"ربيع" إيران تهديد سياسي للخليج العربي

الخميس 2015/07/16

كانت المرة الأولى التي رقصت فيها المدن الإيرانية هي في شتاء 2006 حين أُعدم صدام حسين ليلة عيد الأضحى، ويبدو أنهم يرقصون اليوم في نهاية رمضان للمرة الثانية، بعد الإعلان عن إبرام اتفاق نووي تاريخي، سينهي سنوات من العقوبات الاقتصادية وعقودا من العزلة الدولية.

رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيمنحها، مباشرة، 150 مليار دولار من الأموال المجمدة في الخارج بسبب العقوبات، إضافة إلى عقود اقتصادية ضخمة مع الشركات الأوروبية والأميركية المتعطشة للسوق الإيرانية المغلقة منذ أربعة عقود. ستمطر الدنيا ذهباً على إيران.

النجاح الإيراني سيجلب النجاح الخليجي بالضرورة. فرغم وجود تخوف خليجي من نوايا إيران، هناك تنافس على المنافع الاقتصادية من رفع الحصار الاقتصادي عنها. الخليج أهم معبر تجاري إلى إيران وشريك اقتصادي أساسي.

ومهما يكن من أمر فإن إيران تظل مخلصة لعقيدتها وطموحها، ورفع العقوبات هو بالنهاية ربيع شيعي إيراني دولاري قادم. فلو كانت هناك إمكانية لدفع الدولة الإسلامية بعيدا عن العراق، لأصبح الاقتصاد الشيعي السنوي بين العراق وإيران فقط مساويا للاحتياطي السعودي 700 مليار دولار.

من المثير أن يكون التفتيش على السلاح العراقي بالتجويع والحصار وموت الأطفال، بينما التفتيش على السلاح الإيراني بالحوافز والحوار ورفع العقوبات والمشاريع. هذا هو الفرق بين الدولة الأمة التي يحكمها مشروع عقائدي، وبين الدويلة الوهمية مثل العراق التي كان يحكمها دكتاتور متقلب المزاج.

على العلمانية العربية أن تتفضل وتفسر لنا سبب امتلاك دولة دينية يقودها رجال دين التكنولوجيا النووية. الطريف أن خبراء الإرهاب الغربيين يقولون بأن القضاء على التطرف الديني لا يمكن أن يتم إلا بإغلاق شبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة. كما يبدو أن المتطرفين يستطيعون بناء دولة والتعرض لحصار أجنبي وحروب وتأسيس جيش وأسلحة نووية كما نرى في حالة إيران. وكذلك يتميزون بالتنظيم والانضباط وحسن استخدام التقنية العالية للتواصل كما في حالة الدواعش. فأين المتخلفون الإسلاميون الذين كانوا يعارضون استخدام السيارة واللاسلكي لأجل التقدم؟

ما يهمنا هنا هو تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنه يجب التعجيل بالوصول إلى اتفاق لغرض التعاون في القضاء على الإرهاب. وكيف يكون هذا التعاون والعلاقات سيئة مع العرب، كما صرح هاشمي رفسنجاني مؤخرا، “العلاقات الیوم تشبه الفترة التي كانت إبان الحرب مع العراق تقریبا، فهذه البلدان كانت تدعم صدّام باستثناء سوریا التي كانت العلاقات معها جیدة ولها خلافات مع الشق الثاني من حزب البعث في العراق”. وكيف يتعاون العرب مع إيران للقضاء على الجهاديين السنة ودعم الجهاديين الشيعة وحزب الله وبشار الأسد؟ يبدو بأن التعاون غير ممكن بهذا الشكل.

الخليج قد لا يثق بعملاق ينهض بقيادة ولاية الفقيه خصوصا وأن باراك أوباما لا يتردد في وصف إيران “قوة إقليمية ناجحة جداً”. العرب يشعرون بمرارة وخيانة الولايات المتحدة لأصدقائها، ومن جهة أخرى رأينا استحالة تحالف الأكراد وتركيا ضد الدولة الإسلامية أيضاً. فقد خرج الجنرالات الأتراك لأول مرة عن صمتهم، والجيش يعارض منح الأكراد الدعم العالمي لخوض هذه الحرب التي يمكن أن تتحول إلى حرب استقلال كردية وانهيار لتركيا في أي لحظة.

رفع العقوبات عن إيران بهذا الشكل الذي يضيء المدن الفارسية، ويدفع الفتيات للرقص في شوارع طهران وأصفهان وشيراز ومشهد، لابد أن يكون له معنى. وأحد معانيه بأن الدول يمكن أن تتصادم مع الدول العظمى وتنتصر لإرادتها القومية كما حدث في حالة إيران. فبعد أربعة عقود تعود الولايات المتحدة للتعامل مع إيران كشريك لا كتابع.

المسلي حقاً هو متابعة الكتاب العرب المتحمسين لوجهة النظر الأميركية دائماً، فهم يقولون لنا اليوم إن الرئيس الأميركي ليس المساهم الوحيد في صنع التاريخ في الشرق الأوسط. روسيا والصين شريكتان إستراتيجيتان في علاقاتهما مع الجمهورية الإسلامية، وهذه الشراكة ستنمو وتتعزز عبر نادي “شنغهاي” فيما نادي “بريكس” كان السند الكبير لإيران وحليفها في دمشق منذ كانت دول “بريكس” في مجلس الأمن.

لم يبق أمامنا سوى دعم السياسيين المعتدلين في إيران ضد المتشددين، تماماً كما نفعل مع السياسيين العراقيين المدعومين من الأميركان. ألسنا ندعم مقتدى الصدر ضد العامري، وإياد علاوي ضد الخزعلي، وحيدر العبادي ضد المالكي. هذا دوران عربي حول الذات بسبب الصدمة التي نحن فيها. صدمة إيران كعملاق اقتصادي بلا عقوبات، وصدمة داعش كعملاق عسكري سياسي بلا إستراتيجية للقضاء عليه.

لا تستطيع الدول الخليجية رفض الصفقات المليارية المربحة مع إيران، بعد رفع العقوبات وتضخم المشاريع الأجنبية فيها، كما لا تستطيع تركيا رفض المليارات التي تأتيها من التبادل التجاري الضخم مع الدولة الإسلامية. ربما السعودية والبحرين ستتضرران قليلا بسبب هبوط متوقع لأسعار النفط، وبسبب مشاريع إيران السياسية المعادية للبحرين. الولايات المتحدة تبدو في ورطة، فالعرب يريدون منها إعلان الحرب على إيران والحوثيين والإخوان والدولة الإسلامية في وقت واحد، وهذا غير ممكن. خصوصا وأن دول المنطقة منقسمة، فقطر وتركيا تؤيدان الإخوان المسلمين، والشيعة العرب يتعاطفون مع الحوثيين وإيران.

مشاكل العرب ليست بالضرورة مشاكل الولايات المتحدة، ويبدو أن المشكلة الأساسية اليوم هي الصعود الصاروخي للدولة الإسلامية وليس إيران. من الواضح بأن هناك عالما جديدا يتشكل أمامنا، إلا أنه قد يكون على حساب العرب ومستقبلهم.

كاتب عراقي

9