رقيب تويتر يعاني من نفس مشاكل تويتر

"بيرد ووتش" يواجه تحديات تمييز الحقائق من الرأي الحزبي.                           
الأحد 2021/03/28
كيف السبيل إلى تمييز الخروقات؟

بعد حادثة اقتحام مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة انخرط تويتر في تجربة لمراقبة الأخبار المضللة والمحتويات الخطيرة، غير أن رقيب تويتر “بيرد ووتش” لم يتمكن من معالجة إشكاليات المحتويات المضللة وغير المفيدة نظرا لأنه تعرض لنفس الضغوط التي يواجهها تويتر نفسه، وهي تمييز الحقائق من الرأي الحزبي والتعامل مع احتمال المضايقة أو الأشخاص الذين يحاولون التلاعب بالنظام.

نيويورك – في يناير، بعد أسابيع فقط من قرار إدارة تويتر حظر الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل دائم بعد اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي، بدأت شركة التواصل الاجتماعي تطلب من المستخدمين الأميركيين المساعدة في تحديد التغريدات المضللة والتحقق منها في برنامج تجريبي جديد.

لكن “بيرد ووتش” (مراقبة الطيور)، التي تضم حوالي ألفي مشارك والتي تتمتع بقسمها الخاص في الموقع، تواجه بالفعل العديد من التحديات التي يواجهها موقع تويتر نفسه: تمييز الحقائق من الرأي الحزبي والتعامل مع احتمال المضايقة أو الأشخاص الذين يحاولون التلاعب بالنظام.

وقال كيث كولمان وهو نائب رئيس تويتر للمنتجات لرويترز “هناك الكثير لنفعله للوصول إلى النقطة التي نشعر فيها بالراحة عند وضع هذه الأشياء على التغريدات”. ويستطيع “مراقبو الطيور” الإبلاغ عن التغريدات المضللة والتعليق عليها بملاحظات لإعطاء المزيد من المعلومات، والتي يمكن للمشاركين الآخرين تصنيفها على أنها مفيدة.

وفتحت هذه العملية الضغط لتنظيف موقعه، وبدأ تويتر تصنيف التغريدات المضللة لأول مرة العام الماضي، وهي خطوة أدت إلى تكثيف الجدل حول الدور الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية في الخطاب العام. كما أثار مزاعم من المشرعين الجمهوريين بأن شركات التكنولوجيا تفرض رقابة على المحافظين.

وعند مطالبة المستخدمين بالمساهمة في عمليات التحقق، سيتعين على تويتر موازنة مراقبة “بيرد ووتش” لجعلها مفيدة دون فقدان الشرعية التي أرادها في الاعتماد على مجتمعه. وتُظهر بيانات “بيرد ووتش” العامة ملاحظات تتراوح من عمليات تدقيق الحقائق المتوازنة إلى النقد الحزبي.

تويتر كانت وسيلة الاتصال الأساسية لترامب، وغيابه عن المنصة وجّه ضربة خطيرة لقدرته على نشر معلومات كاذبة

على سبيل المثال، أشار البعض إلى ادعاء تزوير الانتخابات الرئاسية الأميركية  في نوفمبر بأنه “غير مضلل”. وأعطى الكثيرون آراءهم على تغريدة رجل الأعمال الأميركي، إيلون ماسك وهو الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس حيث قال له أحدهم “يجب أن تذهب إلى المريخ وتبقى هناك”، بينما أضاف آخرون ملاحظات إلى الآراء.

وقال أليكس ماهاديفان، مراسل مشروع ميديا ​​وايز التابع لمعهد بوينتر للدراسات الإعلامية، والذي حلل بيانات بيرد ووتش، إن الناس “يتحققون من الحقائق التي لا يستطيع مدققو الحقائق المحترفون تحديد صحّتها”. وقال كولمان إن الخطوة التالية لفريق تويتر ستكون تحديث خوارزمية التصنيف التي تحدد الملاحظات التي يجب تسليط الضوء عليها للتأكد من أن يعترف “مراقبو الطيور” الذين لديهم وجهات نظر مختلفة على أن المعلومات مفيدة. وتابع “من الجيد تماما وجود مزيج من الجودة في المدخلات. لكن ما يهم هو جودة المخرجات”.

وأثار قرار تويتر ردود فعل سياسية متباينة في الولايات المتحدة وخارجها، فقد اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن إغلاق العديد من شبكات التواصل الاجتماعي ومن بينها تويتر حسابات ترامب “يطرح إشكالية”، لأن هذه المنصات لديها “مسؤولية كبيرة جدا ويجب ألا تبقى دون تحرك” في مواجهة محتوى يتضمن حقدا أو عنفا، في حين أنّ “حرية التعبير هي حق جوهري له أهمية أساسية”.

وبينما رأى وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أنّ “تنظيم العمالقة الرقميين لا يمكن أن تقوم به الأوليغارشية الرقمية نفسها”، اعتبر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن هناك ضرورة لجمع مختلف الأطراف المعنية ومناقشة هذا الموضوع.

