خطة تقديم الانتخابات تنقلب ضد أردوغان

البيان الذي ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول الحفاظ عليه لأيام ضمن مواضيع الساعة لم يُثِرْ حتى أنصار حزب العدالة والتنمية أنفسهم. وكان بيان الانتخابات الخاص بحزب العدالة والتنمية في 2003 يحتوي على 3 ميمات (مكافحة الفساد- مكافحة الممنوعات- مكافحة الفقر) لكن، تبدو طبعته الحديثة التي جاءت بعد 16 سنة، والتي تم الترويج لها باسم “البيان”، وكأنها اعتراف بالإفلاس؛ بأنه “لم يعد هناك ما يقال”.
إلى جانب الوعود التي لطالما ردّدها أردوغان منذ 16 سنة مثل تحقيق الديمقراطية وضمان الحرية واستقلال القضاء والفصل بين السلطات والقضاء على البيروقراطية والوصاية وتولي الحكومات السلطة عبر الانتخابات، والعدالة في توزيع الدخل ومكافحة البطالة وتخفيض الضرائب على ذوي الدخل المنخفض، والحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي مما ورد في ذلك “البيان”، كانت هناك أيضا وعود بمنح كل متقاعد 1000 ليرة منحة في الأعياد، والتأكيد باستمرار على العدالة، وكل ذلك يُشكل قائمة “وعود قُطعت ولم تُنفَّذ”.
هذا البيان ليس إلا مجموعة من العبارات المكررة، والتي تبدأ بـ”عهد عليّ أنْ”، استمع إليه الحاضرون في القاعة “في صمت ودون تفاعل معه” فثار أردوغان وسخط على ذلك، وغضب على أنصار حزب العدالة والتنمية والوزراء الموجودين في القاعة، وسألهم “هل تعبتم؟”؛ ثم قال “هيا انهضوا ودعونا نرى!” محاولا بذلك إثارة القاعة وتنشيطها.
وخلاصة القول إن هذا البيان كان برهانا على تعب وإنهاك أردوغان، ونفاد ما يقوله، وعدم وجود شيء جديد يتحدث عنه باستثناء الحماسة الوطنية والمحلية.
ومع ذلك فإنه بمجرد إعلان المتحدثين الرسميين باسم حزب العدالة والتنمية مرشحيهم، بما في ذلك أردوغان، حتى أُطلقت حملة هجوم لفظية شاملة، هذه الحملة أظهرت أن محرم إينجي، مرشح حزب الشعب الجمهوري، أحدث قلقا واضطرابا واضحين في حزب العدالة والتنمية وجبهة الاتفاق الرئاسي.
حزب العدالة والتنمية يتهم ألمانيا بالتحيز في الانتخابات
أنقرة - اتهم حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحكومة الألمانية بتفضيل أحزاب المعارضة في الانتخابات التركية المقبلة. وقال النائب عن حزب العدالة والتنمية مصطفى ينير أوغلو في إسطنبول، إن قرار برلين بحظر ظهور “المسؤولين الحكوميين” في فعاليات الحملة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 يونيو “من الواضح أنه لا ينطبق إلا على حزب العدالة والتنمية”. وتابع ينير أوغلو “إن ألمانيا تتخذ جانبا في الحملة الانتخابية لدولة أجنبية”. وقال إنه في الوقت الذي تم فيه حظر الفعاليات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في ألمانيا، فقد تم التسامح مع أحزاب المعارضة. وفي يونيو، جعلت الحكومة الألمانية ظهور “مسؤولين حكوميين” من دول خارج الاتحاد الأوروبي أمرا يخضع لموافقة رسمية. وبشكل حاسم، لن يتم منح الموافقة إذا كان ظهور الشخص في غضون ثلاثة أشهر من الانتخابات أو التصويت العام. ووفقا لقائمة جمعها حزب العدالة والتنمية، كان هناك ما مجموعه تسع فعاليات في إطار الحملة الانتخابية أجريت في الشهر الماضي وستجرى في الشهر الحالي من قبل أحزاب المعارضة التركية في ألمانيا. وقال الوزير الألماني للشؤون الأوروبية مايكل روث في الآونة الأخيرة إن تسمية “مسؤول عام” لا تنطبق فقط على أعضاء الحكومة، ولكن أيضا على السياسيين المعارضين. ويذكر أن ألمانيا يعيش بها حوالي 1.4 مليون تركي يحق لهم التصويت في انتخابات يونيو. ورفضت ألمانيا العام الماضي طلبا من أردوغان لتنظيم اجتماع حاشد على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ قبل إجراء استفتاء حول التغييرات الدستورية في تركيا.
