دلال عبدالعزيز.. نجمة أحبّت الناس وأحزن رحيلها مصر

فنانة تجيد دور الأم في الواقع والتمثيل.
الثلاثاء 2021/08/10
إرث كبير

كل من تابع مشهد وفاة “عطية” الذي أدته الفنانة دلال عبدالعزيز في مسلسل “ملوك الجدعنة” في رمضان الماضي شعر أن من ماتت هي دلال، لا الشخصية، فقد كانت في وقتها تعاني من فايروس كورونا وتقبع داخل مستشفى في حالة حرجة جدا، ولعب التركيز على حالتها الصحية السيئة دورا مهما في هذا الربط، وبدا رد فعل الفنان عمرو سعد الذي جسد دور “سرية” ابن “عطية” قويا إلى الدرجة التي أثرت في المشاهدين، وحفر هذا العمل، وهو الأخير لها على الشاشة، مكانة كبيرة في ذاكرتهم.  

رحلت عبدالعزيز السبت عن عمر ناهز الـ61 بسبب معاناتها القاسية من توابع فايروس كورونا بعد أن دخلت المستشفى في أبريل الماضي، ثم شفيت من كورونا، لكن ظهرت عليها بعض الأعراض الخطيرة والمضاعفات النادرة لمرحلة ما بعد كورونا أدت إلى تليف في الرئة وتدميرها بصورة كبيرة. وقد حفلت فترة إقامتها بالكثير من أنواع الإثارة التي تتجاوز الخيال والتمثيل فقد سبقها زوجها الفنان سمير غانم الذي أصيب معها في التوقيت نفسه، ووافته المنية في 20 مايو الماضي، وجرى كتمان خبر وفاته عنها، وكتبت ابنتاها دنيا وإيمي سمير غانم عبارة واضحة على غرفتها في المستشفى تطلب من الأطباء وطاقم التمريض والزائرين عدم إخبارها بوفاة زوجها لمنع تدهور حالتها الصحية ومحاولة إنقاذها من رد الفعل السلبي، لذلك ماتت دلال وهي لا تعلم أن زوجها رحل عن الدنيا قبلها.

تخطت عبدالعزيز بصعوبة صدمة رحيل صديقتها المقربة إليها الفنانة رجاء الجدواي منذ عام عقب إصابتها أيضا بكورونا، وحاولت أن تظهر متماسكة، غير أن كل من عرفوها قالوا “ذهبت دلال وجاءت أخرى بعد وفاة رجاء”، وهي الحالة التي يمكن أن تصيب أي إنسان على علاقة قوية بشخص آخر لا يتخيل فراقه.

متابعة مستمرة

عبدالعزيز ترحل تاركة إرثا كبيرا لا يخصّ فقط بنتيْها دنيا وإيمي، بل ينجذب إليه الجمهور لأنه يتجاوز الدور التقليدي للفنان
عبدالعزيز ترحل تاركة إرثا كبيرا لا يخصّ فقط بنتيْها دنيا وإيمي، بل ينجذب إليه الجمهور لأنه يتجاوز الدور التقليدي للفنان

وسائل الإعلام غطّت كل كبيرة وصغيرة عنها، لأن أخبارها تحظى بمتابعة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، وكان البعض يتلصصون على تطور حالتها الصحية ويتحدثون مع كل من له علاقة بها، فهي فنانة كبيرة وزوجة فنان كبير، وأم لفنانتين شهيرتين، الأولى متزوجة من الإعلامي رامي رضوان، والثانية متزوجة من الفنان حسن الرداد، ما جعل حياة الأم تهم قطاعا كبيرا من الجمهور.

ويوفر هذا الخليط “كوكتيلا” من التشويق لدى جمهور ست شخصيات: سمير ودلال ودنيا وإيمي والرداد ورضوان، على درجة عالية من الانتشار، وكانت كل معلومة أو شائعة تتناثر من هنا أو هناك تحظى بمتابعة تحقق لصاحبها الكثير من الشهرة.

انساقت إحدى الصحف المصرية وراء الإثارة ونشرت على موقعها الإلكتروني منذ حوالي شهر خبرا يفيد بوفاتها، ثم تيقنت من عدم صحته فنشرت تكذيبا، ما اصطحب معه عاصفة من الغضب ضد الصحيفة وموقعها من قبل أسرة الفنانة الراحلة وشريحة كبيرة من المتابعين أدت إلى تشديد الحراسة على غرفتها في المستشفى ومنع تداول أخبارها خارج أسرتها الصغيرة.

