ديبورا بيركس.. كبيرة علماء البيت الأبيض تواجه العدو الشرس

يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المؤتمر اليومي لمجموعة عمل مكافحة فايروس كوفيد – 19 التابعة للبيت الأبيض مع أعضاء المجموعة، ويبدو حزينا وحائرا على غير عادته من الشعور بالسيطرة المستمرة والقدرة على الاحتواء، وذلك يعود إلى الأخبار التي يتلقاها قبيل دخوله قاعة المؤتمر من الفريق الطبي لمجموعة العمل وفي مقدمتهم العالمة وطبيبة الإيدز وأمراض نقص المناعة ديبورا بيركس.
أرقام مرعبة
ولأول مرة منذ بدء تفشّي فايروس كورونا القاتل يصف ترامب الجائحة بأنها قد تكون من أسوأ ما شهدته الولايات المتحدة في تاريخها، وقد دعا المواطنين الأميركيين أن يستعدّوا “لأسابيع قاسية قادمة” وقال وعلى وجهه ملامح من الخذلان والحزن “سنخسر الآلاف من المواطنين”.
جاء تصريح ترامب هذا صادما للمواطنين الذين يتسمّرون كل يوم خلف أجهزة التلفزيون لمتابعة انتشار الجائحة في الولايات المتحدة من خلال المؤتمر الصحافي اليومي لمجموعة عمل مكافحة فايروس كورونا في البيت الأبيض. يعترف ترامب بأن الفريق الطبي كان قد وضعه في صورة المشهد الكارثي كاملا، لكنه رأى ألا يكشف عن المعلومات التي تلقاها بإمكانية خسارة عدد هائل من الأميركيين نتيجة إصابتهم بالفايروس، وأنه أراد ألا يصيب المواطنين بالذعر والإحباط، وقد قال مبررا “لا أريد أن أكون شخصا متشائما بل رأيت أن علي أن أبعث الأمل في نفوس المواطنين”.
وقفت بيركس الطبيبة ومنسقة مجموعة عمل البيت الأبيض لمكافحة فايروس كورونا أمام كاميرات البث التلفزيوني المباشر من البيت الأبيض وخلفها صور بيانية لانتشار الفايروس في الولايات المتحدة مقارَنة بالبيانات العالمية للجائحة. كنت أنا، كما الملايين من الأميركيين، نراقب باهتمام هذا المؤتمر الصحافي، وقد أصابني ما سمعت خلاله من معلومات وبيانات بالفزع الحقيقي نظرا إلى تصريحات بيركس الصادمة. فقد عرضت بيركس خلال المؤتمر توقعات جديدة تقديرية تقضي بأنه في أفضل الأحوال، ومع اتخاذ كل الإجراءات الوقائية الاحترازية من تباعد اجتماعي وتعطيل عام وعدم الخروج من المنازل، سيصل عدد الوفيات نتيجة لهذه الجائحة إلى ما يتراوح بين 100 و240 ألف أميركي بسبب الفايروس.
وتؤكد العالمة الأميركية أن “السيناريو السيء الذي توصلنا إليه من خلال التقديرات ومقارنة الأرقام والإحصاءات للإصابات بفايروس كورونا كان يقضي أصلا بوفاة 1.5 إلى 2.2 مليون أميركي بسبب الوباء في حين لم تراع وتطبّق تعليمات منع تفشي الفايروس من خلال إجراءات التباعد الاجتماعي التي تم تمديدها حتى 30 أبريل الجاري”. تصريحات بيركس التي كانت انعكست ألما وصدمة على وجوه الصحافيين في قاعة المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، حاولت تبديدها بتهدئة روع الأميركيين بأن البيت الأبيض لديه قناعة بأنه سيتمكن من تخفيض الخسائر البشرية المتوقعة من خلال اتباع إجراءات الدليل الصحي الذي أصدره فريق العمل ليطبّق الأميركيون تعليماته بشكل دقيق وإلزامي.
بيركس من مواليد ولاية بنسلفانيا بتاريخ 4 أبريل للعام 1956. والدها عالم الرياضيات والمهندس الكهربائي دونالد بيركس، ووالدتها أديل سباركس بيركس، مدربة تمريض. طبيبة ودبلوماسية متخصصة في نقص المناعة المكتسب “الإيدز”، وكذلك في بحوث اللقاحات والصحة العالمية. عملت سفيرة متجولة ومنسقة عالمية لمكافحة وباء الإيدز بالولايات المتحدة، حيث كانت مسؤولة عن خطة الرئيس أوباما الطارئة لبرنامج الإغاثة من الإيدز في 65 دولة تدعم علاج الإيدز وبرامج الوقاية من الإصابة.
مكافحة الوباء
خدمت بيركس لسنوات طويلة كضابط احتياطي في جيش الولايات المتحدة وحصلت على رتبة عقيد، حيث وصلت إلى منصب مديرة برنامج أبحاث فايروس نقص المناعة البشرية العسكري للولايات المتحدة في معهد “والتر ريد للأبحاث” التابع للجيش، وهو منصب شغلته لمدة تسع سنوات، وهي من قاد التجربة السريرية للقاح الإيدز.
