دبلوماسية المشاهير:هل يعضون قطعة أكبر مما يستطيعون مضغه

كتاب يسلط الضوء على دور المشاهير في عالم الدبلوماسية ومدى تأثيرهم في المواقف السياسية والإنسانية.
الثلاثاء 2020/10/06
الابتكار التقني والتوسع يجلبان للعديد من المشاهير قوتهم النجمية

لطالما لعب المشاهير من خارج المجال السياسي دورا في دبلوماسية بلدانهم أو منظمات دولية أو حقوقية لإبراز أهداف أو توجهات الجهات التي يعملون فيها، وحتى في المنطقة العربية ظهر العديد من المشاهير الذين لعبوا على وتر تعزيز العلاقات بين الشعوب، وفي كتاب حديث حول هؤلاء طرح المحلل السياسي أندرو كوبر تساؤلات حول ما إذا كانوا تجاوزوا حدودهم في المهام التي أُنيطت بعهدتهم.

واشنطن - تعمل منظمة السلام العالمية للتنمية الدبلوماسية على تعيين سفراء من خارج المجال السياسي كل سنة حتى يمثلوها، ولكن هل حقق مشاهير الفنانين والموسيقيين والإعلاميين وحتى الرياضيين، وخاصة العرب، إنجازا على الأرض مثلما فعلته الفنانة الأميركية الشهيرة أنجلينا جولي التي ما زالت تحتل هذا اللقب منذ عام 2001 وحتى اليوم.

لقد سعى أندرو كوبر، وهو عالم سياسي، تحليل وتقييم دور المشاهير في عالم الدبلوماسية، التي تغير مسارها من كونها مركزية على الدولة إلى دمج عناصر وطنية وعالمية من خلال كتاب نشره مؤخرا أطلق عليه اسم “دبلوماسية المشاهير” وسلط الضوء عليه موقع “مودرن دبلوماسي” لفهم دور المشاهير وتأثيرهم في المواقف السياسية والإنسانية.

وحاول كوبر، الذي درّس في جامعة كولومبيا وعمل في هيئة الأمم المتحدة ومنظمة هيومان رايتس ووتش من خلال هذا الكتاب التقاط الأدوار التي لعبها المشاهير مثل نجوم السينما والموسيقيين والمديرين التنفيذيين الذين يعملون في جميع أنحاء العالم وقد استولوا على أدوار جديدة على المسرح العالمي.

وفي نفس الوقت رفع مستوى وصولهم إلى قادة العالم والجماهير من خلال ممارسة قوتهم النجمية إلى عالم الدبلوماسية والقضية الإنسانية، مع تحديد فوائد ومخاطر هذه الظاهرة الحديثة تماما. حيث تحدث كوبر عن كيفية تعرض المشاهير للفحص المستمر وغالبا ما يُنظر إليهم على أنهم يمثلون الكثير من العبث حول الدبلوماسيين المحترفين.

وتطرق المؤلف ضمن نطاق دبلوماسي إلى المشاهير وكيف يختلفون عن بعض الدبلوماسيين المحترفين الذين يكتسبون أيضا مكانة المشاهير من خلال كونهم تحت نظر الجمهور الدائم، وهو يسلط الضوء على كيفية اختيار بونو وبيل وميليندا جيتس كأفضل شخصية لعام 2005 في مجلة “تايم” كمقياس واضح لكيفية أداء أنواع جديدة من المشاهير وظائف دبلوماسية ومجموعة واسعة من الأنشطة التي يتم الاعتراف بها على المسرح الدولي من خلالهم.

المحلل السياسي أندرو كوبر تحدث في كتابه ضمن نطاق دبلوماسي عن المشاهير وكيف يختلفون عن بعض الدبلوماسيين المحترفين الذين يكتسبون أيضا مكانة المشاهير من خلال كونهم تحت نظر الجمهور الدائم
المحلل السياسي أندرو كوبر تحدث في كتابه ضمن نطاق دبلوماسي عن المشاهير وكيف يختلفون عن بعض الدبلوماسيين المحترفين الذين يكتسبون أيضا مكانة المشاهير من خلال كونهم تحت نظر الجمهور الدائم

وتستهدف الموجة الحالية من المشاهير بشكل مباشر مجالات الحوكمة العالمية والإنصاف العالمي والقضايا التنظيمية العالمية عبر الجهود المبذولة للقضاء على الفقر العالمي وإلغاء الديون والتوسع في برامج المساعدة الإنمائية الرسمية والتركيز على فايروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والقضايا الصحية الوبائية الأخرى، والتي تتركز جميعها بشكل كبير في أفريقيا، ستكون على رأس معظم القوائم الحالية لنشاط المشاهير.

