دفاعا عن مرحلة أوسلو

من العبث اللهث وراء "التيه السياسي" الذي يحاول اليمين الإسرائيلي جرنا إليه لذلك تسعى القيادة الفلسطينية لتثبيت معادلة أركان الدولة الفلسطينية في ظل غياب شريك إسرائيلي حقيقي معني بعملية السلام.
الجمعة 2023/01/20
القيادة الفلسطينية مطالبة بالحفاظ على اتفاق أوسلو بعيدا عن الجانب الإسرائيلي الضعيف

كثر الحديث مؤخرا عن اتفاق أوسلو، خاصة بعد أن نجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة من أقطاب اليمين واليمين المتطرف التي استطاعت من خلال الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي من السيطرة على سدة الحكم بأغلبية متواضعة تخوّلها الاستمرار لـ4 سنوات قادمة، ومن خلال قراءة سياسية مُسبقة لقدوم هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، قررت القيادة الفلسطينية التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو ما استدعى قيام حكومة اليمين المتطرف داخل إسرائيل بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية.

وللأسف كانت هذه العقوبات وما سبقها من ممارسات سياسية لوزراء حكومة اليمين الإسرائيلي خاصة الوزير إيتمار بن غفير نقطة انطلاق للبعض لمهاجمة اتفاق أوسلو، بل تعالت الأصوات المطالبة بإلغائه وحل السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما يصب في صالح الكيان الإسرائيلي الذي عمل من خلال حكومات اليمين المتعاقبة من بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين على شطب هذا الاتفاق وتدميره؛ تارة بممارسات منهجية تحدّ من قيام دولة فلسطينية بخلق حقائق جديدة على أرض الواقع تقضي على حل الدولتين وتضرب مؤسسات السلطة الفلسطينية لإضعافها، وتارة أخرى من خلال أياد فلسطينية سببت الانقسام وخلقت كيانا فلسطينيا مشوها في غزة يسعى لممارسة دور سياسي رديف يعزز الهدف الإسرائيلي بالعودة إلى ما قبل اتفاق أوسلو من أجل إنشاء كنتونات حكم ذاتي في مناطق متفرقة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

فاتفاق أوسلو جاء لتحقيق “كيانية” الدولة الفلسطينية؛ من خلال تسليم كامل الضفة الغربية وقطاع غزة بسيطرة أمنية ومدنية إدارية كاملة للسلطة الفلسطينية على ثلاثة مراحل؛ تبدأ المرحلة الأولى: على مناطق تسمى (أ) سيطرة أمنية وإدارية كاملة ثم بعد عقد الانتخابات وتشكيل المجلس التشريعي والحكومة يتم استكمال التسليم الكامل خلال 18 شهرا، في حينه تلغى التقسيمات (ب) و(ج) لتتحول جميعها إلى (أ) بمعنى سيطرة تدريجية للسلطة الفلسطينية على كامل الضفة وغزة خلال عام ونصف العام فقط؛ ما عدا المستوطنات والقدس وقضايا الحل النهائي يتم حسمها خلال خمس سنوات.

◙ على العالم أن يدرك أن التحرك الفلسطيني يصب في سبيل الحفاظ على حل الدولتين المعترف به دوليا نتيجة اتفاق أوسلو الذي وقع العام 1994

بمعنى آخر، أن الضفة الغربية وغزة كانتا تحت السيطرة الأمنية والإدارية الكاملة للاحتلال، واتفاق أوسلو منح السلطة الفلسطينية سيطرة تدريجية تبدأ بسيطرة أمنية وإدارية على (أ) وإدارية على (ب)، ثم أمنية وإدارية على (ب – ج) خلال عام ونصف العام، هذا ما أقرته أوسلو وما وافقت عليه أطراف النزاع، وتم تثبيته من خلال الدول الكبرى والمؤسسات الدولية الراعية للاتفاق.

من العبث اللهث وراء “التيه السياسي” الذي يحاول اليمين الإسرائيلي جرنا إليه، لذلك تسعى القيادة الفلسطينية لتثبيت معادلة أركان الدولة الفلسطينية في ظل غياب شريك إسرائيلي حقيقي معني بعملية السلام، بعدة إجراءات سياسية وقانونية داخل أروقة الأمم المتحدة، ابتداءً من قرار الحصول على صفة (دولة مراقب غير عضو) عام 2012، ومرورا بالقرار 2334 عام 2016 لتستكمل الإجراءات بدعوة الرئيس الفلسطيني إلى تفعيل قراري التقسيم 181 وقرار 194، ومن ثم مؤخرا طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والذي من شأنه البحث عن الوضع القانوني للاحتلال والآثار القانونية المترتبة عليه في العلاقة بين أطراف النزاع والدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى الأمم المتحدة ذاتها؛ كمنظمة دولية تقوم على أسس الأمن والسلم الدوليين.

اليوم، القيادة الفلسطينية مطالبة بأمرين؛ أولا: الحفاظ على اتفاق أوسلو بعيدا عن الجانب الإسرائيلي الضعيف الحاكم حاليا، والإدارة الأميركية المهزوزة بفعل المتغيرات المتسارعة في الساحة الدولية، وثانيا: استمرارية السعي لتحقيق اختراق سياسي كاتفاق أوسلو، وكسر حالة الجمود التفاوضي بتحرك دبلوماسي داخل أروقة الأمم المتحدة من أجل ترسيخ كيان الدولة الفلسطينية، وهو ما يسعى إليه الرئيس محمود عباس حاليا، بتحقيق العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، التي أصبحت مؤسساتها قادرة على الانتقال من حكم ذاتي انتقالي تأسس بعد “أوسلو”، إلى مفهوم الدولة بأجهزتها وكيانها الاعتباري استنادا على الشرعية الدولية وقراراتها، فعلى العالم أن يدرك أن التحرك الفلسطيني يصب في سبيل الحفاظ على حل الدولتين المعترف به دوليا نتيجة اتفاق أوسلو الذي وقع العام 1994.

9