التوافق على استراتيجية لمواجهة روسيا، بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء.

 وقالت السفيرة البريطانية كارين بيرسي إن هذا الفشل “هو واحد من أشد الأيام حزنا لسوريا”، متهمة روسيا بأنها تقامر بحياة الشعب السوري في شمال شرق سوريا.

وقالت السفيرة الأميركية كيلي كرافت إن “روسيا تبذل جهودا لا تكل من أجل دعم نظام حكم الأسد وتجويع معارضيه”.

في المقابل قال فاسيلي نيبينزيا، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، إن الأوضاع على الأرض في سوريا تغيرت والمساعدات الإنسانية تأتي الآن من داخل البلاد.

وخلال لقاء مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون اتهم وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الدول الغربية بالكيل بمكيالينوأنها لا تحاول إرسال المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.

7