دعوات مقاطعة المنتجات الغربية تكشف عيوب الإنتاج المحلي

الرهان على النجاح يتوقف على الإرادة السياسية والجودة الاقتصادية.
الاثنين 2023/11/06
أين البدائل المحلية؟

القاهرة - كشفت دعوات مقاطعة المنتجات الغربية التي وجدت صدى شعبيا في العديد من الدول العربية عن عيوب الإنتاج المحلي العربي، بعد أن وجد الكثير من المواطنين أنفسهم أمام خيارات محدودة لبدائل المنتجات والسلع الغذائية والعلامات التجارية التي تحظى بسمعة جيدة، ما جعل الصحوة الظاهرة المتزامنة مع العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة سلوكا مؤقتا لن تستفيد منه الاقتصادات العربية.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الناتج المحلي للدول العربية العام الجاري إلى 3.35 تريليون دولار، يشكل 3.18 في المئة من إجمالي الاقتصاد العالمي، ما يعبر عن حجم الفجوة التي تعانيها دول عربية كثيرة تعتمد على الاستيراد من الخارج، مع استمرار مشكلات هيكلية يواجهها الإنتاج العربي.

ولم يجد محمد سالم، وهو مواطن مصري تأثر بدعوات المقاطعة التي تجوب مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، سبيلاً سوى أن يعتمد على منتجات محلية لم يسمع عنها ليقوم بتجربتها بما يساعده على الالتزام بالمقاطعة، لكنه وجد أن الكثير من المستلزمات الغذائية التي اعتاد عليها ليس لها بديل مصري أو عربي أو حتى من دولة تقف موقفا رافضا للعدوان الإسرائيلي على غزة، وإذا وجد البديل فالكفاءة منخفضة.

وقال سالم لـ”العرب” إن “المشكلة تكمن في أن سياسات الحكومة لا تحفز على الإنتاج المحلي وتعريف المواطنين به، ووجد الملايين من الناس أنهم بحاجة إلى اتخاذ موقف قد يساند الفلسطينيين أو يسهم في معاقبة إسرائيل، وينتظرون التعرف على القيمة السوقية للمنتجات التي قاموا بمقاطعتها ليعززوا تأثيرهم”.

أمنية حلمي: نجاح دعوات المقاطعة يتوقف على وجود إنتاج محلي
أمنية حلمي: نجاح دعوات المقاطعة يتوقف على وجود إنتاج محلي

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات لمنتجات محلية مصرية وعربية من أجل تعريف المواطنين بها كبديل عن حملات التسويق المتطورة التي من المفترض أن يتم الإعداد لها وفقًا لخطط تضمن تحقيق الانتشار وربط المواطنين بالسلع والمنتجات، ما يعبر عن وضع يمكن وصفه بأنه فوضوي يعتمد على انتشار الصفحات والتدوينات التي تروج لمنتجات محلية في غياب دور تنسيقي مع الجهات التنفيذية.

وبدت حملات المقاطعة الشعبية منفصلة عن الجهات الحكومية في مصر، بعضها ينتظر توفير كل دولار لحل مشكلة اقتصادية، ويرى مواطنون أنه ليس مطلوبًا من الجهات الرسمية دعم دعوات المقاطعة صراحة، وإنما المطلوب تقديم المزيد من التسهيلات للإنتاج المحلي ووضع حوافز تساعد المنتجات على الانتشار.

وقالت أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أمنية حلمي إن “الرهان على نجاح دعوات المقاطعة يتوقف على وجود إنتاج محلي قوي له سمعة جيدة، ما يساعد على انتشاره، وهي نقطة ضعف منتجات وسلع عربية تتواجد في أجواء إنتاج يعاني من مشكلات عدة، في وقت تعتمد فيه الصناعات في العالم على التطورات التكنولوجية”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “نسب الاكتفاء الذاتي الضئيلة تعبر عن مشكلات الإنتاج في الدول العربية في وقت تتقدم فيه دول العالم بشكل سريع نحو توطين التكنولوجيا وتوظيفها، ما ينعكس إيجاباً على حجم الإنتاج وجودته. والدول العربية فوتت بعض الفرص لإحداث تكامل غذائي وصناعي”.

