رئاسة لبنان في بازار مافيات الداخل والخارج
لم يكن ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر ورئيس كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية، يوما المرشح الأقوى لمنصب رئاسة الجمهورية في لبنان الذي يعاني شغورا على مدى 18 شهرا، ولكنه كان المرشح الأكثر تلهفا لهذا المنصب، معللا النفس بدعم يعتبره غير محدود من قوى 8 آذار وعلى رأسها حزب الله.
ولم يكن حزب الله ليدعم عون في ترشحه هذا إلا لأنه يعرف أن حظوظ الأخير في الوصول إلى هذا المنصب تلامس الصفر في أحسن الأحوال. ولكن هذا الدعم لم يكن إلا وسيلة مثلى لمنع انتخاب رئيس للبلاد لا يستطيع حزب الله وحلفاؤه فرضه نظرا للأكثرية النيابية التي يتمتع بها الفرقاء الآخرون الرافضون لوصول مرشحه وبالأخص عون إلى هذا المنصب. من هنا كان تعطيل كل جلسات مجلس النواب لانتخاب الرئيس على مدى 32 جلسة دعا إليها رئيس المجلس نبيه بري طوال العام والنصف العام الماضي.
ومن المعروف أن لحزب الله مصلحة أكيدة في تعطيل مؤسسات الدولة، بدءا بالشغور الرئاسي، مرورا بشل مجلس النواب، وصولا إلى تعطيل مجلس الوزراء وباقي المؤسسات ليتسنى له التفرّغ لمعاركه خارج لبنان وخصوصا في سوريا، والتي يجر إليها آلافا من الشباب اللبناني ليعود المئات منهم في توابيت الموت. وهذه الجريمة لا يمكن لأي رئيس أو مؤسسة حكومية حرة أن تتغاضى عن وضعها في خانة المحاسبة الجزائية والسياسية، بعد الاتفاق على تحييد لبنان عن الصراع في سوريا والمنطقة الذي وقعه حزب الله إلى جانب باقي القوى السياسية في لبنان في ما عرف بوثيقة بعبدا.
أما سمير جعجع قائد القوات اللبنانية فيعرف تماما أن لا حظوظ له في منصب الرئاسة. فقوى 8 آذار ترفضه بالمطلق مضافا إليها كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة وليد جنبلاط. ولكن ترشيحه من قبل قوى 14 آذار جاء بمواجهة ترشيح عون. وبذلك كان الانقسام السياسي يخضع في مسألة الشغور الرئاسي إلى نفس منطق الانقسام حول الثورة السورية وسلاح حزب الله.
وإذ يأتي ترشيح فرنجية، أحد صقور 8 آذار وأقرب المقربين منها لبشار الأسد، ومن قبل زعيم تيار المستقبل وقوى 14 آذار، ليخلط الأوراق ويقلب المعادلات السياسية على طاولة قوى ائتلاف السلطة جميعا. غير أن الارتباك لم يتوقف عند القوى السياسية ولكنه امتد ليصل إلى المحللين السياسيين والمراقبين ويحرك الأسئلة لدى القواعد الشعبية للفرقاء السياسيين. ما الذي يجعل سعد الحريري يقدم على هذه الخطوة غير المتوقعة؟
البعض ردها إلى اختلال ميزان القوى لصالح قوى 8 آذار، مستندا إلى وقائع جلسة البرلمان التشريعية الأخيرة وما رافقها من تنازلات قدمها الحريري وتيار المستقبل لمصلحة الكتل المسيحية من إقرار قانون استعادة الجنسية، وصولا إلى التزام الحريري بعدم حضور أي جلسة ما لم يكن على رأس جدول أعمالها مشروع قانون انتخابات جديد، وهما الشرطان اللذان وضعتهما تلك الكتل لحضور الجلسة، وآخرون يردّونها إلى اختلال ميزان القوى الإقليمية لمصلحة نظام الأسد بعد التدخل الروسي في سوريا، إضافة إلى من يعتبرونها خطوة تمنع انزلاق البلاد إلى أتون الصراعات.
اللافت هو الدعم الخارجي الذي تلقته مبادرة سعد الحريري مباشرة بعد إطلاقها. سواء من الخارجية الأميركية، أم من الرئيس الفرنسي أم أيضا من السفير السعودي. كما اللافت هو الصمت المطبق حيالها من قبل حزب الله ومن يدور في فلكه حتى اليوم.
بعض قوى 8 آذار يعتبرها مناورة للإيقاع بين حزب الله وحليفه الأقوى مسيحيا، أي الجنرال عون، أو للإيقاع بين عون وفرنجية. غير أن علاقة سمير جعجع وحزب الكتائب مع تيار المستقبل في 14 آذار لم تسلم من الارتباك.
يقال إن هذه المبادرة تجعل من الاستحقاق الرئاسي قضية داخلية، لكن أن يقوم سعد الحريري الذي يتهم نظام بشار الأسد بقتل والده بترشيح فرنجية أقرب المقربين من بشار الأسد ووزير الداخلية اللبناني يوم اغتيال والده، ثم مباركة هذه المبادرة من القوى الداعمة لسعد الحريري وحلفائه، وكذلك ما جرى من اتصالات سبقت لقاء باريس بين الرجلين، يؤكد أن هذه المبادرة ليست بعيدة عمّا يدور في المنطقة من صراعات وتوافقات قد يكون أبرزها سحب البساط من تحت الهيمنة الإيرانية لمصلحة النفوذ الروسي، وهذا يفسر صمت حزب الله وتذرّعه بالوقوف خلف حليفه عون والتزامه بما يصدر عنه.
كاتب لبناني