لم تكن الفنانة الراحلة ممثلة فقط، فقد كانت مواقفها الإنسانية تسبقها، الأمر الذي ظهر في تعليقات وتعازي الكثير من الفنانين والفنانات بعد تأكد خبر الوفاة، حيث حفلت بقصص وحكايات ونوادر تؤكد أنها كانت قريبة من الجميع بصورة غير معتادة.  

التقدير الشعبي الكبير عن الحزن لرحيلها يخلو من الاستطراد في الحديث عن أعمال عبدالعزيز الفنية الكثيرة والمختلفة، فقد انصب معظمه على جوانب إنسانية بديعة تكاد لا تشاركها إياها أي فنانة مصرية، مع مواقف نبعت من أعماق قلبها

عُرفت في الوسط الفني بأنها لا تفوت فرصة لحضور عزاء أحد، سواء كان قريبا أو بعيدا، فهي “صاحبة واجب” كما يقول المصريون، وهو البعد العاطفي الذي أسهم في زيادة شعبيتها، خاصة أنها لم تكن تتاجر به أو تتعمد نشره.

لخصت قصة التعازي في إحدى حلقات برنامج “سهرانين” الذي يقدمه الفنان أمير كرارة ومعها زوجها الراحل، وقالت إن “كثرة ذهابها إلى التعازي واجب عليها، لأن والدها علمها ذلك منذ الصغر”، وأضافت “أنا من الشرقية وهناك علمونا كويس، وكان والدي يقول لي روحي عزاء ومتروحيش فرح، لو انتي مش فاضية أوي للفرح مش مهم، إنما العزاء واجب لازم تروحي”.

كشفت هذه الكلمات الكثير من المآثر التي يتحدث بها البعض عن دلال وجوانبها الإنسانية الممتدة، وهو ما يفسر البعد العميق في شخصيتها والمختزل منذ الصغر وظل حاضرا معها عند الكبر.

ففي الوقت الذي يمرض أو يموت فيه الكثير من الفنانين دون أن يجدوا أصدقاءهم بجوارهم كانت دلال ورجاء ومعهما ميرفت أمين لا يفوتن فرصة زيارة مريض أو تقديم العزاء في متوفى، وهي ظاهرة لفتت أنظار فئة من الجمهور كانت تعتقد أن الفنانين يعيشون في كوكب آخر أو لا علاقة لهم بالواجبات الاجتماعية.

عزاء عبدالعزيز 

Thumbnail

جمعت صداقة قوية بين دلال والراحلة رجاء الجدواي، والفنانة الكبيرة ميرفت أمين، وكن يحرصن أكثر على الذهاب لأداء واجب العزاء في الكثير من حالات الوفاة التي تحدث في الوسط الفني ومعارفهن، وكانت دلال ورجاء أكثر تمسكا بأداء الواجب معا، فأطلق سمير غانم على الأولى اسم “عزاء عبدالعزيز” وعلى الثانية “عزاء الجداوي”.

انعكست المكونات الإنسانية الطاغية في شخصية عبدالعزيز على برقيات التعازي التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد الإعلان رسميا عن وفاتها، وتفاوت مضمونها بين تعداد الخصال النبيلة وبين مواقفها الأخلاقية المتعددة، وبينهما أمواج من التعليقات كشفت عن حجم التأثر بها، خاصة أنها برعت في أداء دور الأم في الكثير من أعمالها الفنية الأخيرة، ما ضاعف من الشغف بها وأدوارها. وحكت الراحلة في أحد البرامج التلفزيونية عن مواقف متباينة وجذابة في هذا الإطار جميعها تؤكد أنها كانت قريبة من الناس، وفنانة بدرجة أمّ في الواقع والتمثيل معا.

الفنانة الراحلة لم تكن ممثلة فقط، فقد كانت مواقفها الإنسانية تسبقها، الأمر الذي ظهر في تعليقات الكثير من الفنانين والفنانات بعد تأكد خبر الوفاة، حفلت بقصص وحكايات تؤكد أنها كانت قريبة من الجميع. ولا يزال المصريون متأثرين بحضورها في «ملوك الجدعنة» لهذا الموسم، الذي أدّت فيه دور الأم "عطيّة"

صهرها الإعلامي رامي رضوان نشر خبر وفاتها عبر حسابه على تويتر، قائلا “يبدو أنها لم ترغب في أن تترك حبيبها سمير غانم وحده، وقررت أن تذهب إليه في الجنة”، عبارة مقتضبة غير أنها تحوي مضمونا قويا يرمز إلى شدة الارتباط بين دلال وسمير، والذي لم يعد خافيا على الدائرة التي أحاطت بهما. وكتب صهرها الآخر الفنان حسن الرداد “والله ما قادر أكتب ولا مصدق.. توفيت إلى رحمة الله تعالى حماتي وأمي الغالية الفنانة الكبيرة دلال عبدالعزيز، أطيب خلق الله، عمري ما شفت منك غير كل خير يا حبيبتي، ربنا يغفرلك ويرحمك ويجمعنا مع بعض في الآخرة، عايز أقولك إنك هتلاقي مفاجأة حلوة مستنياكي، هتلاقي حبيب عمرك اللي طول الوقت بتسألي عليه، هتوحشينا قوي يا أمي، ربنا يجمعنا مع بعض في الآخرة”.