وأوضح تقرير صدر عن صندوق النقد العربي أن فجوة السلع الغذائية الأساسية والمواد الزراعية الأولية تباينت في أقاليم العالم عام 2021، وشهد بعضها عجزًا في الإنتاج المحلي، ما استدعى استيرادها وترتبت على ذلك ضغوط مالية شديدة.

وأدى التفاوت بين الإنتاج المحلي للسلع الغذائية الأساسية والمواد الزراعية الأولية والطلب عليها إلى انخفاض درجة الاكتفاء الذاتي في الدول العربية عام 2021.

وتشير إحصاءات إلى ارتفاع الفجوة الغذائية إلى 2.7 مليار دولار في هذا العام بسبب انخفاض مستوى الإنتاج المحلي وعدم القدرة على تغطية الطلب المحلي.

وأكدت حلمي في حديثها لـ”العرب” أن “الارتكاز على عوامل خارجية تقود إلى تراجع الإنتاج المحلي العربي أمر غير مقنع لأن المعوقات الداخلية تبقى مهيمنة، على  الرغم من تحسن مستوى أرقام الاقتصادات العربية بوجه عام، لكن ذلك لا ينعكس بالقدر ذاته على انتشار المنتجات المحلية، وتوالي شكاوى رجال الصناعة والتجارة بحاجة إلى تقييم للتأكد مما إذا كانت نابعة من مشكلات حقيقية لا بد من علاجها أم مغالى فيها”.

كريم العمدة: المقاطعة لا يمكن أن تحقق أهدافها، طالما بقينا مستهلكين
كريم العمدة: المقاطعة لا يمكن أن تحقق أهدافها، طالما بقينا مستهلكين

ويشكو منتجون محليون من أزمات البيروقراطية وارتفاع معدلات الضرائب التي تدفعهم إلى زيادة الأسعار، وغياب الدعم المقدم للكثير من الخدمات التي يحتاجونها في عمليات التصنيع، إلى جانب الاعتماد على مكونات إنتاج أجنبية وعدم توفر بديلها المحلي، وأزمات دخول المستلزمات بأسعار مرتفعة، ما يجعلها خارج منافسة المنتجات المستوردة، ويبقى رجال الأعمال أمام خيارات محددة، تأتي غالبا على حساب جودة المنتج.

واعتبر خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن سلاح المقاطعة لا يمكن أن يحقق أهدافه، طالما أن الدول العربية يتم توصيفها بأنها مستهلكة، والمدخل الرئيسي للتقدم ومجاراة رغبات المواطنين يكمن في تطوير نظم التعليم، والكثير من الدول العربية سلكت هذا الطريق ومن المنتظر أن يجلب مردوداً إيجابيًا في السنوات المقبلة.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “إحداث تحولات إنتاجية يتطلب تغييراً في ثقافة المواطنين أنفسهم الذين يقودون حملات المقاطعة، بحيث تنصب على توجهاتهم للارتقاء بالمستوى التعليمي لأبنائهم وغرس ثقافة الإنتاج فيهم بدلاً من اكتظاظ المقاهي بأعداد هائلة من الشباب العاطلين”، لافتًا إلى أن عورات الإنتاج المحلي معروفة للجميع منذ سنوات وبحاجة إلى طاقات تحركها بشكل صحيح شعبيًا وسياسيا.

ويطالب خبراء الاقتصاد الحكومات بأن توظف مجموعة من الإيجابيات التي ترتبط بأسواقها، وتتركز على وجود أسواق كبيرة كما هو الحال في مصر أو ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي في دول أخرى، على رأسها دول الخليج. كما يطالبون بالمزيد من دعم المنتجات المحلية، ما يؤهلها للمنافسة العالمية، وألا يكون ذلك انكفاء على الذات بما يحقق أضرارا اقتصادية أكبر، على أن يتم ذلك في سوق مفتوحة.

وأصبح أصحاب الشركات المحلية أمام اختبار حقيقي لما يمكن أن يقدموه من منتجات عالية الجودة والاستفادة من زيادة الطلب على السلع التي يقدمونها، مع أهمية الاستفادة من التطورات العالمية التي تكون سبباً في انتشار منتجات لها سمعة جيدة واستطاعت أن تجوب دول العالم، خاصة وأن عدم إقبال الجمهور على المنتج المحلي تراجع الآن مع حالة الحشد العام نحو المقاطعة.

6