دروس أزمة هواوي تقوي عناد الصين

الضغوط الدبلوماسية خيار واشنطن الوحيد لكبح طموحات بكين التكنولوجية.
الخميس 2020/07/23
لا حدود للطموح الصيني

في ظل استمرار التصعيد الأميركي ضد الصين، الذي يشبهه الخبراء بنذر حرب باردة أخرى يشهدها العالم، وعقب استمرار توجيه الولايات المتحدة العقوبات ضد شركة هواوي الصينية للاتصالات التي تتهمها واشنطن بالتجسس، تلجأ بكين إلى تدابير مضادة بالاعتماد على الصناعة المحلية والاحتماء بالسوق الأوروبية لتعزيز هيمنتها وتفوقها في سوق التكنولوجيا العالمية، في حين لا تجد واشنطن خيارا آخر غير الضغط الدبلوماسي على الحكومات للحد من النفوذ الصيني.

 واشنطن – تحضّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المجتمع الدولي على تجنّب هواوي الرائدة في مجال شبكة اتصالات الجيل الخامس، واصفا الشركة بأنها ذراع للحكومة الصينية. وقد استجابت بريطانيا للدعوة الأميركية بعد إعلانها استبعاد الشركة الصينية من بناء شبكة الجيل الخامس على خلفية مخاوف من تعريض الأمن القومي البريطاني للخطر، فيما اتهمتها بكين بالاقتداء بأوامر واشنطن.

وتضاعف الإدارة الأميركية الضغوط على النظام الصيني منذ أن فرضت بكين قانون الأمن القومي المثير للجدل في هونغ كونغ، والذي تعتبر واشنطن وغالبية الدول الغربية أنه يقوّض الحريات الاستثنائية في هذه المستعمرة البريطانية السابقة.

وتوجه الجولة الأخيرة من التصعيد الأميركي ضد هواوي المتمثلة في فرض عقوبات جديدة ضدها، ضربة قاضية لطموحات الشركة الصينية في التنافس مع عمالقة تصميم الرقائق “إنتل”، و”سامسونغ”، و”أبل” وغيرها من شركات أشباه الموصلات العالمية الأكثر تقدما، على الأقل في الوقت الحالي. واضطرت شركة الاتصالات الصينية العملاقة بالفعل إلى تأخير إنتاج هاتفها الذكي الرائد التالي، وباتت مجبرة على إعادة تقييم إمدادها بأشباه الموصلات.

ومنذ مايو الماضي، فرضت الولايات المتحدة، قيودا تحظر على أي شركة مصنعة لأشباه الموصلات باستخدام التكنولوجيا الأميركية من تصنيع الرقائق التي صممتها وحدة تصميم أشباه الموصلات “هاي سيليكون” في “هواوي”. وقد أصبحت “هاي سيليكون” واحدة من أكثر الشركات المنافسة في العالم لتصميم شرائح متقدمة للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ومعدات شبكات الجيل الخامس والتطبيقات الأخرى. لا تصنع هواوي الرقائق التي تصممها “هاي سيليكون” وتعتمد إلى حد كبير على شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية “تي.أس.أم.سي”، لإنتاج شرائح الهواتف الذكية الأكثر تقدما للشركة. ولكن مثل جميع شركات تصنيع الرقائق الرئيسية تقريبا في العالم، تستخدم شركة “تي.أس.أم.سي” معدات التصنيع باستخدام التكنولوجيا الأميركية. وبالتالي، أدت الجولة الجديدة من القيود الأميركية إلى قطع وصول هواوي إلى الرقائق التي صممتها “هاي سيليكون”، حيث أوقفت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات وهي أكبر شركة لتصنيع الرقاقات في العالم الطلبيات الجديدة من هواوي، استجابة لتحرك واشنطن الهادف لتقييد إمدادات الرقائق للشركة الصينية على نحو أكبر، وفق ما ذكرته تقارير صحافية.

