روبرت مولر محقق مخضرم يحبس الأميركيون أنفاسهم بانتظاره

واشنطن - عدة مقاهٍ ومطاعم في العاصمة الأميركية واشنطن قدمت عروضاً مجانية لزبائنها مقابل حضورهم النقل التلفزيوني المباشر لشهادة رجل الأمن المخضرم والمفصول حديثاً من الخدمة جيمس كومي من رئاسة مكتب التحقيق الفيدرالي “إف بي آي”.
كانت الجلسة علنية أمام مجلس الشيوخ، ومنقولة عبر القنوات التلفزيونية الأكثر شهرة في أميركا. وكان محور تلك الشهادة قناعة كومي بأن روسيا حاولت التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية لصالح ترامب على حساب كلينتون.
فراغات سرية غامضة
ربما كان الرئيس دونالد ترامب مهتماً أكثر من غيره بما سيقوله ذلك الرجل الذي طرده من منصبه وسط دهشة أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ترامب اعتبر خلافه مع كومي بما يمثله الأخير من إدانة لفريقه الانتخابي بالتواصل مع السفير الروسي في واشنطن صراعا سينتصر فيه.
إلا أن كومي لم يتوقف عند فريق ترامب بل قال “لا شك عندي أن الحكومة الروسية كانت وراء التدخل في الانتخابات من خلال قرصنة ملفات الحزب الديمقراطي”، مشيرا إلى أن مئات المواقع والمنشآت الأميركية تعرضت للاختراق الروسي.
كومي كان دقيقاً جداً في إجاباته على أسئلة لجنة استماع مجلس الشيوخ. فعندما قام السيناتور توم كوتن بتوجيه السؤال له عما إذا كان يعتقد أن الرئيس ترامب تواطأ مع روسيا؟ أجاب قائلاً “لا أشعر بالارتياح للإجابة عن هذا السؤال في إطار مفتوح، وأريد أن أكون حذراً في مناقشة الموضوع″.
إذن فقد تركت إجاباته فراغات قد يكون ملأها في الإطار السري المغلق مع نفس اللجنة عقب الجلسة العلنية المباشرة التي استمع إليها العالم كله.
لكن وبعد تلك الجلسة السرية فإن أكثرية أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب توافقت على متابعة التحقيق في قضية التدخل الروسي ورشحت لرئاسته بما يشبه الإجماع شخصيةً أمنيةً عريقة لها سمعتها النقية والاحترافية على مدى عقود وهي روبرت ميلر المدير السابق للـ”إف بي أي” في عهدي الرئيسين بوش الابن وأوباما. هذا الرجل أصبح اليوم في الثالثة والسبعين وابتعد كثيراً عن الأضواء منذ خلفه في المنصب جيمس كومي.
المهمة الجديدة لمولر ستفرض عليه إنهاء خدماته في شركة المحاماة الخاصة التي يعمل شريكا بها منذ عام 2014. وهو الذي يَعرف دهاليز مكتب التحقيقات الفيدرالي جيدا، خاصة ما يتعلق بقضايا الإرهاب والجاسوسية، فقد أمضى اثني عشر عاما مديرا للمكتب.
لقد حظي تعيينه بتأييد واسع من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء في الكونغرس. قال عنه عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي تشارلز شومر مدير مكتب التحقيقات الاتحادي السابق “مولر هو أنسب شخص لهذه المهمة وإن التحقيق الذي سيجريه سيتتبع الأدلة إلى مداها”.
أما عضو مجلس النواب الديمقراطية دايان فاينشتاين فقالت “كان روبرت مدعيا عاما جيدا ومديرا عظيما لمكتب التحقيقات الاتحادي، وليس هناك شخص بإمكانه القيام بهذه المهمة بشكل أفضل منه”، وأضافت “إنه شخصية محترمة وموهوبة ولديها المعرفة والقدرة على عمل الشيء الصحيح”.
المهمة الجديدة لمولر ستفرض عليه إنهاء خدماته في شركة المحاماة الخاصة التي يعمل شريكا بها منذ عام 2014 وهو الذي يعرف دهاليز مكتب التحقيقات الفيدرالي جيدا، خاصة ما يتعلق بقضايا الإرهاب والجاسوسية، فقد أمضى اثني عشر عاما مديرا للمكتب في عهدي الرئيسين بوش الابن وأوباما
المحقق الخاص
إذن فقد أصبح مولر محققا خاصا تابعا لوزارة العدل. يشرف بموجب هذا التكليف على التحقيقات في أي علاقة وتنسيق بين الحكومة الروسية وأفراد لهم علاقة بحملة ترامب الانتخابية، وأيّ أمور قد تكون نتجت أو قد تنتج مباشرة من التحقيق.
