رؤية جريئة لعالم ما بعد الوظيفة التقليدية

كشف تقرير حديث صادر عن شركة مايكروسوفت أن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الأعمال بدأ يعيد تشكيل سوق العمل بصورة غير مسبوقة، حيث أشار واحد من كل ثلاثة قادة أعمال إلى احتمال تقليص عدد الموظفين نتيجة لتزايد الاعتماد على هذه التقنيات.
دبي ـ في مشهد متسارع يشهد فيه العالم تسونامي تقنيًّا تقوده أدوات الذكاء الاصطناعي، جاءت مشاركة شركة مايكروسوفت في “أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي” لتفتح نافذةً جديدة على مستقبل بيئة العمل.
وطرحت الشركة رؤيتها الجريئة لعالم ما بعد الوظيفة التقليدية، وتحدثت عن صعود نوع جديد من المؤسسات تحت مسمى “الشركات الرائدة”، حيث يصبح للذكاء الاصطناعي دور محوري، وليس كمساعد فقط، بل كـ”عميل” مستقل يعمل تحت إشراف الإنسان، الذي يتحول بدوره إلى ما يُعرف بـ”رئيس العميل”.
وتم تقديم هذه الرؤية الطموحة ضمن تقرير مايكروسوفت السنوي لمؤشر اتجاهات العمل، وجاءت لتؤكد أن الذكاء الاصطناعي لا يهدف فقط إلى تسهيل الحياة المهنية، بل إلى إعادة صياغة جوهر العمل ذاته.
وكتب جاريد سباتارو، أحد المديرين التنفيذيين في مايكروسوفت، في تدوينة هذا الأسبوع، “مع تزايد انضمام العملاء إلى القوى العاملة، سنشهد صعود رئيس العميل: شخص يبني العملاء، ويفوضهم، ويديرهم لتعزيز تأثيرهم، ويتحكم في مسيرتهم المهنية في عصر الذكاء الاصطناعي. من قاعة مجلس الإدارة إلى الخطوط الأمامية، سيحتاج كل موظف إلى التفكير كرئيس تنفيذي لشركة ناشئة تعتمد على الذكاء الاصطناعي”.
صعود نوع جديد من المؤسسات تحت مسمى "الشركات الرائدة" حيث يصبح للذكاء الاصطناعي دور محوري، وليس كمساعد فقط
وتتوقع مايكروسوفت، الداعم الرئيسي لشركة أوبن إيه آي، مطورة تشات جي بي تي، أن تصبح كل مؤسسة شركة رائدة في مجالها خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأوضحت أن هذه الكيانات ستكون “مختلفة بشكل ملحوظ” عن تلك الموجودة اليوم، وستُبنى على ما أسمته مايكروسوفت “الذكاء عند الطلب”، باستخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي للحصول على إجابات فورية على الاستفسارات المتعلقة بمجموعة من المهام الداخلية، من تجميع بيانات المبيعات إلى وضع التوقعات المالية.
وقالت الشركة في تقريرها السنوي لمؤشر اتجاهات العمل “تتوسع هذه الشركات بسرعة، وتعمل بمرونة، وتُحقق قيمة بشكل أسرع”.
وتتوقع أن يتم ظهور فئة الرؤساء التنفيذيين من الذكاء الاصطناعي على ثلاث مراحل: أولا، سيكون لكل موظف مساعد ذكاء اصطناعي، ثم ينضم وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى الفرق كـ”زملاء رقميين” يتولون مهام محددة، وأخيرا، سيضع البشر توجيهات لهؤلاء الوكلاء، الذين ينطلقون في “عمليات الأعمال وسير العمل،” مع “اطلاع رؤسائهم عليهم عند الحاجة”.
وصرحت مايكروسوفت أن تأثير الذكاء الاصطناعي على العمل المعرفي – وهو مصطلح شامل لمجموعة من المهن من العلماء إلى الأكاديميين والمحامين -، سيسير على نفس نهج تطوير البرمجيات، من خلال التطور من مساعدة البرمجة إلى وكلاء ينفذون المهام.
واستخدمت مايكروسوفت مثالا لدور العامل في سلسلة التوريد، حيث يمكن للوكلاء التعامل مع الخدمات اللوجستية الشاملة، بينما يوجه البشر النظام ويديرون العلاقات مع الموردين، حسب التقرير.
وتعمل مايكروسوفت على تعزيز نشر الذكاء الاصطناعي في مكان العمل من خلال وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين، أو أدوات يمكنها تنفيذ المهام دون تدخل بشري.
60
في المئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مُعرّضة للذكاء الاصطناعي
في العام الماضي، أعلنت أن من أوائل المستخدمين لمنتج “كوبيلوت ستيديو” من مايكروسوفت، الذي ينشر الروبوتات، شركة الاستشارات الرائدة ماكينزي، التي تستخدم وكلاء لتنفيذ مهام مثل جدولة الاجتماعات مع العملاء المحتملين.
ويُعد تأثير الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة الحديثة أحد التحديات الاقتصادية والسياسية الرئيسية الناجمة عن التقدم السريع لهذه التكنولوجيا.
وبينما تقول مايكروسوفت؛ إن الذكاء الاصطناعي سيُلغى العمل “المرهق” ويزيد الإنتاجية – وهي مقياس للفعالية الاقتصادية -، يعتقد الخبراء أيضا أنه قد يؤدي إلى فقدان واسع النطاق للوظائف.
وعلى الرغم من المخاوف المرتبطة بخفض الوظائف، أظهر التقرير أن العمال البشريين لا يزالون مطلوبين ضمن منظومة “فريق البشر والوكلاء”، إذ أبدى 78 في المئة من القادة استعدادهم لتوظيف أفراد في وظائف متعلقة بالذكاء الاصطناعي.
وفي هذا العام، أشار تقرير السلامة الدولية للذكاء الاصطناعي المدعوم من الحكومة البريطانية إلى أن “العديد من الأشخاص قد يفقدون وظائفهم الحالية،” إذا أصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي قادرين على العمل بكفاءة عالية.
وقدّر صندوق النقد الدولي أن 60 في المئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مُعرّضة للذكاء الاصطناعي، وأن نصف هذه الوظائف قد تتأثر سلبا نتيجة لذلك.
وصرح الدكتور أندرو روجويسكي، مدير معهد صري للذكاء الاصطناعي المُركّز على الإنسان في جامعة صري، بأن المنظمات التي تستخدم وكلاء الذكاء الاصطناعي ستميل في النهاية إلى توظيف عدد أقل من العمال.
وأضاف “سيكون الإغراء هو استخدام عمال الذكاء الاصطناعي لاستبدال الجهد البشري، حيث تسعى الشركات إلى أن تصبح أكثر كفاءة، مع انخفاض تكاليف التشغيل”.
وأشار إلى أن “خطر استبدال البشر بالذكاء الاصطناعي، بصرف النظر عن التأثير الاجتماعي والاقتصادي، يكمن في فقدان المعرفة الكامنة في عقول الناس التي تُحافظ على الشركات، وتُنتج منتجات مُبتكرة، وتبني علاقات هادفة مع العملاء والمورّدين”.