روبوت يعتلي مسرحا باريسيا ليغني في عرض موسيقي

الذكاء الاصطناعي يؤلف الأغاني ويرتجل أثناء الغناء.
الأحد 2023/06/25
يفاجئ الحاضرين ولا يذهلهم

تزداد المراهنة على قدرة الروبوتات على مشاركة الإنسان في حياته بعد أن أصبحت مخاوف الخيال العلمي في الأفلام أكثر قربًا من شاشة السينما. وبعد تمكن الروبوتات من الالتحاق بمجالات عديدة بعضها يحتاج إلى التفاعل والتقدير، وصلت الروبوتات إلى عالم الموسيقى، حيث وقف الروبوت “ألتير 4” على المسرح ليردد الأغاني بمعية جوقة موسيقية.

باريس - على خشبة أحد مسارح العاصمة الفرنسية باريس يحرّك روبوتٌ عينيه ويرتجل أغنيات. هو ليس مثالاً عن الأوبرا المستقبلية، بل يمثّل أحد أشكال التأليف الموسيقي التي يتحوّل فيها برنامج “تشات جي بي تي” إلى كاتب نصوص، ويتولى روبوت قائم على الذكاء الاصطناعي الغناء.

ويرافق الروبوت المسمّى “ألتير 4” فريق من نحو أربعين موسيقياً من أوركسترا “أباسيوناتو” الفرنسية وجوقة بوذية يابانية آتية من جبل كويا، فيما يعزف على البيانو المؤلف الموسيقي كييتشيرو شيبويا الذي ابتكر عرض “أندرويد أوبرا ميرور” المُستمر حتى الجمعة على مسرح شاتليه.

ويُسمَع خلال العرض مزيج غريب يجمع الصوت الاصطناعي وترانيم يؤديها رهبان يظهرون بأزياء تقليدية ونغمات الكمان والموسيقى الإلكترونية.

ويقول الراهب إيزن فوجيوارا “أرى أنّ الروبوت على المسرح هو جزء من الفريق، ونحن نعمل معاً”.

ويمكن للذكاء الاصطناعي توليف الموسيقى عن طريق معالجة البيانات الموسيقية الضخمة واكتشاف الأنماط والتراكيب الموسيقية المميزة، كما يمكنه أيضًا توليف الموسيقى بشكل تلقائي باستخدام النماذج التي تتعلم من الأعمال الموسيقية الحالية وتقترح مقتطفات موسيقية جديدة.

يتم استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لتمكين الروبوتات من أداء الأغاني بطرق مشابهة للأصوات البشرية

ويتابع فوجيوارا “صحيح أنّ أغنياتنا لم تتغير منذ 1200 عام (…) يُعتقَد أنّ الأمور المتباينة لا يمكن أن تكون متوافقة، لكن عندما نؤدّي معاً نكون في تناغم تام”.

وهناك تطور مثير في مجال الروبوتات التي تستطيع الغناء، ويتم استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لتمكين الروبوتات من أداء الأغاني بطرق مشابهة للأصوات البشرية.

ويضم “ألتير 4” الذي ابتكره المتخصص في الروبوتات هيروشي إشيغورو (تولى المهندس المعماري الشهير كازويو سيجيما تصميم المنصة الموجودة في الجزء السفلي من جسم الروبوت) 53 مفصلاً، أي أكثر بعشرة مفاصل مما كان يحوي النموذج السابق، وهو ما يتيح له التعبير بطريقة ديناميكية أكبر.

والأهم هو أنّ هذا الروبوت قادر على ارتجال كلمات يغنّيها في العرض بالتزامن مع ما تؤديه جوقة الرهبان.

ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الأغاني واستخراج المعلومات الموسيقية منها، مثل النغمة، والإيقاع، والمقام الموسيقي، والتراكيب الموسيقية، وغيرها. ويمكن استخدام هذه المعلومات لتصنيف الأغاني، وتوصية المستخدمين بأغانٍ مشابهة، وتحليل اتجاهات الموسيقى، وغيرها.

