ربة البيت ورب الأسرة

أغلب الأزواج يعيشون في جبة "سي السيد" في البيت وبالتالي يورّثون نفس الأفكار ونفس نمطية التوزيع التقليدي للأدوار لأبنائهم.
الأربعاء 2018/08/15
تقسيم الأدوار قائم على التمييز ويتبناه أغلب الرجال والأزواج

لا تعني عبارة رب الأسرة أو البيت إلغاء وجود الله، لكنها تحمل معاني التأسيس وإدارة الشؤون والإشراف عليها. العبارة في تشبيه مدير شؤون البيت والأسرة بالرب تمنحه لغويا معنى السلطة المطلقة وأيضا القدرة على التسيير. لكن هذه العبارات والصفات تحمل معاني التقسيم كذلك، وفيها تقسيم ضمني للمهام والأدوار داخل البيت وبين أفراد الأسرة وتحديدا بين الزوج والزوجة.

نقول المرأة ربة البيت أو سيدة البيت أي أنها المكلفة بإدارة شؤون البيت وهي فعلا من يدير البيت من حيث الاهتمام بجميع شؤونه أو أغلبه، فهي من ينظف ويطبخ ويغسل وهي المكلفة برعاية الأبناء والزوج وبالسهر على توفير جميع متطلباتهم، إذن هي ربة البيت.

أما الزوج فهو رب الأسرة ولا نقول في ثقافتنا العربية رب البيت، أي أنه المشرف على إدارة شؤون الأسرة وهو من يتخذ القرارات وهو من يكفل مصاريف الأسرة وإن لم يعد في أغلب الأسر العربية وحده المكلف بتوفير مستحقات العائلة والبيت المادية، لكنه في الوقت نفسه وفي أغلب الحالات هو من يشرف على توزيع المصاريف.

رب الأسرة يكتفي في جل أسرنا العربية بالتسيير والإدارة، فيما توكل المهام التنفيذية وباقي أعمال البيت للزوجة. نحن العرب تنطبق على أسرنا فعلا مقولة رب الأسرة وربة البيت ولعله في ثقافتنا الذكورية ووعينا الجماعي ما يبرر هاتين الصفتين بحيث نوكل مهام البيت برمتها بما فيها من أعمال ورعاية للأسرة للزوجة ونوكل مهام الإشراف والإدارة واتخاذ أغلب القرارات الهامة للزوج.

تقسيم الأدوار قائم على التمييز ويتبناه أغلب الرجال والأزواج بغير وعي وكأنه موروث مقدس، فأحينا عندما يطلب من الزوج غسل الملابس أو الأواني أو مسح البيت يشعر وكأنه أهين وبأن هناك مساسا من رجولته وهيبته في البيت، في حين لا يرى ذلك مهينا ولا فيه أدنى جهد إضافي عندما تقوم بهذه المهام زوجته، “هذا واجبها، لماذا تزوجتها إذن، ليس في ذلك منة منها إنه دورها”، وغيرها من الردود والتعليقات التي تورد بشأن قيام الزوجة بهذه المهام.

الأعمال اليدوية والمتعبة موكلة للزوجة في البيت ولا يهم إن كانت تعمل خارج البيت أيضا، المهم أن تقوم بواجباتها في البيت على أحسن وجه وإلا يثير ذلك الخلافات مع رب الأسرة وربما تجد نفسها متهمة بالتقصير ومخطئة من قبل أسرتها وأسرته، لكن هل المرأة أكثر قوة بدنيا وأكثر قدرة على القيام بكل شيء من الرجل؟ لماذا لا يساعدها وهو الأقوى جسديا ويفتخر بذلك؟ لماذا توكل إليه ضمنيا واجتماعيا وتقليديا أدوار الإشراف واتخاذ القرارات ولا يسمح إلا في ما قلّ وندر بأن يُطلب منه القيام بأعمال البيت؟

وبالرغم مما تبدو عليه مجتمعاتنا العربية اليوم من تطور وانفتاح، وبالرغم من ادعاءات مواكبة العصر والعقلية العصرية ونمط العيش الحديث وكذلك ادعاء اعتماد أساليب تربوية حديثة، إلا أن السواد الأعظم من الرجال والأسر العربية لا يتخلون عن هذا التقسيم للأدوار ويعيش أغلب الأزواج في جبة “سي السيد” في البيت وبالتالي يورّثون نفس الأفكار ونفس نمطية التوزيع التقليدي للأدوار لأبنائهم.

ويلفت الانتباه إلى أن من بينهم فئة الرجال المثقفين والذين يصنفون أنفسهم من النخبة المتعلمة والمثقفة والذين تزداد الهوة بينهم وبين ادعاءات ونقاشات التطور والأسلوب الحداثي في الحياة خصوصا عندما تجدهم خارج البيت من منظري حقوق المرأة والمساواة، ولكن في بيوتهم هم أكثر الناس تمسكا بالعادات والتقاليد خصوصا عندما يتعلق الأمر براحتهم. ازدواجية في المعايير والآراء والسلوكات في الحياة اليومية تورث بدورها من جيل إلى آخر مقدمة بذلك صورة حقيقية ومثالية لثقافتنا وعلاقاتنا الاجتماعية.

21