خلية العبدلي.. ورقة أخرى تسقط من أجندة إيران التخريبية

رغم أن دولا خليجية وعربية عديدة سبق أن اتخذت قرارات بقطع أو تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب تدخلها في شؤونها الداخلية، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الكويت في 20 يوليو الجاري، على خلفية الحكم الذي أصدرته محكمة التمييز في القضية التي تعرف إعلاميا بـ”خلية العبدلي” كان لها وقع خاص على إيران.
ولم تكتف الكويت بتخفيض عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإيرانية وإغلاق مكاتبها الفنية، بل قامت بتجميد أيّ نشاطات تتعلق باللجان المشتركة بين البلدين، وهو ما ردت عليه طهران بنفي الاتهامات الموجهة إليها في تلك القضية واستدعاء القائم بالأعمال الكويتي لتأكيد احتفاظها بحقها في الردّ بالمثل على تلك الإجراءات، مع محاولة ربطها بصراعها الإقليمي مع السعودية، بهدف خلط الأوراق والتغطية على الأسباب الحقيقية.
يعود التأثير المتوقع لتلك الإجراءات على إيران لاعتبارات عديدة ترتبط بالعلاقات الخاصة التي حرصت الكويت على تأسيسها مع طهران في إطار سياسة متوازنة فرضها موقعها القريب من قوى إقليمية كبرى، فضلا عن الظروف الدولية التي باتت تضفي أهمية خاص على مكافحة الإرهاب، إلى جانب تزامن تلك القرارات مع استمرار الأزمة بين قطر ودول المقاطعة (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، والتي يختلف فيها موقع كل من الكويت وإيران، باعتبار أن الأولى تمارس دور الوسيط، فيما تمثل الثانية الظهير الذي تستند إليه الدوحة في مواجهة ضغوط قرارات المقاطعة.
تراكمات سلبية
سعت الكويت باستمرار إلى الحفاظ على مستوى متقدم من العلاقات مع طهران مقارنة بدول خليجية أخرى، خاصة في مرحلة ما بعد اندلاع حرب الخليج الثانية، رغم التراكمات السلبية للممارسات التي ارتكبتها إيران خلال الفترة السابقة وتسببت في تهديد أمن ومصالح الكويت بشكل كبير.
وبدا ذلك جليا خلال أزمة الاعتداءات الإيرانية على مقار السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد في بداية يناير 2016. واكتفت الكويت بسحب سفيرها من طهران، في حين قررت السعودية والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية معها.
كما أنها بذلت جهودا حثيثة من أجل القيام بدور الوسيط بين إيران ودول مجلس التعاون، وقام المساعد الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد بزيارة إلى طهران ولقاء الرئيس حسن روحاني في 25 يناير الماضي.
وانصبّ النقاش حول سبل تقليص حدة الاحتقان في العلاقات بين طهران ودول المجلس. وكان لافتا أيضا أن الكويت هي آخر دولة خليجية قام الرئيس روحاني بزيارتها في 16 فبراير 2017.
الإجراءات التي اتخذتها الكويت تشير إلى أن التهديدات التي تفرضها ممارسات إيران وصلت إلى درجة لا يمكن التزام الصمت تجاهها أو عدم الرد عليها، على غرار ما حدث قبل ذلك.
كما أن الكويت وجدت من الدلائل ما يعزز ضلوع إيران في تأسيس ما يسمّى بـ”خلية العبدلي” في أغسطس 2015 واختفاء بعض المتهمين فيها، وربما نقل عدد منهم إلى داخل أراضيها، بشكل دفعها إلى توجيه رسالة تحذير قوية لطهران عبر تلك الإجراءات.
تكتسب هذه الخطوات أهمية خاصة أيضا لجهة توقيتها، لأنها جاءت في مرحلة تتصاعد فيها الاتهامات الموجهة إلى إيران بدعم الإرهاب وتهديد أمن واستقرار بعض دول المنطقة.
الإجراءات التي اتخذتها الكويت تشير إلى أن التهديدات التي تفرضها ممارسات إيران وصلت إلى درجة لا يمكن التزام الصمت تجاهها أو عدم الرد عليها
وسبق أن ضبطت السلطات البحرينية أكثر من خلية إرهابية مرتبطة بإيران. وأحبطت في 8 فبراير الماضي عملية تهريب مطلوبين في قضايا أمنية من سجن “جو” عبر قارب إلى إيران، وهو ما يبدو أنه دفع شخصيات عديدة في الكويت إلى الربط بينه وبين اختفاء بعض المتهمين في قضية العبدلي من خلال محاولة تكرار التجربة ذاتها، بينما أنهت النيابة العامة بالسعودية في 17 يوليو الحالي، ملف التحقيق مع مواطنين بتهمة التجسس لصالح جهاز الاستخبارات الإيرانية.
