رحلة الإماراتي هزاع المنصوري إلى الفضاء تدخل العد التنازلي

الإمارات تحقق الحلم العربي خارج مدار الأرض من خلال أول رائد فضاء يشارك في الأبحاث على متن المحطة الفضائية الدولية والتي ستسهم بشكل كبير في إثراء المعرفة الإنسانية.
الثلاثاء 2019/09/24
نحن معكم

لا يمكن للأعمال الجادة إلا أن تتوج بالنجاح، هذا ما وصلت إليه الإمارات حين قررت أن تدلي بدلوها في عالم الفضاء، فتقدمت في التصنيع الفضائي بعد بناء مهندسين إماراتيين القمر الصناعي خليفة سات، كما ينتظر الإماراتيون الخميس موعد انطلاق أول رائد فضاء إماراتي إلى المحطة الدولية عبر مركبة “سويوز” الروسية.

أبوظبي - غدا ينطلق رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في مهمته التاريخية إلى محطة الفضاء الدولية التي تنطلق من محطة “بايكونور” الفضائية في كازاخستان.

ويتكون الطاقم الرئيسي لهذه المهمة إلى محطة الفضاء الدولية من رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري ورائد الفضاء الروسي أوليغ سكريبوتشكا ورائدة الفضاء الأميركية جيسيكا مير، فيما يتضمن الطاقم البديل للمهمة سلطان النيادي وسيرغي ريزيكوف وتوماس مارشبيرن.

وستتم عملية إطلاق مركبة “سويوز أم 15” باستخدام صاروخ سويوز، وتتكون المركبة من ثلاثة أجزاء تشمل الوحدة المدارية التي تحتوي على مرافق مختلفة للرواد تمكنهم من النوم والأكل واستخدام دورة المياه فيها، كما تحتوي على مخزن بضائع، وفي المقدمة وحدة الالتحام والجزء الأوسط، ويشمل وحدة الهبوط، حيث يجلس رواد الفضاء أثناء عمليات الإقلاع والهبوط، ومن خلاله تتم عمليات التحكم بالمركبة، والجزء الأخير يشمل وحدة الدفع التي تحتوي على وقود ومحركات مركبة سويوز.

ومن المقرر أن تبدأ الرحلة الفضائية عند الساعة الخامسة و56 دقيقة مساء بتوقيت الإمارات، والوصول سيكون عند منتصف الليل، أما فتح بوابة المركبة إلى محطة الفضاء الدولية، فسيكون بعد ساعتين من التحام المركبة وذلك للتأكد من إجراءات السلامة.

قبل الرحلة
قبل الرحلة

وسيقضي هزاع المنصوري ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية ضمن بعثة فضاء روسية وسيعود على متن المركبة “سويوز أم 15” يوم الجمعة الموافق لـ4 أكتوبر حيث ستحدث عملية الانفصال خلال المدار النهائي قبل حوالي ثلاث ساعات ونصف الساعة من لحظة الهبوط على الأرض.

وقال هزاع المنصوري، إن حلمه بالوصول إلى الفضاء بدأ في الصف الرابع الابتدائي، عندما رأى صورة أول رائد فضاء عربي في كتاب اللغة العربية للصف الرابع، وهو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز.

وسبق المنصوري إلى الفضاء الأمير السعودي سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي يوصف بأنه “أول رائد عربي”، لكن المنصوري سيكون الأول الذي يصل إلى محطة الفضاء الدولية، والتي بدأ بناؤها عام 1998.

وأضاف، “أتذكّر تلك اللحظة التي حلمت فيها بأن أرى نفسي أصل إلى المكان نفسه، فكانت بداية الشرارة لديَّ التي جعلتني أتأمل النجوم أكثر، وأحلم بالوصول إليها في يوم من الأيام”.

وتابع، “حلمي اليوم يتحقق، وإن شاء الله أكون على قدر الثقة التي أعطتني إياها قيادة دولة الإمارات، والعالم أجمع يفخر بنا”.

ويعمل فريق متخصص من المهندسين الإماراتيين في محطة التحكم الأرضية لإدارة مهمة أول رائد فضاء يصعد إلى محطة الفضاء الدولية من خلال التواصل واستقبال المعلومات وتوزيعها على المحطات الأرضية الأخرى والتي تشمل 4 محطات.

الرائد الإماراتي مع الكبار
الرائد الإماراتي مع الكبار

وقبل الانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية، تم تجهيز المتعلقات الشخصية لرائد الفضاء الإماراتي، التي سيحملها معه إلى المحطة، وتضم صوراً للعائلة وبعض التذكارات، والشعارات، باستخدام شيفرات معينة ثم وضع ختم المركز عليها، وذلك استعدادًا لوضعها داخل مركبة “سويوز أم 15”.

