خلافات أم تنازلات تركية روسية متبادلة في سوريا

خبراء يشككون في حقيقة الصراع الراهن بين موسكو وأنقرة إذ لا يمكن الاتفاق على كل شيء في  الملف السوري.
الأربعاء 2020/02/12
توافقات ضمنية متبادلة بين الجانبين

لندن - يطرح الخلاف التركي الروسي أسئلة كثيرة حول ما طرأ من تبدل في المشهد السوري على نحو مفاجئ ومتناقض مع ما بشّرت به موسكو خلال عملية أستانة بين روسيا وتركيا وإيران، أو ما نسجته بعد ذلك في اتفاق ثنائي في سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.

 وفيما لاحظ المراقبون دوما تناقضا واضحا في أجندتي وتحالفات موسكو وأنقرة فوق الأراضي السورية، إلا أن السلوك الحديث للرئيس التركي في السنوات الأخيرة لجهة الاقتراب من موسكو والابتعاد عن واشنطن، أوحى للمعنيين بالشؤون السورية أن أردوغان بات خاضعا لخارطة الطريق التي وضعها بوتين في سوريا، ليس فقط في غياب اعتراضه، بل أيضا في تواطئه من خلال الترتيبات التي أدت إلى قبول فصائل المعارضة السورية بقيام ثلاث مناطق لخفض التصعيد كما بحشر القوات العسكرية المعارضة، بما في ذلك القوات التابعة لهيئة تحرير الشام (النصرة التابعة لتنظيم القاعدة سابقا) داخل منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب.

ويرى المحلل السياسي التركي جواد غوك أن “تركيا تسعى إلى السيطرة على مساحات أكبر في سوريا وليس الاكتفاء فقط بإقامة نقاط المراقبة”، وعليه فإن “السياسة التركية في سوريا باتت أكثر تركيزا وتمسكاً بنفوذ أنقرة على إدلب”. ويرجع غوك تصاعد الخلاف الروسي التركي إلى وصول الطرفين إلى نقطة لم يعد بالإمكان إخفاء حقيقة خطط البلدين وتنافر مقاصدهما في سوريا.

غير أن الكاتب الصحافي السوري فايز سارة المقيم في لندن يشكّك في طبيعة الخلاف بين أنقرة وموسكو ويرى أنه “لا يوجد هناك خلاف حقيقي بين روسيا وتركيا في سوريا”، وأن “هناك توافقات ضمنية متبادلة بين الجانبين في سوريا”، مذكراً بأنه “لا يمكن الاتفاق على كل شيء بين الأطراف المعنية”.

السياسة التركية باتت أكثر تركيزا وتمسكاً بنفوذ أنقرة على إدلب
السياسة التركية باتت أكثر تركيزا وتمسكاً بنفوذ أنقرة على إدلب

وتلفت بهية مارديني، وهي كاتبة وصحافية سورية مقيمة في لندن، إلى أن “الخلاف الحاصل بين تركيا وروسيا في سوريا يحرج أردوغان وبوتين” على نحو يسلط الضوء على الطابع الشخصي في إرادات الزعيمين، وهو أمر من شأنه تعقيد أو تسهيل أيّ تسوية على قاعدة القراءة المختلفة أو الواحدة للمعطيات الطارئة على المشهد السوري.

ورغم محاولته التخفيف من وقع الخلاف الروسي التركي، يرى أندريه ستيبانوف، وهو محلل سياسي روسي، بأنه “نظراً للظروف الأخيرة في سوريا فإنه يجب إحياء اتفاق سوتشي”. وينصح بأن تكون “التنازلات هي الطريق للوصول إلى تسوية للأزمة السورية”.

ويضع المحلل الروسي علاقات روسيا وتركيا في إطار أوسع من الميدان السوري، مذكرا بحجم التبادلات التجارية التي تتراوح أرقامها ما بين 25 و30 مليار دولار سنويا. ويلمّح إلى الخلاف التركي الأوروبي لافتا إلى أن “موسكو متفهمة لموقف تركيا من مسائل حقول الغاز في البحر المتوسط”.

ويطرح وائل الخالدي، وهو كاتب ومحلل سياسي مقيم في باريس، أسئلة حول دور هيئة تحرير الشام الملتبس في معارك إدلب وشمال سوريا، حيث أنها تخضع لرغبات أنقرة، وأن دورها المشبوه يجعلها في خدمة دمشق.

ويرى الخالدي أن النظام السوري استرجع العشرات من القرى والمدن التي كانت تسيطر عليها هيئة تحرير الشام بما يشبه التسلم والتسليم، فيما كانت نيران هذا التنظيم موجّهة وفق أجندات معيّنة ضد قوات المعارضة وقياداتها.

ويتهم الخالدي أنقر بدعم “الهيئة” ويعتبر أن “تركيا ترى بدعمها لهيئة تحرير الشام أنها تخلق كيانا موازيا لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)”. ويضيف أن “جبهة النصرة (“الهيئة” حاليا) تستغل كأداة لمشروع سياسي يخدم أيّ مفاوضات” تجريها أنقرة مع بقية أطراف الصراع. ‪ويربك الموقف الأميركي المستجد تركيا وروسيا على السواء واللتين لا تستطيعان إلا الأخذ بعين الاعتبار عودة الولايات المتحدة للعب دور متقدم برز إثر اندلاع الخلاف الروسي التركي.

نقاط الصراع

‪وقد كان لافتا ما صدر عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من تصريح أعلن فيه وقوف بلاده إلى جانب تركيا، فيما ذهب المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري إلى اعتبار الحراك العسكري الروسي الأخير في إدلب بمثابة تهديد للحضور الأميركي في المنطقة.

‪وفيما يرى المحلل التركي جواد غوك أن “واشنطن تتمنى زيادة الخلاف الروسي التركي في سوريا”، يجد فايز سارة أن “الولايات المتحدة

 ما زالت تمارس سياسة تعطيل النهايات في سوريا”، وأن “الوجود الأميركي في شرق الفرات يمنع التوصل إلى حل شامل للأزمة السورية”.

من جهتها ترى بهية مارديني أن “الموقف الأميركي المتذبذب تجاه تركيا في سوريا يدفع بأنقرة تجاه موسكو”، وتعتبر أن “الاتفاق الروسي التركي إثر اتفاق سوتشي أكبر من الاتفاق الروسي الأميركي”. وتعترف في الوقت عينه أن “عدم وجود اتفاق روسي أميركي في سوريا يعطل التوصل إلى حل للأزمة”.

ويقول المحلل الروسي أندريه ستيبانوف إن “الموقف الأميركي في الشرق الأوسط عامة وفي سوريا خاصة يتميز بالانتهازية”، ويعتبر أن “تصريحات المسؤولين الأميركيين تجاه روسيا بشأن الملف السوري استفزازية”. ويصر ستيبانوف على أن “المصالح الروسية التركية أهم بكثير من المصالح التركية الأميركية في المنطقة”.

أما هديل عويس، وهي صحافية وكاتبة سورية مقيمة في واشنطن، فتدعو إلى عدم التعويل كثيرا على واشنطن وتعتبر أن “الموقف الأميركي بشأن سوريا كلامي وتقليدي”، لكنها أشارت إلى “تنامي القلق في واشنطن من تنامي صعود روسيا” في الشرق الأوسط، “وهو موقف يلام عليه الرئيس دونالد ترامب” حسب قولها.

7