صحيفة واشنطن بوست قالت مساء الأربعاء 14 من يونيو الجاري إن مولر، المحقق الخاص المكلف من قبل وزارة العدل الأميركية للتحقيق في مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في نوفمبر الماضي والتي أسفرت عن فوز ترامب بالرئاسة، فتح تحقيقا في إمكانية أن يكون الأخير قد عرقل سير العدالة بمحاولته التأثير على التحقيق الأول.
ويبدو أن مزاعم عرقلة سير العدالة تتركز على محاولات ترامب الضغط على المدير المقال لمكتب التحقيقات الاتحادي كومي لإجباره على التخلي عن تحقيق كان المكتب يجريه حول مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين وعلاقته بروسيا.
وقالت الصحيفة إن مولر سيستجوب ثلاثة من كبار المسؤولين الاستخباريين في سياق هذا التحقيق، مضيفة أن هؤلاء المسؤولين الثلاثة هم كل من مدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس ومدير وكالة الأمن الوطني مايك روجرز والمدير السابق للوكالة ريتشارد ليجيت.
وكان أحد المقربين من ترامب، ويدعى كريس رادي، قد ألمح في وقت سابق إلى أن ترامب قد يقيل مولر الذي عين عقب قيام الرئيس الأميركي بإقالة كومي. ولم يدل البيت الأبيض حينها بأي تعليق حول ما ذهبت إليه الواشنطن بوست. ولكن من هو مولر؟
ولد روبرت سوان مولر في السابع من أغسطس 1944 في نيويورك. وهو سادس مدير لمكتب التحقيقات الاتحادي في تاريخ الولايات المتحدة إذ شغل المنصب من سبتمبر 2001 إلى سبتمبر 2013. وينحدر من أصول ألمانية وأسكتلندية وإنكليزية، وكان الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن عين مولر، وهو جمهوري أيضا، في المنصب لمدة عشر سنوات مددها الرئيس الديمقراطي باراك أوباما لعامين آخرين.
|
قبل أسبوع من الكارثة
قبل توليه إدارة مكتب التحقيقات الاتحادي، عمل مولر، وهو محامٍ، مدعيا عاما، ومساعدا لوزير العدل للشؤون الجنائية، ونائبا عاما لوزير العدل.
تخرج من جامعة برينستون في عام 1966 حيث حصل منها على شهادة البكالوريوس في القانون، كما حاز على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة نيويورك، ثم الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة فرجينيا.
تطوّع مولر في صفوف مشاة البحرية في عام 1968، وشارك في ثلاث دورات تخرّج منها ضابطا في ذلك الصنف، وقاد فوجا للمشاة تابعا لفرقة مشاة البحرية الثالثة في حرب فيتنام، وحاز على عدد من الأوسمة تقديرا لخدمته العسكرية في الحرب الفيتنامية.
وفي الخامس من يوليو 2001، رشح الرئيس بوش الابن مولر لشغل منصب مدير مكتب التحقيقات الاتحادي، إضافة إلى مرشحين آخرين هما جورج تيرويليغر ودان ويب، ولكنهما انسحبا ولم يبق في التنافس سواه. وصادق مجلس الشيوخ بالإجماع على تعيينه في الثاني من أغسطس، وتولى المنصب رسميا في الرابع سبتمبر 2001، أي قبل أسبوع واحد فقط من هجمات 11 سبتمبر.
ومن مآثر مولر أنه هدد مع نائب وزير العدل آنذاك كومي، بالاستقالة من منصبيهما في مارس 2004 إذا قام البيت الأبيض بإبطال قرار كانت قد أصدرته وزارة العدل قالت فيه “إن التنصت على الاتصالات داخل الولايات المتحدة دون مذكرة قضائية يعد تصرفا منافيا للدستور”، مما حدا بالرئيس بوش إلى إدخال تعديلات على قرار التنصت استجابة لمخاوف مولر وكومي ووزير العدل جون أشكروفت.
طلب أوباما من مولر الاستمرار في منصبه بعد انقضاء فترته التي تنتهي بعد عشر سنوات. وفي الرابع من سبتمبر 2013، خلف كومي مولر على رأس مكتب التحقيقات الاتحادية.
شاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يعتبر أن إقالة كومي كانت خطأ فادحا، ويشير إلى أنه حذر ترامب من هذه الخطوة عندما اتصل به لإعلامه بقرار الإقالة. وكان شومر قد دعا خلال مؤتمر صحافي في مبنى الكابيتول إلى تعيين قاض مستقل كي يتسلم التحقيق حول وجود تنسيق محتمل بين روسيا وفريق حملة ترامب الانتخابية
التناغم مع كومي
في السياق التاريخي لعلاقة الرجلين مولر وكومي يبدو تناغمهما واضحاً حيال قضايا يعتقدان معاً أنها تمس الأمن القومي والدستور، كما أنهما حظيا دائماً بتأييد واسع وثقة غير محدودة من مجلس الشيوخ.
