دموع المحار بهجة للصيادين

السبت 2016/06/25

سأقصُّ عليكم أيها الصحبُ ما تيسّر من خراج ذاكرة هذا الدرويش العجيب، وهو يخيّم الليلة على عتبة العشر المتأخرات من شهر الصيام المجيد.

يتدروش ويدوخ ويعشق ويذوب ويتلو على نفسه صوفيات شهداء الحب والوحشة والبرد في عزِّ الشمس، ثم ينفصم ويتفكك ويستعيد الكهوف المظلمة في جوفهِ القلق. ليس بمستطاعه الذهاب إلى مسلخ المدينة لشراء اللحم الطازج الطيب الرخيص، خشيةً من منظر الخراف الأبرياء وهي تلوذُ ببعضها، هروبا مؤجلا من ساطور القصّاب، لكنّ تلك الخشية ستموت وتندثر بعد قليل من الزمن، قدّام صفّ باسل من أسياخ الكباب وضوع الشواء وتثائب الجمر العزيز.

يبوس الدرويش المترنّح الليلةَ يدهُ شاكرا، لأنّ الدجاجةَ لا تبيض بيضة مثلثةَ الأضلاع. يرقص لأنّ قطط الزقاق قد وجدْن فسيخ سمك لذيذ بحاوية زبل، يكفي لإخراس بطون عشيرة أمهات يلبطن بمؤخرة شباط.

يبكي صاحب الكرامات على منظر الغطّاسين غلاظ القلوب، وهم يدسّون حبةَ رمل بين فلقتي المحار، فيبكي ويتوجع فتتراكم دمعاته السواخن، فتنولدُ لؤلؤة عزيزة من ظهر النحيب.

يتواطأ الدرويش الجنديّ الغاطس بشقّ الموت، مع جنديّ مزروع في الشقّ المضاد. يلوّح له ببندقية آمنة، فيردها عليه الآخر بنفس قوة تلويحته، فيعود الإثنان إلى بيتيهما تحت حراسة طاسة مياه الوداع.

تتوفّر تحت يمين الدرويش القوية، فرصة لا تثنّى كي يجهز على هذه البقّة الطنّانة. تحطّ الناموسة الكلحاء الآن مفضوحة ببياض الحائط. فكّر في لصق يده فوقها ليحولها إلى بقعة دم ودرس قاس لكلّ حرمسة تتورط في دخول صومعته، لكنه تراجع بعد أن تراءى له منظر أطفالها وهن ينطرنها على حائط قريب.

على صوت إشعال عود الكبريت وبنفخة دخان تشبه تلك التي كنا نغوص فيها خلف سيارة التعقيم، طارت البقة فحمد الدرويش الصاحي ربه وعاد فباس يمينه ظهرا وقفا، وصاح مسرورا، لقد قمعت الفتنة وحفظ الدمُ العزيز.

بعد انفناء كمشة دقائق، صار بمقدوري الإنصات لطنينها وخفق أجنحتها وهي تحوم حول صيوان أذني الكبير. هششتها بسرعة فهربت ثم استدارت مثل طيارة شريرة، وحطت هذه المرة على ظهر يميني. تركتها تمصّ شيئا من دمي، علّ جسدها يثقل ويتضعضع فتنام.

لم يحدث ما كنت أريده وأشتهيه، وأنا منذ ساعات أكافح كي أطردها من الصومعة لأنام، لكنني أفشل وألوم نفسي بقوة. كان عليّ أن أقتل هذه الحقيرة الأدبسز منذ البداية.

24