عودة قوية لقليجدار أوغلو
كان قادة وأركان حزب العدالة والتنمية يفسرون لصالح أنفسهم النشاط الفكري الذي مارسه حزب الشعب الجمهوري بشأن المرشح الرئاسي حتى اللحظة الأخيرة.
وبينما كانت هناك حسابات تتوقع أن حوالي 10-8 بالمئة من ناخبي حزب الشعب الجمهوري الذين أقصاهم عن صناديق الانتخاب موقف قليجدار أوغلو في 2014، في واقعة أكمل الدين إحسان أوغلو عند ترشيحه لرئاسة الجمهورية وقتها، حيث قال “سوف تركضون وتصوتون” سوف تتبنى موقفا مماثلا، وأن الأمر سيسهل بالنسبة لأردوغان.
ومع ذلك فإن قليجدار أوغلو بدا وكأنه بدأ فترة “الحرفية” في السياسة على نحو متزايد، وذلك بفضل الحملات الإستراتيجية التي حققها في الفترة الأخيرة، فبإعلانه منذ اليوم الأول أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية أفشل حملات أردوغان في خططه لوضعه في موقف حرج.
مهد قليجدار أوغلو الطريق أمام ميرال أكشنر التي أعلنت يوم تأسيسها الحزب الصالح أنها ستترشح لرئاسة الجمهورية، وستهزم أردوغان، ولكنه تكتم حتى اللحظة الأخيرة على ترشيح حزب الشعب الجمهوري مرشحا رئاسيا.
وثمة قناعة سائدة لدى حزب العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى، والمحللين السياسيين، ومن يجرون استطلاعات الرأي، بل ولدى قاعدة حزب الشعب الجمهوري بأنه إن تعذر انتخاب أردوغان من الجولة الأولى؛ فلا شك أن ميرال أكشنر ستكون منافسه في الجولة الثانية.
وبينما كانت جبهة حزب الحرية والعدالة- الحركة القومية تستعد لإقصاء الحزب الصالح بواسطة اللجنة العليا للانتخابات لتتخلص بذلك من العقبة الأخيرة التي تقف أمامها، نقل حزب الشعب الجمهوري 15 من نوابه دفعة واحدة إلى الحزب الصالح، فمكنه من تشكيل كتلته البرلمانية ومن ثم المشاركة في الانتخابات. وبذلك أسقط التحالف الرئاسي واللجنة العليا للانتخابات في مأزق.
وبينما يحاول التحالف الرئاسي تجاوز هذه الصدمة شكّل حزب الشعب الجمهوري البنية التحتية لإقامة تحالف وطني دون أن يعلن ذلك. والواقع أن ما كان ينوي قليجدار أوغلو تكوينه هو تحالف يشمل حزب الشعوب الديمقراطي وحزب تركيا المستقلة وحزب الوطن.
كما يشار إلى أن قليجدار أوغلو لم يعترض على إعلان حزب السعادة عبدالله غول مرشحا مشتركا. ولما كانت ميرال أكشنر أعلنت منذ البداية ترشحها كان يعلم أن هذه المرحلة لن تؤدي إلى أي نتيجة، وانتظر أن تنتهي تلك المرحلة بشكل طبيعي، وتوخى أن يكون هو “من يفسد الأمر”.
والحقيقة أنه بينما كان الاتفاق الوطني يتجسد من أجل الانتخابات البرلمانية، فإن الإجماع الذي تكوّن بشأن دخول كل حزب سباق الانتخابات الرئاسية بمرشح خاص به لم يؤثر سلبيا على ذلك الاتفاق، كما أنه أراح قليجدار أوغلو.
إن ترشيح محرم إينجي كان في ذهن قليجدار أوغلو؛ ففي التصويت الذي تم إجراؤه في اجتماع رؤساء المقاطعات من حزب الشعب الجمهوري والذي عقد في قيسري، تأكد ذلك أكثر بخروج محرم إينجي في المقدمة. ومن أهم العناصر التي ستجعل الانتخابات تستمر إلى الجولة الثانية انعكاس ما نسبته 25 بالمئة من أصوات حزب الشعب الجمهوري على صندوق الاقتراع “دون خسارة”.
وكان قليجدار أوغلو يرى أن حزبه هو أكثر الأحزاب التي ينافسها في الأصوات الحزب الصالح بعد حزب الحركة القومية. لذلك لم يكن هناك اسم سوى محرم إينجي يمكنه أن يحمس ناخبي حزب الشعب الجمهوري، فيجعلهم يذهبون إلى صناديق الاقتراع ركضا وطواعية لينصروا حزبهم، ولا يذهبون إلى الانتخابات “بشكل إجباري، أو مهرولين”.