ذلك التناغم يوحي بأن مولر سيكمل التحقيقات التي بدأها كومي ولن يبدأ من الصفر. كما يتوقع منه أن يصل إلى نفس القناعة التي وصل إليها كومي حول وجود تدخل روسي حقيقي في سير الانتخابات الرئاسية ومحاولة جادة لاختراق نظام الانتخاب الإلكتروني والتأثير في الناخبين لصالح طرف على حساب الآخر. وبالرغم مما قيل عن إمكانية إقالة مولر من رئاسة لجنة التحقيق من قبل الرئيس ترامب فإن ذلك السلوك يبدو غير واقعي وإن كان ممكناً من الناحية القانونية. ذلك أنه لو حدث فسيعمق الشكوك حول مسألة إعاقة سير العدالة كما حصل بعد إقالة كومي.
ولكن هذه المرة بحدة أكبر، فقد ندد زعماء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ بإقالة كومي، وقالوا إنها تثير أسئلة عديدة بشأن علاقة حملة ترامب الانتخابية بالمصالح الروسية.
ورأى زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ شاك شومر أن إقالة كومي كانت خطأً فادحاً، مشيراً إلى أنه حذر ترامب من هذه الخطوة عندما اتصل به لإعلامه بقرار الإقالة.
ودعا شومر خلال مؤتمر صحافي في مبنى الكابيتول إلى تعيين قاضٍ مستقل كي يتسلّم التحقيق حول وجود تنسيق محتمل بين روسيا وفريق حملة ترامب الانتخابية. وبيّن شومر أنه في حال عدم تعيين قاض مستقل فإنه يحق للأميركيين التشكيك في أن قرار إقالة كومي محاولة لخنق القضية.
كما أبدى عدد من الجمهوريين أيضاً قلقهم من قرار الإقالة، وعبّر السيناتور جون مكين عن خيبة أمله في هذا السلوك، مكرراً دعوته إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية خاصة لمتابعة القضية.
|
يذكر أن الأوساط في واشنطن تتحدث عن أن اتفاقا جرى ما بين الجمهوريين والديمقراطيين على اختيار مولر لقيادة تحقيق مستقل لاحتواء الأزمة.
صحيفة “يو إس إيه توداي” تقول إنه وبعد أزمة ووترغيت، مرر الكونغرس قانون “محقق مستقل” يمكن تعيينه من قبل لجنة مكونة من ثلاثة قضاة. وبعد التجربة الخاصة بتحقيق إيران كونترا، كان هناك دعم من الحزبين للتخلّي عن القانون. والآن يملك وزير العدل والرئيس سلطة تعيين محقق خاص.
وزير العدل أو القائم بعمله في الحالات التي يتنحى فيها وزير العدل، يستطيع تعيين محقق خاص عندما تمثل القضية تضارب مصالح للوزارة أو في ظروف استثنائية. ولذلك تمكن نائب وزير العدل رود روزنشتاين من تعيين مولر لأن الوزير جيف سيشنز قد نحى نفسه.
الرئيس يشعر أنه على حق
لهذا كله فإنه من المتوقع لمولر أن يمضي في التحقيق إلى أن يصل إلى نتائج دامغة يستطيع إثباتها بالأدلة القاطعة. أما الرئيس ترامب فيبدو من تغريداته وتصريحات محاميه أنه مطمئن إلا أنه لن يتعرض لأيّ تحقيق. فقد علق قائلا “إن التحقيق الدقيق سيؤكد ما نعرفه مسبقا، وهو أنه لا يوجد تواطؤ بين حملتي وأي كيان أجنبي”. وأضاف أنه يتطلع إلى استنتاج هذا الأمر سريعا.
أما مارك كاسوفيتش المحامي الشخصي لترامب فقد قال قبل جلسة الاستماع إن موكله مسرور بالشهادة التي سيدلي بها المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” أمام الكونغرس لأنها ستثبت صحة ما كان يردده الرئيس.
وأكد المحامي في بيان مقتضب أن ترامب مسرور لأن كومي سيؤكد في النهاية علنا تقاريره الخاصة بأنه لم يكن يوما موضع تحقيق في أيّ قضية بشأن التدخل الروسي. وأضاف كاسوفيتش”إن الرئيس يشعر بأنه على حق بشكل كامل وتام”.