ويشير كوبر في معظم ما كتبه في الكتاب باستمرار إلى هيمنة المجال الأنجلو في عالم دبلوماسية المشاهير، مما يعطي مساحة ضيقة للأجانب، وبالتالي يبقيهم تحت السيطرة، فبعض المشاهير مثل أودري هيبورن وداني كاي حاولوا التقاط عناصر من الحياة العامة المنخرطة أثناء العمل مع اليونيسف.

ولكن العمل الدبلوماسي لم يتخذ شكلا كاملا إلا بعد نهاية الحرب الباردة مع اندفاع هائل، فالابتكار التقني والتوسع يجلبان للعديد من المشاهير قوتهم النجمية للعمل من أجل الصالح الجماعي للبشرية والدخول إلى عالم الدبلوماسية.

ولا يتألف الدبلوماسيون المشهورون من السفراء الذين تم اختيارهم للأمم المتحدة فقط، بل من العديد من الشخصيات العامة، مثل الأميرة الراحلة ديانا، والمغنية يو تو بونو، التي كان لعملها الدعوي تأثير على العديد من الحكومات.

كما أن فاعلي الخير مثل بيل غيتس وجورج سوروس يفتحون آفاقا جديدة ليس فقط بسبب حجم مساهمتهم المالية ولكن أيضا بسبب مشاركتهم الشخصية في مناقشات السياسة العامة العالمية، بينما يقدم بعض المشاهير الأرض والميدان اللذين يتطلبهما اهتمام المشاهير مثل أوبرا وينفري.

وتستخدم يو تو بونو كنموذج لدبلوماسية مشهورة اجتازت الحدود التقليدية بين الدبلوماسية وصنع السياسات، وعملت من خلال المنتدى الدولي وممر السلطة السياسية الوطنية حيث غيرت تكتيكاتها باستمرار مع استمرارها في التطور، كما أن بوب جيلدوف، مشهور آخر، وصفه المؤلف بأنه “مناهض للدبلوماسية”، كان له نفس تأثير بونو في عالم الدبلوماسية على الرغم من أن خصائصه كانت تتعارض مع خصائص الدبلوماسي الشهير.

وقد قامت الأمم المتحدة بتجديد نفسها لتشمل المشاهير الذين كانوا مهتمين حقا بالعمل معها. بعد الكثير من المناقشات والمقابلات والمناظرات، تم اختيار أنجلينا جولي الشهيرة للعمل مع الأمم المتحدة. وقد شجع الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان المشاهير على المشاركة في الأمم المتحدة.

ومن الواضح أن المشاهير ينحتون مكانة لأنفسهم من خلال الابتعاد عن المسار الذي قيل لهم أن يسلكوه مثل الأميرة ديانا. يقتصر معظم كتاب المؤلف على الغرب الناطق باللغة الإنجليزية الذي سيطر على عالم الدبلوماسية.

وكرس كوبر، الذي ألف كتاب “ملوك النفط: كيف غيرت الولايات المتحدة وإيران والسعودية ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط” اهتمامه بالمشاهير من غير الغرب الذين أخذوا دور الدبلوماسية لتقديم وجهات نظر مناهضة للجزء الأوروبي المركزي من النظام العالمي. ويوضح كيف توسعت دبلوماسية المشاهير ودمجت شظايا من جميع أنحاء العالم جالبة معهم لهجات وثقافات وآراء مختلفة.

كما سلط كوبر الضوء على كيف كان بوب جيلدوف خلال حفل “لايف 8” مسؤولا عن عملية اختياره المثيرة للجدل، حيث تم اتهامه بإعادة إنتاج نظام “الفصل العنصري الموسيقي” في تحيزه لإبراز “آلهة” الروك البيضاء الأكبر سنا على النجوم الأفارقة في الحفلات الموسيقية تحت قيادته.

وهكذا، فإن تدخل الناس من المجال الأنجلو المسيطر والتحدث عن قضايا تتمحور حول أفريقيا والأفارقة بدأ في التلميح إلى الأبوة الجديدة أو التعبير عن الاستعمار الجديد الحميد. وكان هناك عدد قليل من المشاهير من القارة الأفريقية مثل الموسيقار السنغالي العظيم يوسو ندور، لكن ذلك لم يكن إلا في وقت لاحق في القرن الحادي والعشرين.

6