داعش يخطط لتفكيك تحالف إيران مع الجهادية السنية

القاهرة- عكس التفجيران شبه المتزامنين اللذين وقعا الأربعاء قرب مقبرة الشهداء بمحافظة كرمان الإيرانية، واستهدفا حشودًا كانت تحيي الذكرى الرابعة لمقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني، عمق الرغبة لدى تنظيم داعش في تقليص هيمنة طهران على المشهد الجهادي السني.
وأعلن داعش الخميس عبر قنواته على تيليغرام مسؤوليته عن التفجيرين من خلال عنصرين انتحاريين تابعين له، ما أسفر عن قتل ما يقرب من مئة شخص وإصابة العشرات وتحول جسدي منفذيْ العملية إلى أشلاء.
وجاءت العمليتان الانتحاريتان بعد أشهر قليلة من إحباط وزارة الأمن الإيرانية محاولة تنفيذ 30 تفجيرًا متزامنًا في طهران، تبين بعد القبض على المتورطين فيها ارتباطهم بتنظيم داعش، خاصة فرع التنظيم في أفغانستان المعروف بولاية خراسان.
وتبين في سبتمبر الماضي أن العشرات من المقبوض عليهم ينتمون إلى تنظيم داعش، وبعضهم لهم تاريخ طويل من الانتماء لجماعات متطرفة في كل من سوريا وأفغانستان وباكستان، وإقليم كردستان العراق. وكشف وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب في حينه أنه جرى رصد دخول مئتي عنصر من داعش إلى البلاد وتم تحييد معظمهم.
ويدل نجاح داعش في تنفيذ عملية مزدوجة في كرمان بقلب إيران بهذا الحجم على فشل العقوبات المفروضة عليه في كبح تهديداته التي ارتفعت بوضوح منذ النصف الأول من العام الماضي في أغلب مناطق الصراع.
وتأكد من خلال استمرارية التنظيم في الحصول على الإمدادات اللوجستية من أسلحة وعتاد ومؤن وذخيرة وتحريك مقاتليه ونقلهم من ساحة إلى أخرى وبناء قدرات قتالية لأجيال جديدة، أنه لا يزال يملك القدرة على تنفيذ أجندته العابرة للحدود وشن هجمات خطيرة داخل الدول التي يضعها ضمن مخططاته العملياتية باعتماد أساليبه التقليدية.
رسائل داعش
يبدو أن التنظيم الإرهابي استغل مجددًا ضعف أداء الاستخبارات الإيرانية بسبب صراعات الأجهزة الداخلية والانشغال بملفات الخارج وضعف تعاون الأجهزة الأمنية الإيرانية مع أجهزة دول أخرى في المنطقة والعالم وإحجامها عن تبادل المعلومات في ملف مكافحة الإرهاب.
وشن تنظيم داعش في السابق هجمات نوعية ضد أهداف رمزية في الداخل الإيراني، حيث نفذ هجومًا داخل مقر البرلمان وضريح آية الله الخميني عام 2017. وبعد عامين قتل 27 من أعضاء الحرس الثوري في جنوب شرق البلاد.
ويكرر داعش سيناريو نقل المعركة إلى داخل إيران ضد أهداف ترمز إلى نفوذها الإقليمي مثل ضريح قاسم سليماني بعد الحضور الطاغي لطهران وأذرعها الشيعية والسنية في قضايا الإقليم الأشهر الماضية، ما أدى إلى تهميش الجهادية السنية وتقليص أرباحها إلى الحد الأدنى وتحويل غالبية فصائلها إلى مجرد أدوات تخدم المصالح الإيرانية.
وتجمع بين أجهزة استخبارات قوى إقليمية على رأسها إسرائيل وجماعات إسلامية متطرفة في مقدمتها تنظيم داعش مصلحة مشتركة في كبح جماح إيران عبر شغلها بمشاكلها الأمنية الداخلية ونقل الحرب إلى قلب إيران ومناطق نفوذها لتكف عن دفع وكلائها من الجماعات السنية والشيعية لتوسيع نفوذها الإقليمي.