وعلى الرغم من التصعيد الأميركي المتواصل ضد الصين الذي بلغ حدّ دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الثلاثاء، العالم إلى الوقوف في وجه الصين بعدما عقد مشاورات في لندن مع رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون الذي توترت علاقته بالصين بعد انتقاده إجراءاتها في هونغ كونغ. إلا أن الصين لن تستسلم أمام الضغوط الأميركية وعلى العكس من ذلك، سيقود عناد بيكن إلى المزيد من التطور التكنولوجي ما سيفتح من جديد أبواب المنافسة مع غريمتها واشنطن حسبما توصل إليه تقرير جديد لمركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي “ستراتفور”.

تدابير صينية مضادة

برونو لومير: فرنسا لن تمنع شركة هواوي الصينية من الاستثمار في البلد
برونو لومير: فرنسا لن تمنع شركة هواوي الصينية من الاستثمار في البلد

على الرغم من أن العقوبات الأميركية تركز حتى الآن على هواوي، فمن المرجح أن تفرض الولايات المتحدة ضوابط وعقوبات تصدير مماثلة ضد أي شركة صينية أخرى تتحدّى هيمنة واشنطن والغرب في تصنيع أشباه الموصلات. وقد أعلنت الولايات المتحدة عن قلقها من هواوي بشأن علاقاتها المشتبه بها مع الجيش الصيني وأجهزة المخابرات الصينية. وعلى غرار الولايات المتحدة حيث تقوم شركات التكنولوجيا الأميركية مثل غوغل، ومايكروسوفت، وشركات التكنولوجيا الأميركية الأخرى بتوقيع عقود بمليارات الدولارات مع الجيش الأميركي، فإن كل شركات أشباه الموصلات وشركات تكنولوجيا المعلومات الصينية ذات الأهمية لها أيضا روابط أعمال وعقود مع منظمات الأمن والمخابرات الصينية، بما في ذلك جيش التحرير الشعبي الصيني.

لكن مصدر القلق الحقيقي هو أن هواوي والصين لديهما الهدف المعلن المتمثل في منافسة الولايات المتحدة ودول أخرى في قطاع التكنولوجيا العالمية، بل والتفوق عليها. ويشكل نمو قطاع التكنولوجيا المتقدمة في الصين تهديدا مباشرا للنجاح الاقتصادي والصناعي المستقبلي للولايات المتحدة، والذي يعتمد بشكل كبير على الحفاظ على هيمنتها الحالية في سوق التكنولوجيا العالمية.

وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل في تطبيق ضوابط تصدير مماثلة وإجراءات عقابية أخرى على شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى، بما في ذلك شركات الذكاء الاصطناعي مثل “ميغ في”. أما الشركات الصينية الأخرى التي قد تجد نفسها مستهدفة في المستقبل فتشمل شركات البرمجيات الضخمة، مثل عملاق البحث على الإنترنت “بايدو”، وشركات تصنيع الرقائق الكبيرة مثل شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية “أس.أم.آي.سي”.

وستدفع الجولة الأخيرة من التصعيد الأميركي ضد هواوي الصين إلى تعزيز قدرات أشباه الموصلات والتكنولوجيا الفائقة من خلال جذب المزيد من الكفاءات والخبراء الدوليين. كما ستعمل مجموعة هواوي الصينية للاتصالات على خطة لتصنيع مكوّنات معدّاتها في موقع بأوروبا بحسب تصريحات سابقة لرئيسها ليانغ هوا. وستواصل الصين إنشاء المزيد من الصناديق المدعومة من الدولة، مثل صندوق الاستثمار الوطني لصناعة الدوائر المتكاملة الذي تبلغ قيمته 29 مليار دولار والذي تم إطلاقه العام الماضي، للاستثمار في شركات أشباه الموصلات المحلية. كما ستستفيد الشركات الصينية من القروض الحكومية والمنح والتمويل الرخيص لتقديم رواتب مربحة للمهندسين الموهوبين والمصممين وغيرهم من المهنيين المهمين في القطاع الذين يتركزون حاليا في تايوان وكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة.

