دلالات اليد في الثقافة العربية تجسد تطور الوعي التاريخي

أطلقت الثقافة الشعبية صفات عدّة على اليد لتحيل على صاحبها فيقال “يد كبيرة” بمعنى الكرم والعطاء و”يد شحيحة” بمعنى البخل والإمساك.
تؤكّد معاني اليد كما وردت في لسان العرب على ارتباط اليد بالعطاء والإحسان وهي من القيم العربية الأصيلة فكثيرا ما مدح الأدب العربي الكرم والإحسان وذمّ البخل والمنع فكانت اليد العليا اليد المعطاء رمزا للصدقة باعتبارها رمزا للتآزر والتقارب بين الناس، في حين تكون اليد المانعة أو السائلة يدا سفلى فمن أمسك يده بخلا ومنعا مثله مثل من مدّ يده للسؤال والتسول. وهذا ما يرتبط بمعنى الندم والذلّ وهو مصير البخيل المانع أو السائل الذي نسي أن وظيفة اليد العمل والسعي وليس تجميدها في حركة واحدة ثابتة تدلّ على عجز صاحبها وتخليه عن وظيفته الأساسية وهي العمل. فباستغلال يده في غير محلّها يشلّها ويمنعها من الفعل منتظرا ما يرتزق به من عطايا الناس وينسى أن يسعى إلى الرزق بيديه.
اليد هي وسيلة للتواصل ولغة صامتة ومعبرة من خلال حركاتها وإيماءاتها وتكاد تكون لغة عالمية أو إنسانية
وهكذا تتحوّل اليد من الوسيلة إلى الهدف وهو العمل فتصبح دالّة على ما تسعى إليه، وهو ما يفسّر القول يد الدّهر لا ترحم بمعنى أنّ الدّهر قادر على أن يفعل بالإنسان، وبما أنّ الفعل والعمل طالما ارتبطا بالـيد الوسيلة الأولى للقيام بالفعل فإنّ اليد قد ظلت لصيقة بـالعمل وكأنها من توابعه، فلا يظهر إلاّ بظهورها، بل لا يتحقّق الفعل إلاّ باليد. وهذا ما يفسّر كذلك قولنا “لحقته يد المنون” وهو تعبير مجازيّ فليس للموت يد، وإنّما التّعبير جعل للموت يدا حتى تقوم بالفعل وهو أن تمسك بروح الإنسان، بما أنّ الفعل المادي لا يتمّ إلاّ بواسطة اليد.
كما ترتبط اليد بمرجع ثقافي اجتماعي في الأمثال الشعبية التي تعبّر بصورة لا واعية عن رمزية اليد لدى المجموعة مثل قولنا “اليد الواحدة لا تصفّق” وهو مثل معروف في الثّقافة العربيّة. وفعلا اليد وحدها غير قادرة على القيام بعمل، على الأقلّ عمل نهائي وتامّ، إلا في حالات شاذّة تقوم اليد الواحدة بعمل (في حالة فقدان اليد الأخرى)، وإنّما المألوف، هو أن تتشارك اليدان كما يتشارك الشخصان في عمليّة المشي، حيث يكون الوضع الطّبيعي للعمل في عمل الاثنين معا، فنجد فعلا أنّ اليد الواحدة لا يمكن أن تقوم بحركة التّصفيق.
اليد ترتبط بمرجع ثقافي اجتماعي في الأمثال الشعبية التي تعبّر بصورة لا واعية عن رمزية اليد لدى المجموعة مثل قولنا “اليد الواحدة لا تصفّق” وهو مثل معروف في الثّقافة العربيّ
وتُخفض اليدان في حركة شبه منغلقة أو بين الانفتاح والانغلاق عند قراءة الفاتحة تلبية لرغبة الدعاء وكأنّ اليدين تستعدّان لملئهما بركة وإيمانا أو تنتظران أن تُملآ يقينا وخيرا ورحمة، ما يملأ القلب راحة وطمأنينة، وكأن المرء يحتاج ليديه وقد اعتاد أن يأخذ بهما ما يريده من أشياء حسية كي يتحصّل على ما هو روحي لا يمسك في الحقيقة باليد بل بالوجدان حتى وإن استعمل اليد في طلبه.