في الاجتماع الذي أعلن فيه ترشيح محرم إينجي كان من الممكن رؤية آثار حماس وانبعاث في حزب الشعب الجمهوري للمرة الأولى بعد مرور مدة طويلة. وهذا ما تُظهره ردود الفعل الصادرة عن حزب العدالة والتنمية ضد ترشح إينجي.
أما تصريحات أردوغان فإنها تثير القلق. فبينما يزعم أردوغان نفسه أن إينجي لا يمتلك تجربة ولا نجاحا سياسيا، يبدو أنه نسي أنه شخصيا كان رئيسا للوزراء في الـ48 من عمره. وهناك 10 سنوات فارق عمري بين أردوغان وإينجي البالغ من العمر 54 عاما حاليا.
إن المشهد الحالي يبدو وكأنه يشير إلى أن أردوغان أضاف حالة أخرى من الندم على ندمه وتأسف قائلا “ليتنا قلنا من يحصل على أكبر عدد من الأصوات يصبح رئيسا بدلا من قولنا من يحصل على 1 زائد 50 بالمئة”.
ويجري الحديث في كواليس حزب العدالة والتنمية وفي المحيط القريب من أردوغان عن “الندم الذي يشعر به أردوغان لأنه لم يعلن ترشحه بجمع التوقيعات”. فبينما كان بوسع أردوغان أن يعلن ترشحه بجمع 10-8 ملايين توقيع، فيحصل على التفوق النفسي منذ اللحظة الأولى؛ يذكر أنه نادم لأنه لم يفعل ذلك.
فحصول ميرال أكشنر على أكثر من 100 ألف توقيع منذ اليوم الأول، ووصولها إلى 200 ألف في اليوم الثاني، وكذلك تجاوز قرا موللا أوغلو 100 ألف صوت بينما لا تزال تكتب هذه السطور يمثل تفوقا نفسيا وراحة داخلية مهمة بالنسبة للمعارضة.
الحركة القومية تنقذ نفسها
هناك مظهر آخر يجري الحديث عنه في الكواليس السياسية يدل على ندم أردوغان؛ ألا وهو عقد التحالف الذي تم إقراره بتعديلات في قانون الانتخابات أجريت بالتعاون مع حزب الحركة القومية.
يبدو أن هذه الصيغة جاءت من أجل إنقاذ حزب الحركة القومية من مشكلة العتبة الانتخابية، وذلك كمقابل للدعم الذي قدمه للتعديلات الدستورية، وقد تم إقرارها بتلقين حزب الحركة القومية فيصبح وسيلة لتحقيق التفوق بسبب البنية المهلهلة للمعارضة.
ولا سيما أن أحد الأهداف المرسومة كانت تتمثل في إضعاف حزب الشعب الجمهوري عبر إجباره على التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي وذلك من خلال اتهامه بالتورط “مع منظمات إرهابية”.
غير أنه بينما ينفتح باب البرلمان -بفضل التحالف الوطني- أمام حزب السعادة الذي حصل حزب العدالة والتنمية على 5-7 بالمئة صوت أمانة حسبما تظهر استطلاعات الرأي وكذلك الطريق لاسترداده أصواته، فقد يزيد هذا من عدد الأصوات التي ستذهب من حزب الاتحاد الكبير وحزب الحركة القومية إلى الحزب الصالح.
وعلاوة على ذلك فإن خسارة الأصوات التي سيتعرض لها أردوغان، الذي يخوض هذه الانتخابات “كمرشح توافقي للقوميين الأتراك” يبدو أنها ستكون أكبر من الفوائد بسبب ذلك النموذج الذي يرفض الناخبين الأكراد ويقصيهم.
والحقيقة أن التصريحات التي أدلى بها بعض الكتاب ومتخصصو استطلاعات الرأي الموالين للعدالة والتنمية، وكذلك التحليلات والتفسيرات الصادرة عن منظمة حزب الحركة القومية، وأيضا التصريحات التي أدلى بها أردوغان نفسه تكشف عن تزايد مخاوفه في هذا الاتجاه.
