دار الإفتاء تمرر رؤية السيسي للطلاق الشفوي بدلاً من الأزهر

تحاول دار الإفتاء المصرية تمرير رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي للطلاق الشفوي، ما يوحي بوجود حالة لإعادة التموقع بينها وبين مؤسسة الأزهر التي عانى السيسي كثيرا من التشدد الذي يتسم به شيخها أحمد الطيب.
القاهرة - تصدت دار الإفتاء المصرية للتعامل مع جملة من الأزمات وأصبحت مبادراتها تحظى باهتمام كبير من المواطنين مع تراجع اشتباك مؤسسة الأزهر مع القضايا اليومية، ما يشير إلى وجود عملية إعادة تموقع بين المؤسسات الدينية التي طالما تعاركت بصورة غير مباشرة لتثبيت نفوذها.
ومضت دار الإفتاء باتجاه تطبيق رؤى حكومية طالما بحثت عن فتاوى فقهية تسهم في الحد من ارتفاع معدلات الطلاق، ودشنت وحدة “الإرشاد الأسري” التي تعمل على إيجاد مخارج فقهية للتعرف على ما إذا كان الطلاق الشفوي واقعًا أم لا، وأطلقت مبادرة “تدريب المأذون على الفتاوى” التي تهدف إلى التحقق من وقوع الطلاق أولاً.
مزاحمة الأزهر

أحمد سالم: اتجاهات الدار في تعاملها مع القضايا تتفق مع رؤية الحكومة
أكد مفتي الديار المصرية شوقي علام أن الدار تتلقى شهريًا رقما يتراوح بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف فتوى تتعلق بالطلاق، وما يقع منها واحد في الألف وربما لا يقع شيء، لأن علماء دار الإفتاء لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة هل كان هذا الطلاق واقعا أم يمين طلاق؟
ورمت هذه الخطوة بحجر جديد في المياه التي اعتاد الأزهر السباحة فيها بمفرده، لتؤكد دار الإفتاء أنها بدأت عمليا تسحب البساط من الأزهر، وتصبح الذراع السياسية الرئيسية للنظام المصري الذي عانى كثيرا من تشدد شيخ الأزهر أحمد الطيب.
وتتطابق رؤية دار الإفتاء مع ما ذهب إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عندما طالب الأزهر بـ”سن قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفوي، كي يكون أمام المأذون، حتى نعطي للناس فرصة لتراجع نفسها”، وهو ما اعترض عليه الأزهر في حينه عبر بيان لهيئة كبار العلماء اعتبرت فيه أن الطلاق الشفوي المستوفي الأركان أمر مستقر عليه منذ عهد النبي.
ويرى مراقبون أن دار الإفتاء تتولى في هذه المرحلة مهمة إيجاد حلول وسطى يمكن أن يتم الاعتماد عليها بدلاً من حالة التكلس التي سيطرت على الخطاب الديني منذ سنوات، وأن هناك جهودا حكومية ليكون رأيها تمهيدا لفك طلاسم الجمود بدلاً من أن تسير الأمور بطريقة تظهر فيها السلطة الحاكمة كطرف يسعى للتدخل في الرؤى الدينية، ما يلقى اعتراضًا من الأزهر الذي يجد دعما من جهات مجتمعية تتعامل مع السلطة التنفيذية كأنها معادية للدين.
ومن وجهة نظر هؤلاء يعد توالي المبادرات التي قدمتها دار الإفتاء، مثل “كشك الفتوى” و”تأهيل المقبلين على الزواج” من خلال المنصات الإلكترونية، وهدفت إلى خلق تواصل مباشر مع المواطنين من ضمن الجهود الساعية للاعتماد عليها كرأس حربة في مواجهة رؤى منفصلة عن الواقع الاجتماعي، وترفع الحرج عن الحكومة.
وبدا واضحًا أن دوائر رسمية فقدت الأمل في أن يأتي التغيير عبر قرارات تنفيذية أو تشريعية أو حتى قضائية، لأن محكمة القضاء الإداري رفضت من قبل قراراً يلزم وزير العدل بتعديل قانون الأحوال الشخصية كي ينص على أن “الطلاق لا يعد شرعيا للمتزوجين إلا بتوثيقه رسميا”.
فشل الحكومة
لم تستطع الحكومة تمرير قانون الأحوال الشخصية الذي وافقت عليه مطلع العام الماضي وقدمته إلى البرلمان، وأثار جدلاً واسعًا ليقرر مجلس النواب إرجاء النقاش مع بدء دور الانعقاد الحالي لكن دون أن يتم التطرق إليه حتى الآن.
ورغم أن القانون لم يتطرق إلى الطلاق الموثق إلا أنه خاض في تفاصيل الطلاق الشفوي ونص على أن “الطلاق الشفوي المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة، وكذلك المتتابع أو المتعدد في مجلس واحد ويترتب الطلاق الشفوي أثرة قانونا حال إقرار الطرفين به أمام جهة رسمية”.
مفتي الديار المصرية شوقي علام يؤكد أن الدار تتلقى شهريًا رقما يتراوح بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف فتوى تتعلق بالطلاق
وأكد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا في شمال القاهرة أحمد سالم أن اتجاهات دار الإفتاء في تعاملها المرن مع القضايا الشائكة تتفق مع رؤية الحكومة، وأن تسليط الضوء على المعايير الفقهية المرنة يسهم في ترسخيها ويسهل مهمة مواجهة التشدد، وأن تطورات الأوضاع الاجتماعية تشير إلى تراجع الاتجاهات الجامدة لصالح الاتجاهات المرنة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تفاعل المواطنين العاديين مع دار الإفتاء يؤكد على أن هناك ظهيرا مجتمعيا يدعم هذا التوجه وسيكون من الضروري لمؤسسة الفتوى إيجاد رؤى موازية في كافة المجالات المرتبطة بالمجتمع وأن تكون هناك اجتهادات لما بعد الطلاق ووضعية الأب والأم ورؤية الأبناء، بما يحافظ على تماسك الأسرة”.
وأشار إلى أن دار الإفتاء تعتمد على رؤى فقهية موجودة في التراث دون أن تكون هناك قدرة على ترجمة تلك الرؤى وتحويلها إلى تشريعات وقوانين، وتعول على فتح باب الاجتهاد بما يتوافق مع طبيعة المجتمع، وهو أمر مهم يمنع السير نحو التشدد.
ويتماشى هذا التوجه مع سياسة الحكومة التي أدركت خطورة وجود نقاش علني حول قضايا فقهية بين مؤسسة الرئاسة والأزهر، ومنذ ذلك الحين لم يجر الحديث عن حاجة المجتمع إلى فتاوى من الأزهر لحل أزمة الطلاق، وجرت إثارة المشكلة عبر أدوات تمتلكها الحكومة بشكل غير مباشر، مثل إثارة القضية من خلال مسلسل “لعبة نيوتن” الذي جرى عرضه في رمضان الماضي وتطرق إلى أزمة الطلاق الشفوي.
والتقطت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين هذا الخيط وعقدت حلقات نقاشية جرى خلالها التطرق إلى أزمة الطلاق الشفوي ودعمت الرؤية التي تبناها عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية خالد الجندي الذي أشار إلى أن الطلاق الشفوي لا قيمة له ولا تترتب عليه آثاره، وأي شخص طلّق زوجته شفهيا لن تصبح زوجته في عداد المطلقات وإنما تظل زوجته.