عملت أيضا مديرة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهو جزء من مركز الوكالة للصحة العالمية. وحازت على وسام الاستحقاق من وزارة الدفاع الأميركية تقديرا لخدماتها في القطاع العسكري والصحي.
في ٢٧ من فبراير الماضي قرر نائب الرئيس مايك بنس اختيار بيركس لمنصب منسقة مجموعة العمل لمكافحة فايروس كورونا في البيت الأبيض. وأصبح دورها يتضمن تقديم تقارير يومية إلى نائب الرئيس حول معلومات فريق البيت الأبيض لمكافحة كورونا.
وتتصدر الولايات المتحدة حاليا قائمة انتشار فايروس كورونا على مستوى العالم من حيث عدد الإصابات المسجلة، حيث يرجع بعض المتفائلين هذا الأمر إلى أن السبب الرئيسي في تقدّم أميركا في قائمة عدد الإصابات هو العدد الكبير من الفحوصات المتوفرة لمن يشك بإصابته أو تظهر أعراض الفايروس عليه، مقارنة بغيرها في أي مكان آخر في العالم.
الدراسات التحليلية التي يجريها باحثون في إسبانيا وفنلندا تثبت صحة قراءة بيركس لمسار انتشار كورونا
وتشير بيركس إلى أن انتشار الإنفلونزا المعروفة في نصف الكرة الشمالي، يشبه بشكل عام نمط انتشار فايروس كورونا خلال أشهر السنة من نوفمبر حتى أبريل، ما يعني أن الأنواع الأربعة لفايروس كورونا التي تسبب نزلات البرد تتلاشى في الطقس الدافئ.
وتضيف أن نمط انتشار كورونا مشابه لوباء سارس في العام 2003، لكنها تشدد على أنه من الصعب تحديد ما إذا كان الفايروس التاجي الجديد سيتخذ ذات المسار والسلوك في الانتشار تبعا للدراسات المقارنة مع الفايروسات التي هي من عائلة كورونا.
وقد كشفت الدراسات التحليلية التي أجراها باحثون في إسبانيا وفنلندا صحة قراءة بيركس لمسار انتشار كورونا، وأظهرت إحدى هذه الدراسات أن البيئة الأمثل لانتشار الفايروس هي في البيئة الجافة التي تبلغ درجات الحرارة فيها ما بين 2 تحت الصفر و10 درجات مئوية.
وأظهرت دراسة أخرى أن معدل انتشار الفايروس في المدن الصينية ذات الحرارة المرتفعة والبيئات الأكثر رطوبة كان أبطأ منه في مناطق ذات طبيعة جافة وباردة وذلك قبل فرض الحكومة الصينية إجراءات صارمة للحد من انتشار الوباء.
حرب عالمية ثالثة
منظمة الصحة العالمية، من جانبها، أعلنت في تقرير نشرته عن حجم انتشار فايروس كورونا في الولايات المتحدة أن أميركا ستكون مركزا للوباء الذي أصاب مفاصل الحياة في العالم بالشلل التام. جاء هذا التقرير إثر شهر واحد فقط من إعلان الرئيس ترامب أن فايروس كورونا هو تحت السيطرة تماما في الولايات المتحدة.
وقد أشارت بيركس مؤخرا إلى أن الأسابيع القادمة من شهر أبريل ستشهد تشكل تضاريس الأزمة “الخطوط البيانية التي يرسمها المختصون لانتشار الفايروس” بالنسبة إلى عشرات الملايين من الأميركيين القلقين، ولاسيما من سكان مدينة نيويورك التي تواجه تسونامي من المصابين والموتى نتيجة الإصابات هائلة العدد فيها حيث كان معدل العدوى بالفايروس أعلى بخمس مرات من معدل العدوى في ولايات أخرى من الأراضي الأميركية، ما دعا بيركس إلى أن تحذّر بقولها “لأصدقائي وزملائي في نيويورك جميعهم، هذه هي المدينة التي تحتاج أن يلتزم سكانها بالتباعد الاجتماعي التام والعزل الذاتي في هذا الوقت”.
تنتظر الولايات المتحدة أوقاتا صعبة ومؤلمة، الجميع يعرف ذلك وبخاصة بيركس التي تقوم كل صباح بتحديث عدد الإصابات والوفيات في الولايات الأميركية كافة، ولتظهر في مؤتمرها الصحافي اليومي من البيت الأبيض، وتزف الأنباء التي بمجملها مقلقة وغير سارة للأميركيين.
أميركا اليوم تقع في القلب من هذه الدوامة والقتامة العالمية التي لم يشهدها الأميركيون منذ الحرب العالمية الثانية حين كانوا يذهبون لقتال عدو مرئي ومحسوس. أما اليوم، فهم يحاربون عدوا مجهولا لا يمكن وضع اليد عليه ولا استيعاب حجم شروره على المدى القصير في ظل غياب اللقاح المضاد أو الدواء الناجع لمن وقعوا فريسة كوفيد – 19.