مع الشريك سمير غانم

خلا التعبير عن التقدير للفنانة الراحلة من الاستطراد في الحديث عن أعمالها الفنية الكثيرة والمختلفة، وانصب معظه على جوانب إنسانية بديعة، لأنها كانت غير عادية وغير مصطنعة ونابعة من أعماق قلبها، وهو ما زاد من تأثيرها في نفوس الناس الذين التفت شريحة منهم خلفها عند تشييع جثمانها من مسجد المشير طنطاوي بالقاهرة الأحد، بما يؤكد أن من ماتت لن تنقطع سيرتها عن الناس.

قدمت عبدالعزيز العشرات من الأعمال بين مسلسلات ومسرحيات وأفلام منذ بداية مشوارها الفني عام 1977 من خلال مسلسل"بنت الأيام"، وسوف تظل أدوارها عالقة بعقول وقلوب الجمهور الذي أحبها لبساطتها وتلقائيتها وإجادتها نقل الشخصية للوجدان العام.

“ ولدت في 17 يناير 1960 في قرية فرغان، وهي إحدى قرى مدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية في شمال القاهرة، وعشقت الدراسة والعلم منذ الصغر ولم تحترف التمثيل إلا بعد الانتهاء من دراستها الجامعية الأولى، فقد حصلت على بكالوريوس الزراعة، ثم الإجازة في اللغة الإنجليزية من كلية الآداب بجامعة القاهرة، ودبلوم في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من الجامعة نفسها أيضا، وهي دلالة على حبها للدراسة.

شاركت في مسرحية “أهلا يا دكتور” عام 1981 وتعد بدايتها الفنية الحقيقية والمدخل الواسع لشهرتها الفنية، والباب العاطفي أيضا، حيث تعرفت على غانم عن قرب، وظهرت نواة قصة حب جمعت بينهما.

رصيد عبدالعزيز يضم العشرات من الأعمال بين مسلسلات ومسرحيات وأفلام منذ بداية مشوارها الفني عام 1977 من خلال مسلسل "بنت الأيام"، وسوف تظل أدوارها عالقة بعقول وقلوب الجمهور

عن تلك الفترة كانت تقول “كان بعد كل ليلة عرض يقوم بتوصيلي إلى منزلي بعد انتهاء العرض ويشتري الفل”، وتزوجا عام 1984 بعد أن أعجبت بمعاملته الجيدة للسيدات وخفة ظله، وتضيف “سمير ليس مجرد زوج فحسب، فهو الأب والأخ والسند والأمان، هو دائما يقول إن لديه ثلاث بنات أنا أكبرهن، فعلاقتنا أكبر من أي اثنين متزوجين، فهو متفاهم ومتصالح مع نفسه جدا”.

وقد بادلها زوجها الراحل الذي كان يكبرها بـ23 عاما وكان مضربا عن الزواج، الحب بحب أكثر منها، عندما قال عنها “لولا مجهود دلال في إتمام الزواج لما سعيت إليه. وهي التي أنجحت زواجنا، هي سيدة تعرف كيف تخطط، وكانت تحبني لكن كنا صديقين أيضا”.

كانت علاقة الغرام بين دلال وسمير مجهولة للكثيرين، ولم يعرف تفاصيلها الجمهور إلا في السنوات الأخيرة التي حقق فيها كلاهما شهرة واسعة، وشاركا معا في بعض الأعمال الفنية التي أكدت أن الكيمياء بينهما عالية.

رحلت دلال عبدالعزيز وتركت خلفها إرثا كبيرا لا يخص فقط بنتيها دنيا وإيمي، بل ينجذب إليه الجمهور لأنه يتجاوز الدور التقليدي للفنان من إجادة في أدواره التمثيلية، وقفزت فوق أسوار شاهقة من الإنسانية النادرة التي يصعب هدمها. ولذلك عندما يكون الفنان قريبا من جمهوره تتعاظم أهميته المجتمعية. 

13