ربيع بن ياقوت فاكهة الشعر الإماراتي الذي صنع البهجة

بن ياقوت علامة فارقة في المشهد الشعري الخليجي.
السبت 2024/05/25
تجربة ستظل تلهم الكثيرين

أعلن الأربعاء الثاني والعشرين من مايو، عن وفاة الشاعر الشعبي الإماراتي ربيع بن ياقوت عن 96 عاما تاركا وراءه إرثا فنيا وأدبيا زاخرا وبصمات واضحة في سجل الإبداع ببلاده وعلى امتداد منطقة الخليج.

والشاعر ربيع بن ياقوت بن جوهر النعيمي من مواليد عجمان عام 1928، تتلمذ في الكتاتيب، ثم انتقل إلى الكويت في سن مبكرة من عمره باحثا عن عمل مع عدد من أصدقائه، كالشاعر الراحل حمد خليفة أبوشهاب، والتحق هناك بإحدى شركات نفط الأحمدي، واستمر عمله فيها اثنتي عشرة سنة، ثم انتقل للعمل في كراج الأشغال التابع لحكومة الكويت، واستمر موظفا في الكراج مدة ثماني عشرة سنة، عاد بعدها إلى الإمارات، قبل إعلان اتحاد دولة الإمارات بسنوات قليلة.

وبعد عودته إلى بلده، التقى بمجموعة من الشباب المسرحيين، الذين كان من ضمنهم ممثل متحمس أصبح من أشهر ممثلي الإمارات، وهو الممثل والشاعر سلطان بن حمد الشامسي المعروف بسلطان الشاعر، والتحق ربيع بهذه المجموعة، وأصبح ممثلا مسرحيا، وشارك في ثلاث مسرحيات، في أدوار يغلب عليها الطابع الكوميدي، وكان من ضمن المجموعة الأديب حمد خليفة أبوشهاب الذي كان يؤلف تلك المسرحيات، ثم ترك ربيع التمثيل واتجه إلى احتراف الشعر بعد علاقة قصيرة بالمسرح والتمثيل.

عرف ربيع بدور “اشحفان القطو”، وقدم أدوارا كوميدية في عدد من الأعمال المسرحية، وله العديد من الأعمال التطوعية التي ساهم بها في جمعية عجمان للفنون الشعبية، التي ترأسها لاحقا، وانضم إلى أشهر البرامج التلفزيونية التي اختصت بالشعر الشعبي، وهو برنامج “مجالس الشعراء” على شاشة تلفزيون “دبي” إعداد وتقديم الشاعر حمد أبوشهاب، حيث برز مع عدد من أشهر شعراء تلك الفترة مثل سالم الجمري وراشد الخضر ومحمد بن سوقات.

ظهرت موهبة الشعر على بن ياقوت في سن مبكرة من عمره، وتميزت قصائده بالخفة والطرافة والجزالة وأحيانا بروح الفكاهة حتى أطلق عليه لقب “فاكهة الشعر الإماراتي”، حيث طرح في بداياته العديد من القضايا التي تهم الشارع الإماراتي بما فيها غلاء المعيشة وارتفاع المهور والطلاق والزواج بأجنبيات، وغيرها من القضايا المهمة بأسلوب سلس ومباشر وفكاهي.

كما اندمج بن ياقوت في العمل التطوعي عبر جمعية الفنون الشعبية بعجمان، حيث وجد نفسه أمام مهمة جديدة تفرضها احتياجات نقل إرث جيل إلى جيل، فالفنون الشعبية بأهازيجها وثقافتها كانت بصدد توديع روادها الأول من الآباء المؤسسين، وكان لا بد من إنعاش الذاكرة وحفظ الموروث وجعل الأجيال الجديدة ترتبط بجذورها وبأحد أهم رموز هويتها الوطنية.

الشاعر الراحل من أعمدة الشعر الشعبي في الإمارات وأحد أبرز من وثّقوا تحولات المجتمع منذ خمسينات القرن الماضي
الشاعر الراحل من أعمدة الشعر الشعبي في الإمارات وأحد أبرز من وثّقوا تحولات المجتمع منذ خمسينات القرن الماضي

وبحسب ما يرى الشاعر راشد شرار مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي، فإن ربيع بن ياقوت يعد من العلامات الفارقة في المشهد الشعري المحلي، وأنه بقامته ووزنه وثقله الشعري استطاع أن يحوز على إعجاب وقبول شريحة كبيرة من الجمهور العاشق للمفردة الإماراتية الأصيلة والمتفردة بجرسها وألفاظها وأسلوبها وفضائها، سواء في الداخل أو في دول الخليج المجاورة.

كما أن بن ياقوت بات رمزا وقدوة لشعراء الجيل الجديد والمبدعين الشباب المساهمين في إثراء المشهد الشعري المحلي، وظل وما زال فاكهة الشعر الإماراتي، وهو الذي كتب الشعر ليس حبا في الشهرة أو تعلقا بالإغراءات المادية، وإنما تعلق بهذا الضرب من الفنون الأدبية المحلية لإخلاصه وانتمائه إلى جوهر الإبداع وتذوق الجمال والتعبير الحر والمحلق والمترجم لانفعالاته وأحاسيسه المرهفة.

ويضيف شرار أن بن ياقوت تطرق في شعره إلى مختلف الأغراض الشعرية مثل المشاكاة والنقد الاجتماعي والغزل العفيف والتفاعل مع التبدلات الاجتماعية والسياسية في العقود الماضية، وخصوصا في الفترة التي تلت قيام الدولة وما شهده المكان الجديد والزمن المختلف من نهضة عمرانية واقتصادية وثقافية وتعليمية، فكان حاضرا وسط هذه التغيرات، وناقدا لسلبياتها مشجعا لإيجابياتها، وكان جريئا في طرحه وفي آرائه وغيرته على الهوية المحلية، خوفا عليها من التشويه والخفوت والذوبان التدريجي وسط عادات دخيلة وغريبة على مجتمعاتنا المحافظة.

وأما الشاعر بخيت المقبالي، رئيس جمعية حتا للفنون والتراث، فيشير إلى أن بن ياقوت هو رمز حاضر وقيمة مكثفة لمنجز الشعر الشعبي في الإمارات، وشعره يتضمن نكهة أسلوبية مميزة وضعته في مصاف الشعراء الكبار مثل الخضر وبن طناف والجمري وعبدالله بن ذيبان ورحمه الشامسي، وغيرهم.

وفي إحدى الندوات المخصصة للشاعر الراحل، رأى الشاعر عبيد بن طروق النعيمي أن لربيع بن ياقوت خصوصية تميزه عن غيره من الشعراء من خلال نمطه الشعري المختلف وقوة نصه وجماليته وطرافته، حيث إن شعره لم يتغير محافظا على المفردة الإماراتية طوال مسيرة عطائه، بينما باتت قصائده اليوم من المدونات والمراجع الرئيسية للهجة الإماراتية، كما أن جمهوره في كل مكان يتذكر العديد من نصوصه ويحفظها بالتواتر ويبتسم لمجرد الاستعداد لسماع قصيدته، فهو مرح المجالس وفكاهتها.

ورغم رحيله، سيبقى بن ياقوت فاكهة الشعر النبطي الإماراتي وصانع البهجة، وأحد أبرز من وثّقوا تحولات المجتمع منذ خمسينات القرن الماضي، ومن كان لهم أثر بالغ في تكريس دور الإبداع في خدمة قضايا الوطن والتعبير عن مشاغل المواطن وشواغله، رحم الله ربيع بن ياقوت.

12