محطة الفضاء الدولية، عبارة عن مختبر عملاق يسبح في الفضاء. واستقبلت المحطة على مدى قرابة العشرين عاما أكثر من 352 رائد فضاء من 81 دولة حتى الآن. ويقضي رواد الفضاء معظم أوقاتهم على متنها في إجراء أبحاث علمية متعمقة في مختلف التخصصات العلمية الفضائية والفيزيائية والبيولوجية وعلوم الأرض، بهدف تطوير المعرفة العلمية الإنسانية والتوصل إلى اكتشافات علمية لم يكن الوصول إليها ممكنا على سطح الأرض.

ويجري هزاع المنصوري خلال مهمته 16 تجربة علمية بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية، منها وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس، ووكالة الفضاء الأوروبية، بينها 6 تجارب على متن محطة الفضاء الدولية لدراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان في الفضاء، مقارنة بالتجارب التي أجريت على سطح الأرض، ودراسة مؤشرات حالة العظام والاضطرابات في النشاط الحركي والتصور وإدراك الوقت عند رائد الفضاء، إضافة إلى ديناميات السوائل في الفضاء، وأثر العيش في الفضاء على البشر وتجربة النخلة في الفضاء.

وتتضمن المهمة العلمية أيضا، تجارب تخص المدارس في دولة الإمارات ضمن مبادرة العلوم في الفضاء التي أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء؛ شاركت في إجرائها على الأرض حوالي 16 مدرسة إماراتية بوجود رائد الفضاء هزاع المنصوري في المرحلة الأولى، وسيقوم بإجرائها في بيئة منعدمة الجاذبية تقريباً على متن المحطة لمقارنة النتائج.

وستسهم هذه التجارب في رفد المناهج الإماراتية بمواد علمية جديدة تكون نتاج المهمة الأولى المأهولة للإمارات إلى الفضاء.

وتأتي مهمة انطلاق أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، في إطار شراكات استراتيجية مع أكبر وكالات الفضاء العالمية ومن بينها، وكالة الفضاء الاتحادية الروسية “روسكوسموس”، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”، ووكالة الفضاء الأوروبية “إيسا” ووكالة الفضاء الأميركية “ناسا”.

العزل الصحي

ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية
ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية

قبل الانطلاق الفعلي لرحلة الفضاء، وتحديدا يوم 10 سبتمير الحالي، وصل رائدا الفضاء الإماراتيان هزاع المنصوري وسلطان النيادي من موسكو إلى مدينة بايكونور بكازاخستان ودخلا في مرحلة العزل الصحي التي استمرت لمدة 15 يوما.

وتعد مرحلة العزل الصحي عاملا مهما في نجاح رحلات الفضاء بشكل عام والتجارب العلمية، حيث يتم العمل على المحافظة على سلامة طاقم رواد الفضاء خلال هذه المدة في بيئة نظيفة لتجنب الإصابة بأي أمراض قبيل الانطلاق إلى المحطة الدولية ونقله إلى المحطة، لذا تم عزل رائدي الفضاء لمدة أسبوعين قبل الانطلاق في مدينة بايكونور وفي هذه الفترة، كان طاقما الرحلة الأساسي والبديل في موقع شبه معزول عن الاحتكاك بالعالم الخارجي.

وكانت الوكالة الطبية الحيوية الفيدرالية الروسية خلال هذه المدة مسؤولة عن صحة الرواد، حيث تكفلت بمنع الجراثيم من دخول منشآتهم الأرضية والفضائية، إضافة إلى تنفيذ الوكالة عملية تعقيم شاملة من الميكروبات، وخضعت المرافق والأدوات التي يستخدمونها للتعقيم المتكرر، وشملت مكان الإقامة وحافلاتهم ومواقع تدريبهم.

وأخذ الخبراء في الوكالة باستمرار عينات مخبرية من مختلف المرافق والأدوات للتحقق من وجود الجراثيم، ومنعها من الانتقال إلى المركبة والمحطة الفضائية الدولية والفضاء الكوني بشكل عام.

وقبيل الرحلة مباشرة، عمل خبراء الصحة على تعقيم مقصورة مركبة الفضاء الروسية “سويوز أم 15″ إضافة إلى وضع رواد الفضاء في ما يسمى بـ”الغرفة النظيفة” حيث يخضعون والحمولة التي تنطلق معهم إلى المحطة الدولية للتعقيم الصحي الأخير استعدادا لرحلة الإقلاع.

وتتولى الدكتورة الإماراتية حنان السويدي “طبيبة رواد فضاء” مسؤولية التأكد من صحة الرواد خلال فترة العزل الصحي، وهي تتابع الحالة الصحية لرائد الفضاء هزاع المنصوري خلال وجوده على متن المحطة، كما ستشرف على وضعه الصحي فور عودته من الفضاء في مكان مخصص لفحص رواد الفضاء عند موقع الهبوط.

وقال سعيد كرمستجي مدير مكتب الرواد بمركز محمد بن راشد للفضاء، إن التحضيرات لهذه المهمة بدأت في الثالث من سبتمبر 2018 من خلال تدريبات مكثفة لكل من هزاع المنصوري وسلطان النيادي تحضيرا للمهمة التاريخية.