وتتنوع هذه الروبوتات في الشكل والحجم والتقنيات المستخدمة، وقد تكون عبارة عن روبوتات بشكل بشري، أو روبوتات ذات شكل غير بشري تستخدم أجهزة للتخاطب الصوتي والإنتاج الموسيقي.

فنان بلا شعور
فنان بلا شعور

وتستخدم هذه الروبوتات في العروض الترفيهية والحفلات الموسيقية، وتستطيع تقديم الأغاني بشكل دقيق واحترافي. ويتم تحميل الأصوات والملحنين في برمجة الروبوتات لتمكينها من تنفيذ نطاق واسع من الأغاني والأنماط الموسيقية.

وينشد “ألتير 4” ثلاث أغنيات في أداء قد “يُفاجِئ” الحاضرين أحياناً أكثر مما يذهلهم الارتجال البشري، حسب قول شيبويا.

واستند المؤلف الموسيقي إلى برنامج “تشات جي بي تي” لكتابة ثلاثة أرباع العرض الذي يتمحور على السلام والوئام في العالم، ويقول “شرحت للبرنامج تفاصيل عن الحفلة وكلمات الأغاني التي يؤديها الرهبان، فكان الردّ سريعاً جداً”.

ويرى أنّ ما ابتكره الذكاء الاصطناعي يمثل إبداعاً، مشيراً إلى أنّ الأهمية الكامنة وراء مقاربة مماثلة تتمثل في اكتشاف “تناغمات جديدة”.

وخلف الكواليس يتولّى تحريك الروبوت من خلال أحد البرامج مدرّس الموسيقى شينتاري إيماي الذي درس التأليف الموسيقي في إركام (مركز أبحاث للتقنيات الموسيقية والصوتية الحديثة) في باريس.

ويقول إيماي إنّ الروبوت “يخرج دائماً عن سيطرتي، ولا أدرك سلفاً كيف سيتحرك ويرتجل الغناء”.

أما أعضاء أوركسترا “أباسيوناتو” الفرنسية التي أسسها ماتيو إرزوغ والمُعتادة أكثر على العروض الكلاسيكية والرومانسية، فتنظر إلى الروبوت على أنّه ينطوي على نوع من المرح.

Thumbnail

ويقول مدير الأوركسترا لِيو دومين “عندما وصلنا ورأينا هذا الروبوت يتحرّك ويومض بعينيه، انتابنا خوف كبير”.

ويضيف “هو كالوحوش في الثقافتين الصينية واليابانية، يندمج مع البيئة البشرية”.

ويعتبر أنّ “مواجهة الذكاء الاصطناعي والروبوت تطرح تساؤلاً عن دور الإنسان في الفنّ (…) وما يمكن للروبوتات أن تقدّمه”.

ويتابع أنّ الروبوت “ينتج أصواتاً تمتزج مع أصواتنا، مما يؤدي إلى ابتكار نسيج صوتي غير معروف”، معتبراً أنّ “هذا المزيج من النبرات الصوتية مثير للاهتمام من الناحية الموسيقية”.

لكن رغم الأداء المُتزامن بين الروبوت والرهبان “لا يحدث تفاعل فعلي بينهم”، بحسب الموسيقي.

هل سيستمر هذا النوع من الابتكار أم أنّه تقنية عابرة؟ يجيب ليو دومين ضاحكاً “هل ستحلّ الروبوتات محل الموسيقيين البشريين؟ هذا ليس مؤكداً”.

يذكر أن الروبوت منسق الأغاني قد ظهر منذ سنوات وهو يختار أقراصًا معينة من رفوف قريبة منه، ويضعها في ثلاثة مشغلات موسيقية أمامه، بل تجاوز ذلك إلى تعديل التسجيلات.

وفي حين اعترض البعض على الفكرة مشككين بقدرة الروبوت على الشعور بالموسيقى والتفاعل معها، قال آخرون إن الناس متحمسون لهذه التجربة.

13