رحلة مع سركون بولص

الخميس 2014/09/25

كأنني في رحلة ممتعة لا أريد الانتهاء منها وأنا أقرأ له وأختار وأترجم إلى الفارسية خلال الأشهر الأخيرة. لطالما أبهجني سركون بولص، بلغته، بصوره الشعرية، وبنظرته للأشياء. كأنه يرى بعينه الشاعرة ما لم يره شعراء آخرون.

ابتعاده عن المبالغات التافهة، والسعادة الخاوية، والحزن المصطنع في الشعر، صدقه، وروحه الفارغة من الشوائب، جعلت منه شاعري المعزز، والمبجل. لذلك -وأنا لا أجيد الترجمة من العربية إلاّ إلى الفارسية فقط- تأكدت من أنه ينبغي أن يقرأه القارئ الفارسي، وتمنيت لو كنت أجيد الترجمة إلى لغات أخرى كي أترجمه إليها.

استخدامه الدقيق للمفردات، يجعلني أشعر بالضعف، ليس كمترجمة فحسب، بل كقارئة تعرف أنه سينتابها شغف لخوض عالم هذا الشاعر. عالمه المليء بالتفاصيل التي يلمحها القارئ في شعره كحصى لامعة في الطريق، يقينه المتزلزل دائما بالكون، وباللحظة التي ستنتهي بعد لحظة واحدة، حزنه الأزلي، ودهشته بالأشياء، تؤدي إلى دهشتي بمكونات عالمه.

وأنا أقرأ سطوره، أستغرب وأنبهر وأتساءل كيف لهذا الأشوري الغريب أن ينتقي المفردات هكذا بكل هذا البذخ، والذكاء، والحساسية المفرطة، لذلك أظن أن ما كتبه سركون، هو كل ما أطلبه -أو ربما نطلبه- من الشعر. نصوص غير مقيدة بالزمن، كما كان هو، شاعرا ومسافرا أبديا.

سركون شاعر من زمرة الشعراء القلائل الذين نذروا حياتهم للشعر، بل واصلوها شعرا، ليس إلا. وما للشعر إلا أن يكون وحيدا. وقد أدرك سركون هذا السرّ، فواصل حياته بكبرياء الوحدة، مقبلا على السعادة، ومدبرا عنها. وأظن أن عدم الوصول إلى اليقين والاستقرار، هو بمثابة عشبة الخلد للشعر، والشعراء. وأنا أترجم له كنت أشعر أن روحه التي لم تعرف السكون، قدمت الآن إلى هذا الركن، حيث أجلس، وأهيم في نصوصه، وأحوّلها إلى لغة أخرى؛ رحلة اللغات، ورحلة الأرواح!

ثم وأنا أتابع عملية ترجمته، كانت تبهرني أحاديث وذكريات يرويها لي عنه أصدقاء من الشعراء العرب الذين التقوه، وترك في ذاكرتهم ما لا ينسى. ويتأكد لي أن الرجل شاعر “شاعر”، سواء في النص أم في الحياة. يروي لي نوري الجراح أنه تركه ذات يوم في منزله جالسا على الكنبة، وحين عاد بعد ساعات وجده بالجلسة ذاتها، وأنا أتخيل كم من عوالم سار فيها سركون، وهو على تلك الكنبة، كم من سطور، وكم من أخيلة مرت في رأسه وهو جالس هناك. وتراودني أحلام وآمال طفولية، وأتمنى لو كنت التقيته، فذكرى صغيرة من شاعر مثل سركون بولص، تكفي لبهجة تمتد حتى نهاية العمر.


شاعرة ومترجمة من إيران

15