ويعمل حاليا ما يقدر بنحو 3000 مهندس كانوا يعملون سابقا في تايوان بالفعل في صناعة أشباه الموصلات في الصين، وفقا لتقرير صدر في ديسمبر عن مجلة بيزنس ويكلي. وقد أفادت التقارير بأن شركة “أس.أم.آي.سي”، أكبر شركة مصنعة للرقائق المحلية في الصين، تضاعف أيضا نطاق بيع الأسهم المخطط له في وقت لاحق من هذا العام، وتهدف الآن إلى جمع 7.5 مليار دولار لدعم نموها وعمليات الشراء الخاصة بها.

ضغوط دبلوماسية

الجولة الأخيرة من التصعيد الأميركي ضد هواوي ستدفع الصين إلى تعزيز قدرات أشباه الموصلات والتكنولوجيا الفائقة
الجولة الأخيرة من التصعيد الأميركي ضد هواوي ستدفع الصين إلى تعزيز قدرات أشباه الموصلات والتكنولوجيا الفائقة

أمام التدابير الصينية المضادة، ستصبح الاستراتيجية الأميركية أقل فعالية تدريجيا في مواجهة الطموحات التكنولوجية المحلية في الصين، وسيكون من الصعب على واشنطن كبح جماح بكين في المجال التكنولوجي.

وتجبر حملة الضغط الأميركية الشركات على التكيف مع بيئة قانونية وتنظيمية أكثر تعقيدا. وفي حين أنه من غير المحتمل تجزئة سلسلة التوريد بالكامل، فقد بدأت الشركات بما في ذلك “سامسونغ” بالفعل في تطوير خطوط الإنتاج التي تحد من استخدام التكنولوجيا الأميركية من أجل حماية مبيعات منتجات معينة إلى الصين.

ودفعت هذه الصعوبات واشنطن إلى تعديل العقوبات المسلطة على هواوي في يونيو الماضي، واعترفت أنها باتت مضطرة لأن تخفّف قليلا من عقوباتها حماية لمصالح شركات أميركية. وبموجب بيان وزارة التجارة الأميركية فإنّ هواوي ستتمكن من الوصول إلى تقنيات أميركية معيّنة “من أجل تطوير معايير”.

ويحذر خبراء من أن التدبير الأميركي سيحدّ كثيرا من مجال المناورة الذي تتمتع به هواوي، ثاني كبرى المجموعات العالمية في سوق الهواتف المحمولة، لكنّه يؤثّر أيضا على لاعبين آخرين في هذا القطاع يعتمدون على هواوي، ويؤثّر كذلك على سلاسل التوريد العالمية.

وإذا أرادت واشنطن تحقيق الهدف المنشود المتمثل في الحد من صعود التكنولوجيا في الصين، فستكون مضطرة في النهاية إلى الاعتماد على وسائل أخرى، مثل زيادة الضغط الدبلوماسي على الحكومات، كما فعلت لمنع بيع آلات الطباعة الحجرية المتطرفة فوق البنفسجية الهولندية الصنع لشركة “أس.أم.آي.سي” الصينية في عام 2019، أو ربما اللجوء إلى فرض عقوبات أكثر تشددا.

ومع ذلك قد لا تستجيب أوروبا للضغوط الصينية، وهو ما كشف عنه الموقف الفرنسي بعد أن تعهد ت باريس الثلاثاء على العمل معا بشكل أوثق مع الصين في مجالات عديدة من مبيعات الطائرات إلى الجيل الخامس لشبكات الاتصالات. وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو الثلاثاء إن فرنسا لن تمنع شركة هواوي الصينية من الاستثمار في البلد على عكس بريطانيا التي قررت التخلص من معدات الشركة لشبكة الجيل الخامس بحلول عام2027.

6