ويريد داعش تغذية السخط الشعبي داخل إيران جراء تركيز النظام الحاكم على الملفات الإقليمية وإهمال الوضع المعيشي والاقتصادي، عبر إظهاره، وهو الذي يتحكم بالعديد من الميليشيات المسلحة ويسيطر على عدة عواصم، عاجزًا عن حفظ الأمن داخل بلده.
وبعث تنظيم الدولة عبر عملية كرمان النوعية المزدوجة رسالة إلى تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات السنية التي تمولها إيران وتوظفها في خدمة إستراتيجيتها التوسعية، مفادها أن مركز المشروع الديني المنافس لمشروع تنظيم الدولة مُهدَد ومن السهل اختراق تدابيره الأمنية وغير جدير بتولي القيادة العالمية والإقليمية للجهاديين.
ويسعى داعش إلى تفكيك الحلف الميليشياوي الذي تقوده إيران وتنضوي داخله جماعات مسلحة سنية وشيعية، والذي خصم بشكل كبير من تأثيره في الأوساط الإسلامية وحدّ من قدراته على التجنيد والتمدد.
وبعد أن كان داعش يمضي في مسار إعادة بريقه الجهادي ونفوذه الأعوام الماضية منافسًا للقاعدة فقط، بات يواجه حلفًا سنيًا – شيعيًا يمتد حضوره من الشام إلى أفغانستان ويحظى بنفوذ نوعي في عواصم مثل بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ونيروبي ومقديشو.
شبكة عنكبوتية
فيما يتحرك داعش منفردًا، يربط الولاء للقاعدة والتبعية لمحور إيران العديد من أفرع القاعدة حول العالم، على غرار ما يجري بين الصومال واليمن، حيث يُعد تنظيم القاعدة في البلدين جزءًا من شبكة واحدة، ويستخدم تنظيم الشباب الصومالي الموالي للقاعدة والمرتبط بإيران الأسلحة التي تأتيه من نظيره في اليمن.
وتتفوق الفصائل المسلحة السنية والشيعية التي تدعمها وتمولها إيران في لبنان واليمن والعراق وفلسطين على داعش، من حيث الثروة والعدة والعتاد والقدرات القتالية والتسليحية.
ومقابل التسليح المتقدم والتمويل السخي للأذرع والميليشيات المنضوية داخل ما يُعرف بمحور المقاومة، تحصل طهران على مزايا التحكم في ملفات ذات اهتمام إقليمي ودولي والتحكم في الممرات البحرية الهامة، كما تحصل على الموارد التي تحتاجها مثل الفحم واليورانيوم.
ويلعب القاعدة في العديد من الساحات دور الناقل والمروّج لمشروع إيران داخل الوسط الجهادي السني، واستغل قادته المقيمون في إيران علاقاتهم السابقة في أفغانستان للتقريب بين طالبان وطهران وتمكين النظام الإيراني من فرض إرادته على كابول.
ويوفر تنظيم القاعدة، وهو المنافس الأول والأقوى لداعش، الدعاية اللازمة لإيران من فلسطين إلى أفغانستان بوصفها المركز الإقليمي القادر على توحيد الجهاديين لبعث نوع من الجهاد العالمي تحت راية الثورة الخمينية تحت زعم تحرير المقدسات واستعادة أمجاد الأمة.
وينشط تنظيم القاعدة لاستغلال تنامي المشاعر المعادية للمحور الغربي وخصوصًا الولايات المتحدة لتجنيد ذئاب فردية وتنفيذ عمليات ضد مصالح غربية مستغلًا الغضب الشعبي من ممارسات الدعم لإسرائيل.