ويشدد دوجاريك على أن جميع الوسائل لكبح التصريحات الخطيرة والكراهية يجب أن تتجاوب مع القواعد الدولية الخاصة بمراعاة حقوق الإنسان.

كيث كولمان: هناك الكثير لنفعله للشعور بالراحة عند وضع هذه الأشياء على التغريدات
كيث كولمان: هناك الكثير لنفعله للشعور بالراحة عند وضع هذه الأشياء على التغريدات

حكمة الحشود

إن المعلومات من مصادر جماهيرية ومراقبة المجتمع لنفسه ليسا نموذجين جديدين، فهما يدعمان منصات مثل الشبكة الاجتماعية ريدت. كما تعتمد إدارة فيسبوك برنامج مراجعة للمستخدمين لتحديد المحتوى المشتبه فيه ليتحول بعد ذلك إلى مدققي الحقائق المحترفين.

كما توصلت شركة فيسبوك إلى اتفاق مع وكالة رويترز للأنباء، وهي وحدة تابعة لمؤسسة تومسون رويترز، للتحقق من المحتوى المنشور على منصة التواصل الاجتماعي وتطبيق إنستغرام لمشاركة الصور. وبدأت فيسبوك برنامجا تجريبيا في الولايات المتحدة في ديسمبر لكشف المعلومات المضللة بشكل أسرع، وذلك تحت ضغط لحذف الأخبار الزائفة من على منصتها قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

كما تعد ويكيبيديا واحدة من أبرز الأمثلة على النهج القائم على الحشود، حيث يكتب المتطوعون الملايين من المقالات.

قالت كاثرين ماهر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة ويكيميديا ​​التي تدير ويكيبيديا، في مقابلة إن مهمة المجتمع تكمن في بناء موسوعة، مما يجعلها “منصة الغرض” بدلا من “منصة التعبير”. ويحدد هذا كيف يتصرف المساهمون. لكن الأمر يبقى معقدا بالنسبة إلى تويتر.

وقالت ماهر إن نسخ الطريقة التي تكافئ بها ويكيبيديا المساهمات الموثوقة يمكن أن تساعد. إذ يُمنح المحررون العامون على ويكيبيديا ضوابط أكبر من قبل المستخدمين الآخرين، بناء على عملهم. وقال كولمان إن شركة تويتر تعمل على كيفية بناء درجات رتب لمراقبي الطيور، بناء على ما إذا اعتبرت مجموعة من الأشخاص مساهماتهم مفيدة. وأكّدت ماهر أن تويتر ستحتاج إلى تطوير معايير وإنفاذها لهذه المجموعة وتحديد كيف يمكن للناس استئناف التعليقات التوضيحية. قالت إنه يحتاج إلى حل مشكلة “من يشاهد المراقبين”؟

"بيرد ووتش"

Thumbnail

قال الباحث في مجال الرعاية الصحية ترافيس ويتفيل، إنه انضم إلى برنامج “بيرد ووتش” لتصحيح المعلومات الخاطئة حول فايروس كورونا المستجد. كما انضم ويسلي ميلر وهو محلل أبحاث يبلغ من العمر 47 سنة إلى البرنامج بعد أن ترك موقع تويتر لفترة وجيزة خلال سنة 2020 احتجاجا على عدم اتخاذ الشركة إجراءات ضد ترامب.

وقال جيفري جونسون وهو طالب جامعي محافظ يبلغ من العمر 19 سنة من بنتونفيل  في أركنساس إنه انضم على سبيل المزاح، لكنه أحب فكرة اتخاذ المستخدمين القرار بشأن الحقيقة بدلا من تويتر. وقال الباحثون إنه كان من الصعب معرفة ما إذا كان البرنامج سيجذب متطوعين مدفوعين بمهمة، أو متعصبين يتّبعون أجندات أو جهات فاعلة خبيثة في المستقبل إذا طرِح على نطاق أوسع.

للمساعدة في توجيه تطوير البرنامج، قالت تويتر إنها بصدد إنشاء مجلس استشاري من خبراء خارجيين بخلفيات تتراوح من التعهيد الجماعي إلى العلوم السياسية. وأقرت الشركة أنه سيتعين عليها العمل على كيفية منع مراقبي الطيور غير المدفوعين من التعرض للمضايقة بسبب ملاحظاتهم.

وقال كولمان إنه يدرس خيارات مثل إزالة معلومات الأشخاص من تعليقاتهم التوضيحية وسيُسمح للمساهمين أيضا باستخدام حسابات بأسماء مستعارة لحماية هوياتهم. وتابع “لا نعرف ماذا سيحدث وما إذا كان الناس سيشعرون بالأمان. إن هذا أمر بالغ الأهمية”.