المخاوف من تعرض رئاسة الجمهورية لمخاطر في الجولة الثانية قد تمهد الطريق للبدء في تحليل الخطابات التي ترى "أنه ربما يستحيل إجراء انتخابات 24 يونيو"
وبينما يجري الحديث بين ناخبي حزب العدالة والتنمية عن الرأي الداعي إلى “التصويت لصالح أردوغان في الانتخابات الرئاسية وعدم التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية”؛ فإن قاعدة حزب الحركة القومية تزايدت فيها تحليلات وتفسيرات تدعو إلى التصويت لصالح حزب الحركة القومية في الانتخابات النيابية، ولصالح ميرال أكشنر وليس أردوغان في الانتخابات الرئاسية. وهو ما جعل رد فعل أردوغان حادا وقويا.
إن عدم توقيع 6 نواب من المجموعة البرلمانية لحزب الحركة القومية الذي يمتلك 39 نائبا لصالح الترشح المشترك لأردوغان أصبح أكثر الأدلة بروزا ووضوحا على وجود انزعاج ورفض وعدم رغبة في قاعدة حزب الحركة القومية في دعم ترشح أردوغان للرئاسة، وزاد من حجم المخاوف المتعلقة بالأصوات التي ستأتي من حزب الحركة القومية لصالح التحالف الرئاسي.
أدلى أردوغان، رئيس الجمهورية والرئيس العام لحزب العدالة والتنمية في الوقت نفسه، بتصريح في قاعة مؤتمرات المرأة التابعة لحزبه في محافظة قيسري عبر فيها عن قلقه قائلا “البعض يذكي نار هذه الفتنة، يقولون سنصوت في الانتخابات الرئاسية لصالح رئيس الجمهورية، لكننا لن نعطي أصواتنا لحزب العدالة والتنمية في البرلمانية، هل يعقل شيء كهذا؟ سويا سوف ندفن عصابة المنافقين هذه يوم 24 يونيو بإذن الله”.
ردا على كلام أردوغان فإن هناك بعض الأسماء المقربة منه منذ سنوات عديدة مثل أطيلغان بايار تقول “لسنا منافقين”، وقد نشرت رسائل من قبيل “وداعا حزب العدالة والتنمية، وداعا أردوغان”.
وكتب بيار في رسالته الأخيرة أن هناك قطاعا واسعا من أنصار حزب العدالة والتنمية وصفهم بأنهم “لا ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية”، ودافع عن أن “الأكراد ومن لا ينتمون إلى العدالة والتنمية سوف يحددون مصير الانتخابات”.
خطورة وأهمية
توقع خسارة البرلمان المتصاعد في جبهة حزب العدالة والتنمية- الحركة القومية والمخاوف من تعرض رئاسة الجمهورية لمخاطر في الجولة الثانية من شأنه أن يمهد الطريق للبدء في تحليل الخطابات التي ترى “أنه ربما يستحيل إجراء انتخابات 24 يونيو”.
وكان إقرار المحكمة الدستورية العليا بـِ”خطورة وأهمية” طلب حزب الشعب الجمهوري إلغاء التعديلات المتعلقة بقانون الانتخابات أحد الأسباب التي تشير إلى احتمالية تأجيل الانتخابات أو إلغائها.
وفي حال قيام أردوغان وتحالفه بتفحص الرأي العام خلال مرحلة الدعاية الانتخابية وتنبهه إلى احتمالات خسارته فيها فربما يكون من الاقتراحات المطروحة أن يعجل باللقاء مباشرة مع المحكمة الدستورية العليا، وإيعازه باستحالة إجراء الانتخابات في 24 يونيو مقررا إلغاءها.
وثمة أمر آخر محتمل يدور الحديث عنه في الكواليس السياسية يبدو أكثر خطورة؛ ألا وهو ما تردد من مزاعم حول محاولة اغتيال ضد ميرال أكشنر، وشعار “قد يحدث أي شيء في أي لحظة” المكتوب على الجدار المقابل، وإلى جانب ذلك ثمة ما يتردد من مزاعم باحتمالية حدوث بعض التطورات المشابهة بما حدث في أعقاب انتخابات 7 يونيو 2015 التي خسرها حزب العدالة والتنمية، ولما كان في فترة انتخابات 1 من نوفمبر.
كذلك ثمة مخاوف من أن تنفذ هجمات انتحارية وتصعيدات إرهابية واغتيالات سياسية وهجمات على الأحزاب واللقاءات الجماهيرية والمرشحين وإعادة حالة مناخ الرعب والفوضى واندلاع أعمال شغب في الشوارع، ومن ثم إمكانية إلغاء الانتخابات لأسباب أمنية.
كذلك تتردد مزاعم بأنه ربما يتم على نطاق أوسع تأجيج وتصعيد هجمات مشابهة لتلك التي جرت في ميدان الهلال الأحمر في قلب العاصمة أنقرة على ركن حزب السعادة الخاص بالتوقيع.