وأشار إلى أن تدريبات الرائدين بدأت في مركز يوري غاغارين في موسكو بتعلم اللغة الروسية، وذلك كمطلب رئيسي لضمان نجاح التدريبات اللاحقة على مركبة سويوز والإقلاع والهبوط، إذ قضيا عاما من التحديات خاضا خلاله العديد من الاختبارات والتدريبات بكل ثقة وعزم ونجاح، استعدادا لهذه المهمة التي تشكل مرحلة مهمة في تاريخ الإمارات حيث بلغ عدد ساعات التدريب الإجمالي لرائدي الفضاء أكثر من 1400 ساعة وعدد الدورات التدريبية أكثر من 90 دورة.

فريق عمل الرحلة في صورة تذكارية*
فريق عمل الرحلة في صورة تذكارية*

وأضاف كرمستجي، أن التدريبات تنوعت ما بين التدريب على المعدات الموجودة على متن محطة الفضاء الدولية، والتدريب على الكاميرات التي يتم استخدامها أثناء وجود رواد الفضاء على المحطة.

وتمكّن هزاع المنصوري وسلطان النيادي من اجتياز الاختبارات النهائية للمهمة بنجاح وذلك في مركز يوري غاغارين لتدريب رواد الفضاء بمدينة النجوم في موسكو.

وقال توماس هنري مارشبيرن رائد الفضاء الأميركي ضمن الطاقم البديل للمهمة، “لقد تدربنا لمدة طويلة على العديد من الاختبارات، حيث كان التحدي الأكبر أمامنا، هو أن ننسى أننا أمام اختبار، ونتعامل على أنه يوم عادي في الفضاء، وأيضا التحدث باللغة الروسية دائما كان جزءا من التحدي ومع ذلك طورنا لغة التواصل باستمرار”.

وأضاف، أن هزاع المنصوري وسلطان النيادي تدربا لأكثر من عام بقليل حيث تمكنا خلال هذه الفترة من فهم اللغة الروسية بشكل فاق التوقعات حيث نفذا كل الأعمال باللغة الروسية.

وأشار إلى أنهم يشعرون بالكثير من المتعة والفرح خلال التدريب على هذه المهمة. وقال: رحلات الفضاء توحد الأمم، نحن بحاجة إلى مشاركة الأجيال القادمة في أنحاء العالم لاستكشاف الفضاء وقيادة الرحلات القادمة لذلك نشجع الجميع على دراسة علوم الفضاء بجد وحماس.

اختيار المرشحين

هزاع سيجري 16 تجربة علمية
هزاع سيجري 16 تجربة علمية

في ديسمبر 2017، تم إطلاق برنامج الإمارات لرواد الفضاء وبدء التسجيل الإلكتروني وتقديم الطلبات الذي استمر حتى أبريل 2018 لتبدأ عملية اختيار المرشحين، فيما تم في سبتمبر 2018 الإعلان عن أول رائدي فضاء إماراتيين. وفي أبريل من العام 2019 أعلن اختيار هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية وسلطان النيادي بديلا له للمهمة نفسها.

وكان هزاع المنصوري وسلطان النيادي من بين 4022 مرشحا تقدموا بطلبات الالتحاق بالبرنامج، ليتمكنا من اجتياز 6 مراحل من الاختبارات الطبية والنفسية والمتقدمة ومجموعة من المقابلات الشخصية، وصولا إلى اختيارهما للقيام بهذه المهمة التاريخية لدولة الإمارات والعرب.

ويعتبر المنصوري أول رائد فضاء من المنطقة العربية يشارك في الأبحاث على متن المحطة الفضائية الدولية والتي ستسهم بشكل كبير في إثراء المعرفة الإنسانية والخروج بقاعدة بيانات يمكن مشاركتها مع مختلف الجهات المحلية والدولية والتي بدورها ستفتح آفاقا جديدة في المجتمع العلمي العالمي.

وستصبح الإمارات العربية المتحدة بذلك الدولة رقم 19 التي ستسهم في الأبحاث العلمية عن طريق بيانات سيقدمها هزاع المنصوري وستكون مرتبطة بجسم الإنسان وحياته.

وقال يوسف حمد الشيباني مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء، “إن مهمة إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية تعد البداية لبناء منظومة متكاملة نهدف من خلالها إلى استدامة برنامج الإمارات لرواد الفضاء وتأهيل وتدريب المزيد من رواد الفضاء الإماراتيين للمساهمة في إثراء المنطقة العربية بشكل خاص والمجتمع العلمي الدولي”.

وأشار إلى أن مهمة الانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية ستفتح الطريق لمزيد من الرحلات الفضائية الإماراتية المأهولة التي ستسهم بشكل كبير في وضع خارطة مستقبلية لاستكشاف أعماق الفضاء.

20