تزامن الموقف الكويتي مع تصاعد حدة الضغوط الدولية على إيران، فقد اتهم التقرير السنوي الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في 19 يوليو الجاري إيران بأنها ما زالت الدولة الأولى الراعية للإرهاب على المستوى العالمي.
ووسعت الإدارة الأميركية من نطاق عقوباتها المفروضة ضد إيران لتشمل إلى جانب برنامج الصواريخ الباليستية دورها في التوترات الإقليمية.
واستهدفت وزارة الخزانة الأميركية في عقوباتها الأخيرة 18 كيانا وشخصا اتهمتهم بدعم أطراف إيرانية غير قانونية ونشاط إجرامي عابر للحدود.
ويفرض إقدام الكويت على تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي في هذا التوقيت المزيد من الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها إيران. ويضع عقبات جديدة أمام محاولات الترويج لدورها المزعوم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، خاصة بعد انتهاء معركة الموصل.
وتسعى إيران إلى تحويل ملف الحرب ضد الإرهاب لمحور توافق محتمل مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، رغم التصعيد المستمر بين الطرفين.
تصعيد ولكن..
الواقع أن الكويت ليست في وارد رفع مستوى التصعيد ضد إيران إلى درجة غير مسبوقة، إلا في حالة إذا أمعنت الأخيرة في تهديد أمنها واستقرارها. فقد بدا لافتا أن السلطات منحت الدبلوماسيين الإيرانيين الذين طلبت مغادرتهم مهلة 45 يوما، بشكل ربما يشير إلى أنها تبدو عازفة عن استفزاز طهران.
وسارعت إلى نفى الأنباء التي أوردتها وسائل إعلام إيرانية وزعمت فيها أن السلطات الكويتية طلبت من السفير مغادرة البلاد خلال تلك المهلة.
واتخذت السلطات قراراتها بعد نحو شهر من صدور حكم محكمة التمييز، في 18 يونيو الماضي، ما يعني أنها تعرضت، على ما يبدو، لضغوط برلمانية وشعبية قبل أن تتخذ قراراتها الأخيرة، خاصة بعد أن تم توجيه انتقادات لوزارة الداخلية عقب فرار بعض المتهمين في القضية أو “المتوارين عن الأنظار” حسب ما جاء في البيان الذي صدر عن الوزارة والذي سبق القرارات الدبلوماسية الأخيرة بيوم واحد.
ويبدو أن الحكومة ستحرص على وضع حدود لمناقشة القضية على الساحة الداخلية، لأن ذلك ربما يؤدي إلى تصعيد حدة التوتر الداخلي وتكريس الاستقطاب الطائفي الذي تعتبر العلاقات مع طهران أحد أهم محاوره، في وقت تواجه فيه الكويت تحديات لا تبدو هينة.
إذ لا يمكن استبعاد تعرض الكويت من جديد لعمليات إرهابية، على غرار تلك التي وقعت في 26 يونيو 2015، خاصة بعد انتهاء العمليات العسكرية في مدينة الموصل بهزيمة داعش، وتصاعد حدة الضغوط المفروضة على التنظيم في مدينة الرقة بشكل قد يدفع عناصر التنظيم إلى محاولة تنفيذ هجمات جديدة في مناطق ودول مختلفة للرد على خسائره في كل من العراق وسوريا.
وهنا ربما تكون الكويت إحدى تلك الدول باعتبارها ضمن الخارطة التي تصورها داعش لدولته المزعومة خلال بداية سيطرته على مناطق واسعة شمال العراق في يونيو 2014.
كما أن إيران نفسها قد يكون لها دور في ما يمكن أن تتعرض له الكويت من مخاطر وسط التهديدات التي وجهتها ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران إلى الكويت في 9 فبراير الماضي.
ويتولى أبومهدي المهندس منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، واتهمته السلطات الكويتية في عامي 1983 و1985 بالضلوع في مهاجمة السفارتين الأميركية والفرنسية ومحاولة اغتيال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح بسبب الموقف الكويتي من الحرب العراقية-الإيرانية.
كما أن توسيع نطاق الجدل الداخلي حول القضية ربما يفرض تداعيات سلبية على دور الوساطة الذي تقوم به الكويت لتسوية الأزمة بين قطر ودول المقاطعة، خاصة أن هذا الجدل قد يمتد، في حالة تصاعده، إلى علاقات الكويت مع طرفي الأزمة، فضلا عن أن الأزمة نفسها قد تتحول إلى أحد محاور هذا الجدل الإقليمي، وهو احتمال تسعى الكويت دون شك إلى تجنبه.
رئيس تحرير دورية مختارات إيرانية