ويسعى داعش في المقابل نحو تقويض ما يعتبره اختطافًا شيعيًا لجهود التنظيمات المسلحة السنية وللقضايا التي يجب أن يتصدى لها الجهاديون السنة، ما عكسه استهدافه مقبرة رمز الحرس الثوري الذي ادعى المتحدث الرسمي باسمه قبل أيام أن هجوم طوفان الأقصى قد شن انتقامًا لمقتله.
وتنصبّ جهود تنظيم داعش الدعائية والحركية في محيط بلاد الشام على تحقيق هدف رئيسي وهو ألا ترث إيران وحلفاؤها ما كان له من نفوذ وأراض، وصولًا إلى فرض سيطرة من قبل الحرس الثوري الإيراني والقوى التي يدرّبها ويشرف عليها، وتشكيل الإمبراطورية الإيرانية على حزام من الأرض يصل من طهران إلى بيروت.
منافسة النموذج
يتحرك داعش على مستويات الدعاية والحركية والأهداف من الشام وحتى أفغانستان للحيلولة دون تمكن إيران من أن تحتل مكانته داخل الحالة الجهادية وفي الفضاء الإسلامي عمومًا.
وخلق داعش لنفسه مساحة تنافسية داخل الصف الجهادي السني من منطلق امتلاكه أجندة مناهضة لإيران كونه يرى أن الخطر الشيعي لا يقل عن الخطر الأميركي أو الإسرائيلي.
وينظر التنظيم التكفيري السني للجمهورية الإيرانية كمنافس يطرح نموذجه الديني البديل كعدوّ عنيد للحضارة الحديثة لتحل إمبراطورية إسلامية واحدة ترفع لواء الدين محل النظام الدولي ذي الدول المتعددة.
وعلى وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يريد داعش وضع حد لهيمنة إيران الشيعية على فصائل الجهاديين والإسلاميين السنة الذين توظفهم بهدف فرض نفسها كلاعب إقليمي ودولي محوري.
وعلاوة على الدعاية المضادة التي يبثها داعش ضد حماس على خلفية تبعيتها لمحور إيران وتسببها في مفسدة كبرى لغزة وسكانها، هادفًا لمنازعة الحلف السني – الشيعي داخل الفضاء الفلسطيني، قاد التنظيم حملات دعائية مكثفة ضد القاعدة ومختلف الفصائل المسلحة التي تُبدي تسامحًا أو تعاونًا لتكريس النفوذ الإيراني في بلاد الشام.
ويكثف داعش جهوده لاستقطاب الناقمين داخل القاعدة على ارتهان قطاع من الجهاديين السنة لإيران التي ارتكبت في حق السنة في سوريا والعراق ولبنان واليمن جرائم لا تقل وحشية وقسوة عن جرائم إسرائيل في غزة.
واستخدم التنظيم نفس الدعاية ضد القاعدة وطالبان في أفغانستان من خلال جهود واحد من أقوى فروعه في العالم وهو داعش خراسان، مستغلًا العلاقات التي تربط القاعدة وطالبان بإيران.
وأنتجت ولاية خراسان (الفرع الأفغاني والباكستاني لداعش) أكبر كمية من المواد الدعائية ضد حركة طالبان التي حضر ممثلون عنها حفلًا للسفارة الإيرانية في كابول في فبراير الماضي بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية.
واستغل فرع تنظيم الدولة بأفغانستان زعم القاعدة عبر فيديو بعنوان “يسارعون فيهم” بأن هجوم طوفان الأقصى الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر الماضي يُعد استمرارًا لنهج التنظيم الذي بدأه بهجمات سبتمبر 2001 وانتهى بعملية بينساكولا بولاية فلوريدا في العام 2019.
وطرح داعش خراسان اسمه بوصفه يمثل من بقي من الجهاديين في العالم على عقيدته السنية النقية دون أن تستغله إيران وتحوله إلى أداة من أدوات نفوذها ومد هيمنتها الإقليمية على حساب مصالح أهل السنة وقضاياهم.