حجب تويتر لترامب

جعلت خسارة هذا التواصل ترامب يبحث عن البدائل. ولعل البديل يكمن في هجرة الكثيرين إلى التطبيقات المباشرة مثل سيغنال وتيليغراف باعتبار أن واتساب تابعة لفيسبوك وستحارب تمدد التواصل الذي يريده ترامب مع مريديه عبر التطبيقات المباشرة بدلا من البث عبر منصة تويتر.

وتتجاوز التطبيقات المباشرة مثل سيغنال تحديدات تويتر لأنها مراسلات وليست نشرا مفتوحا للجميع. وقد تم تبين قوتها ومتانة سريتها في قضية إدوارد سنودن، فقد حقق التطبيق سريعا شعبية في أوساط الصحافيين والمبلّغين عن الانتهاكات، خصوصا بفضل دعم سنودن الذي سرّب بيانات سرية عن أساليب أجهزة الاستخبارات الأميركية في التجسس على الاتصالات.

ويصنف الخبراء سيغنال، الذي أطلق سنة 2014، ضمن أكثر تطبيقات المراسلة أمانا في العالم خصوصا بفضل قدرته على التشفير التام للرسائل والاتصالات بالصوت أو الفيديو بين طرفي الاتصال. وهذا ما يريده ترامب الآن المطارد بعيدا عن المنصات الاجتماعية التقليدية.

ولم تكن تويتر المنصة الوحيدة التي اتخذت إجراءات ضد ترامب في أعقاب أحداث السادس من يناير ورفضه المستمر لقبول نتائج الانتخابات الأميركية لعام 2020.

وتم حظر ترامب أيضًا من فيسبوك وإنستغرام وسنابشات، واتخذت العشرات من المنصات الأخرى إجراءات إشراف مختلفة.

كاثرين ماهر: مهمة المجتمع تكمن في بناء موسوعة، مما يجعلها منصة الغرض بدلا من منصة التعبير
كاثرين ماهر: مهمة المجتمع تكمن في بناء موسوعة، مما يجعلها منصة الغرض بدلا من منصة التعبير

لكن تويتر كانت وسيلة الاتصال الأساسية لترامب، وغيابه عن المنصة وجّه ضربة خطيرة لقدرته على نشر معلومات كاذبة والبقاء مشاركا نشطا في المناقشات حول الأسابيع القليلة الأولى لرئاسة بايدن.

وأعلنت تويتر عن نتائجها المالية للربع الرابع مما يشير إلى أنها استمرت في اكتساب المستخدمين الجدد حتى بعد حظر ترامب. وقال الرئيس التنفيذي لشركة تويتر جاك دورسي من الواضح أننا منصة أكبر بكثير من أي موضوع أو حساب واحد.

يذكر أن الديمقراطيين بدأوا في الكونغرس مناقشات مع البيت الأبيض حول سبل اتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، بما في ذلك جعل شركات وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن نشر المعلومات المضللة بشأن مسائل مثل شغب الكابيتول في الولايات المتحدة ومعالجة إساءة استخدام القوة السوقية لإلحاق الضرر بالشركات المنافسة.

وتضمنت المحادثات، التي وصفها مشرع ومساعدوه في الكونغرس، موضوعًا مثيرًا للجدل حول ما يجب القيام به بإجراء تعديل على القسم 230، وهو جزء من قانون عام 1996

يسمى قانون آداب الاتصالات، والذي يحمي منصات وسائل التواصل الاجتماعي من الدعاوى القضائية المتعلقة بمعظم المحتوى الذي يرسله المستخدمون.

ودعا الرئيس الديمقراطي جو بايدن كمرشح العام الماضي إلى إلغاء المادة 230، وضغط سلفه الجمهوري دونالد ترامب على الكونغرس لإلغائه.

ودعا العديد من المشرعين في السنوات الأخيرة إلى قوانين ولوائح لكبح جماح شركات التكنولوجيا المهيمنة.

وتصاعد الجدل حول حدود العلاقة بين الخصوصية والحريات الفردية بعد تلك الخطوة التي جاءت عقب دعوات التحريض التي قام بها ترامب وأدت إلى أحداث عنف في مبنى الكابيتول، وقد رأت الأمم المتحدة أن مسألة حماية حقوق الإنسان في أثناء حجب الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب مناقشة مفتوحة بمشاركة مختلف الأطراف.

والمؤكد أن مسألة الخصوصيات والحريات الفردية تصونها القوانين والمواثيق الدولية فضلا عن الدساتير في غالبية الدول، لاسيما تلك التي تسعى للحفاظ على مراتب تنافسية عالمية متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية وحقوق الإنسان ومعدلات الرفاه وغيرها.

ولدى الحكومات التزامات بشأن مراعاة حقوق الإنسان لأنها وقعت الاتفاقيات ذات الشأن، أما بخصوص الشركات فهذا أمر مختلف رغم أن ثمة تعليمات للأمم المتحدة تقول إن الشركات يجب أن تمنع انتهاكات حقوق الإنسان، وهذه النقطة الجدلية التي يبدو أن ترامب فجرها عن غير قصد ربما تغيّر وضع التعامل في المستقبل.

17