خوارزميات صديقة في خدمة غرفة الأخبار

عندما تتحدث عن المسيرة المتوصلة التي يتخذها الذكاء الاصطناعي فإنك تتحدث عن أدواته غير المنظورة والممثلة بالخوارزميات.
ولعله تبسيط بغرض التوضيح، إنها بالفعل مسيرة لا تعرف التوقف ونهر يشق الأرض بقوة ومن دون رجعة أو توقف وبصرف النظر عما سيؤديه من نتائج.
في واقع الأمر فإننا عندما نتحدث عن الخوارزميات فإننا نتحدث مباشرة عن تلك الأدوات التي تتدخل عمليا في حل كثير من المشكلات والقيام بالعديد من المهام من حولنا، وبما فيه النفاذ إلى قواعد البيانات الضخمة وتعقب الروابط والمحتويات الرقمية بجميع أشكالها وتاليا قدرتها على فلترة وانتقاء المحتويات المستهدفة وصولا إلى الرقابة المفعّلة باتجاه أنماط محددة من المضامين والمحتويات كالمحتوى الذي يروّج للعنف أو البورنوغرافي أو الإرهاب أو العنصرية أو غيرها.
إذا هنالك وظائف محددة لذلك النظام الرقمي الذي يستهدف بالأساس (المحتوى) الذي يريده الصحافيون في عملهم فيوظفون الخوارزميات ولكن من دون أن يتدخلوا مباشرة في تصميمها.
وسواء كان ذلك من خلال محركات البحث أو جمع البيانات والصور والمعلومات أو اصطياد ظاهرة أو خبر أو مجموعة أخبار أو ثيمات فإن الخوارزميات الصديقة تفعل فعلها في مضاهاة عملها بعمل المحرر البشري.
نعم، فالقصة في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي تصل في بعض الأحيان إلى مرحلة التحدي والمضاهاة وهو في كل الأحوال واقع تجريبي يفرض نفسه بالتدريج من دون إرادة منا.
هنالك نموذج في هذا الباب يعرضه الباحث جاك كلارك، مدير السياسات في مؤسسة الذكاء الاصطناعي المفتوح، قائلا بإيجاز “نعم لقد أجرينا الاختبارات، استخدمنا الخوارزميات في الدخول إلى الملايين من مصادر المعلومات لغرض اقتفاء أثر إشكالية محددة ووجدنا أن الخوارزميات بارعة في الوصول إلى الهدف”.
وبموجب ذلك تتحول مسألة استهداف المضامين أيا كان نوعها إلى قضية أساسية في عمل هذه الخوارزميات التي صرنا يوما بعد يوم نتعايش معها كأمر واقع.
ببساطة شديدة فإن تفضيلات المحرر وحتى القارئ العادي لنوع محدد من الأخبار تجعل الخوارزميات تنشط ليل نهار وبلا انقطاع في تمريرها تحت يافطة موضوعات قد تهمك، وذلك هو الحد الأدنى من النفاذ في المضامين الذي تقدمه الخوارزميات للمحرر وللصحافي وللقارئ العادي على السواء.
وأما إذا توقفنا عند انفتاح غرفة الأخبار على ذلك الواقع الرقمي الجديد فبالتأكيد ليس الحديث عن افتراضات ولا عن خيال علمي بل بتوغل أنظمة الخوارزميات في صميم عمل المحررين ومسارات غرفة الأخبار.
ليس أقل من القدرة السريعة والآنية في غربلة ذلك الكم الهائل من الأخبار والوصول من بين الملايين من المضامين إلى ما يخدم المحرر ونشاط غرفة الأخبار، وهي تجارب ميدانية يتحدث عنها مدير مؤسسة الذكاء الاصطناعي المفتوح في كاليفورنيا وتتعلق باستدراج المضامين المستهدفة وتنميطها وفرزها وما إلى ذلك من عمليات طويلة.
لكن النفاذ إلى المضامين سوف يتسع دون شك فالذكاء الاصطناعي ماض في المهمة وسنصل إلى نقطة فاصلة في ما يتعلق بغرفة الأخبار تتمثل في إمكانية استخدام الخوارزميات في التحرير، وبمعنى آخر أن يتم الوصول إلى مضامين وأخبار هي من إنتاج تلك الخوارزميات وتاليا من إنتاج الذكاء الاصطناعي.
لم يعد الأمر والحالة هذه مقتصرا على إيجاد حلول للمحررين في غرفة الأخبار، بل باتجاه المضاهاة وصولا إلى المنافسة والقدرة على إنتاج الأخبار من خلال رسم مسار لثيمات محددة وهي تجارب أخرى يتحدث عنها الباحثون في المؤسسة المذكورة وأن ما هو آت سوف يعني تدخلا مباشرا للذكاء الاصطناعي عبر الخوارزميات غير نسج الأخبار ذاتها بل في وجود أليف لخوارزميات صديقة هي في خدمة فريق التحرير.