ديرلانجي مستشرق يلون سيدي بوسعيد بالأزرق والأبيض

الرسام الفرنسي من أصول ألمانية البارون رودولف ديرلانجي طبع عشقه لتونس على جدران مدينة تقع شمال شرق العاصمة التونسية، تاركا إرثا فنيا لا يزال التونسيون يسهرون على حفظه والاستفادة منه.
تونس - يحرص القائمون على تهيئة وصيانة قصر الرسام البارون رودولف ديرلانجي، الواقع فوق قمة هضبة سيدي بوسعيد شمال شرق تونس العاصمة، على المحافظة على أثار المستشرق الفرنسي بعد مرور قرن من الزمان.
وبالنسبة إلى متساكني مدينة سيدي بوسعيد، فإن تأثير البارون ديرلانجي يتجاوز جدران القصر، إذ ترك بصمته على القرية التي تحوّلت من منطقة نائية في القرن التاسع عشر إلى وجهة سياحية ذائعة الصيت اليوم، لا تقل شهرة عن جزيرة سانتوريني اليونانية الشبيهة بها.
ويقول الدليل السياحي المشرف على القصر “سيدي بوسعيد مدينة ديرلانجي الذي فرض استخدام اللون المميز للبنايات في الجهة وهما اللونان الأزرق والأبيض تماما مثلما هو الأمر في سانتوريني”.
وينحدر البارون ديرلانجي (1872-1932) من أصول ألمانية وهو بريطاني الجنسية وفرنسي المولد. واقترنت شهرته الفنية أثناء إقامته في تونس بولعه بالثقافات الشرقية.
ويمكن ملاحظة هذا الولع في جنبات القصر من خلال الأعمدة المرمرية الرخامية المسنودة إليها بناية القصر وتيجان الأعمدة والتحف الزخرفية القديمة التي تم جلبها من أقصى الشرق، بالإضافة إلى السجاد الفارسي والتحف البلورية المستجلبة من البندقية (فينيسيا). كما تعكس الزخارف الخشبية في المخادع والأسرة والسقوف والصناديق الخشبية المرصعة بالأصداف، هوس ديرلانجي بالشرق.
وبحسب رواية المشرف السياحي، فإن قدوم البارون الثري من فرنسا إلى سيدي بوسعيد واستقراره بها كان لأسباب صحية بسبب حساسية ملازمة لحنجرته، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن مناخ أكثر ملاءمة صحيا في جنوب المتوسط.
وشيّد البارون القصر المطل على البحر المتوسط في مكان شاهق على مساحة تقدر بـ3300 متر مربع من بينها 1800 متر مربع خاصة بالملحقات. وهو يعدّ اليوم أحد أبرز المزارات السياحية في قرية سيدي بوسعيد، الوجهة السياحية الأشهر في العاصمة تونس، كما أنه يقع على مرمى حجر من مدينة قرطاج التاريخية.
ويحمل القصر الذي يُعرف أيضا باسم مركز النجمة الزهراء طابعا معماريا عربيا وأندلسيا خالصا. استغرق بناؤه حوالي عشر سنوات بين عامي 1911 و1922. وتقول مصادر تاريخية إن البارون ديرلانجي جلب حرفيين من المغرب ومصر إلى جانب أمهر الحرفيين في تونس لبناء القصر.
وظل القصر على ملك ورثة البارون حتى عام 1989 حين قامت الدولة التونسية بشرائه لتحوّله إلى مركز ثقافي يحمل اسم مركز الموسيقى العربية والمتوسطية.
وخصصت وزارة الثقافة في الطابق العلوي إحدى الغرف لعرض الآلات الموسيقية لديرلانجي المولع بالموسيقى الشرقية والعربية.
ويفتح القصر أبوابه للعموم والسياح لزيارته يوميا، وقد خصصت السلطات بهوه الداخلي لإحياء الحفلات الثقافية والموسيقية ذات الحضور الجماهيري المقيد، ولاسيما خلال شهر رمضان.
ويقول محافظ القصر “البارون كان صاحب مزاج ميال إلى المرح. في هذا القصر كان يعقد الجلسات الثقافية في بداية القرن الماضي ويرسم لوحاته ويستمتع بالاستماع إلى تخت الموسيقى الشرقية. فهنا كان يأتي الأعيان، وكان القصر بمثابة مزار ثقافي”.
ويختم المحافظ لقاءه معنا بالحديث عن خزانة تقع في رواق دائري بالطابق العلوي وفي داخلها قوارير النبيذ التي كان يستخدمها ديرلانجي وبعض الأواني التقليدية من صنع حرفيي الجهة في بدايات القرن العشرين.