رحلة ترويض طويلة بين الإنسان والكلب

بريان سايكيس يؤكد أن تطور العلاقة بين الكلب والإنسان احتاجت الآلاف من السنين، وأن هناك طفرات جينية وعمليات انتقاء جيني حدثت خلال تطور الذئب إلى كلب.
الثلاثاء 2020/01/28
علاقة تنامت على مرّ آلاف السنين

برلين – يعتبر الكلب أوفى رفيق للإنسان، ولا يمكن تجاهل العلاقة الوثيقة بين الإنسان والكلب في الحياة اليومية، وعلى أي حال فإن هناك نحو 12 مليون كلب تعيش في منازل بألمانيا وحدها.

رغم أن هذه العلاقة الخاصة بين الإنسان والكلب تعتبر بديهية، إلا أنها ليست كذلك على الإطلاق.

لقد تطورت هذه العلاقة في عملية طويلة على مدى الآلاف من السنين، كان الجد الأول للكلب، الذئب، يتنافس في غابر الزمان مع الإنسان على الغذاء والمكان الذي يعيشان فيه، ولكن، وعندما نجح الإنسان في كسب الذئب كحليف، وترويضه، نشأ بينهما نوع من التكامل ضمن فريق واحد.

وهذا هو ما يتحدث عنه بريان سايكيس، في كتابه “كلب داروين”. اشتهر سايكيس كعالم وراثة بريطاني، مما يجعله يلتزم بالقواعد العلمية بشكل صارم. ومع ذلك فإنه يبدأ كتابه بفرضية، بل ويسترسل في شرحها بشكل استعراضي.

قبل عشرات الآلاف من السنين صادف الذئب إنسانا، وكان ذلك في مكان ما في جبال كارابات، في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث كانا يتنافسان على نفس الصيد، لكن، وحيث إن الإنسان العاقل كان أذكى من إنسان نيادرتال، أو الإنسان البدائي، حسب الذين يعتقدون في نظرية النشوء والارتقاء، لصاحبها تشارلز داروين، فإنه نجح في استخدام الذئاب لتساعده في صيده، حيث كان دور قطيع الذئاب يتمثل في الاستمرار في ملاحقة الفريسة إلى أن تخور قواها، ثم يأتي دور الصياد الذي يوجه حربته للحيوان ويقتله، ثم يتم تقاسم الفريسة بين الإنسان والذئب، وهو ما يمكن أن يعتبر من وجهة نظر اليوم صفقة رابحة للطرفين. على أي حال فإن نظرية الصيد المشترك الذي يتم ضمن فريق ويجلب المنفعة للطرفين، لها اعتبارها، ولكن هناك إلى جانب هذه النظرية فرضية أخرى، يعتقد أصحابها أن الإنسان كان يلقي للذئب ببقايا الصيد.

كان الجد الأول للكلب يتنافس في غابر الزمان مع الإنسان على الغذاء والمكان الذي يعيشان فيه ثم أصبحا فريقا متكاملا

سايكيس لا يعتبر فقط أن هذه الفرضية “ضعيفة للغاية”، بل يرى أنها أصبحت متهالكة أيضا، لأسباب متعددة. ووفقا لهذه النظرية فإن الذئاب كانت تتغذى على نفايات الإنسان وكانت تقترب منه بهذا الشكل ببطء.

وبالمناسبة، فإن قطيع الذئاب والعائلات البشرية الكبيرة ليست غير متشابهة، حيث إن هناك تدرجا واضحا في المراتب داخل العائلة البشرية، وكذلك داخل قطعان الذئاب، وهناك توزيع للمهام والمسؤوليات. وكان ذلك سببا آخر جعل الإنسان يختار الذئب رفيقا.

كان تشارلز داروين لا يزال يعتقد في زمانه أن الإنسان ربما لا يستطيع العثور أبدا على الجد الأول للكلب. كان حيوان ابن آوى وذئب البراري مرشحين ولفترة طويلة ليكونا الجد الأول للكلب، ولكن، وبفضل علم الوراثة الحديث فقد قدم العلماء المتخصصون الدليل على أن جميع الكلاب، بلا استثناء، تنحدر من الذئاب، مهما اختلف شكل الكلاب ومهما بدت بعيدة الشبه بجدها الأول، الذئب، وفقا لأصحاب نظرية النشوء والارتقاء.

يوضح سايكيس في أحد فصول الكتاب، وبشكل صعب بعض الشيء ومفصل علميا، التركيب الجيني للكلاب ونشأة سلالاتها.

وهنا يدرك القارئ أن هناك طفرات جينية وعمليات انتقاء جيني حدثت خلال تطور الذئب إلى كلب، كانت أبسط منها لدى الإنسان، حيث يتبين على سبيل المثال أن جينات قليلة هي المسؤولة عن حجم جسم الكلاب، كما يلقي سايكيس الضوء على نجاح عمليات تربية سلالات جديدة من الكلاب. يقول سايكيس إن تربية كلب الدلماطي، أو الكلب المرقش، المعروف بمهارته في الصيد، اضطرت الإنسان إلى القبول بإمكانية إصابة هذا الكلب بالنقرس، وذلك لأنه ولسوء الحظ هناك جينات موجودة بشكل متقارب جدا على نفس الصبغة الوراثية، ولم يكن من الممكن الاحتفاظ بإحدى هذه الجينات دون الآخر.

جميع الكلاب تنحدر من الذئاب
جميع الكلاب تنحدر من الذئاب

وليس من الممكن تطوير سمات ظاهرية فقط، بل تطوير صفات بعينها للشخصية، فلقد شكل الإنسان الكلب وفقا لمقاييسه واحتياجاته تماما.

وبينما أصبحت علاقة الإنسان بالكلب أكثر حميمية مع مرور الوقت، أصبح الجد الأول للكلب رمزا للشر.

حدد سايكيس هذا التطور ببدء استقرار الإنسان، حيث أصبح لدى الإنسان المربي للماشية الآن، مصالح أخرى غير اهتمامات الإنسان الصياد، ولم يعد الذئب الذي يختطف الحيوانات، رفيقا له، بل عدوا.

إنه صراع يتأجج بين الفينة والأخرى بين الإنسان والذئب، كما نجده حاليا في ألمانيا، على سبيل المثال.

يتميز كتاب سايكيس بالإثارة وغزارة المعلومات، ليس بالنسبة لأصحاب الكلاب فحسب، بل أيضا في ما يتعلق بعلم الوراثة وأبحاث السلوك والحفريات.

20