خطة أممية فاشلة تعود إلى الواجهة لإعادة إعمار غزة

غزة - فتحت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ يونيو 2007، النقاشات من جديد بشأن إمكانية العودة إلى العمل بـ”اتفاقية روبرت سيري”، التي تضمنت آلية رقابية صارمة لإعادة إعمار ما دمرته حرب عام 2014.
ولم تنجح تلك الاتفاقية، التي حملت اسم سيري وهو منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام للشرق الأوسط بين عامي 2007 و2015، في تنفيذ بنودها، خاصة في ظل الإجراءات الرقابية الصارمة التي وضعتها إسرائيل على المعابر لإدخال مواد البناء.
وخففت إسرائيل بعض إجراءاتها العقابية بحق القطاع، الذي شهد حربا استمرت 11 يوما في مايو الماضي، حيث ترعى مصر مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لتثبيت الهدوء في المنطقة.
ويأتي الحديث عن تلك الاتفاقية المثيرة للجدل في الداخل الفلسطيني في ظل أن العشرات من الوحدات والأبراج السكنية، التي دمرت خلال حرب عام 2014 تنتظر دورها في الإعمار حتى هذا اليوم.
وانتقد مسؤولون في إدارة حماس وفصائل فلسطينية أخرى تلك الآلية الأممية، معتبرين أنها تساهم في المماطلة بعملية الإعمار ومفاقمة الأوضاع الصعبة والمعيشية للسكان.
ويؤكد ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال في غزة أن 1700 وحدة سكنية دمرت بشكل كامل خلال الحروب السابقة تنتظر دورها في إعادة الإعمار، مشيرا إلى وجود 60 ألف وحدة سكنية دمرت بشكل جزئي خلال الحروب السابقة لم يتم إصلاحها حتّى الآن.
وتقول اللجنة الحكومية العليا لإعمار غزة، التي تديرها حماس، إن إجمالي الخسائر جراء الحرب الأخيرة بلغ نحو 479 مليون دولار أميركي.
وأشارت اللجنة في تقرير جديد نشر الاثنين، إلى أن نتائج الحصر التفصيلي للأضرار موزعة على ثلاثة قطاعات رئيسية من بينها الإسكان والبنية التحتية، والمنشآت العامة والمباني الحكومية وقطاع النقل والمواصلات والكهرباء والطاقة.
الفلسطينيون يرفضون العودة إلى اتفاقية روبرت سيري لإعادة الإعمار على خلفية شروطها الصارمة في إدخال مواد البناء
ويرفض الفلسطينيون العودة إلى تلك الآلية على خلفية شروطها الصارمة، التي تعرقل عملية البناء. وتم التوصل إلى تلك الاتفاقية في سبتمبر 2014 بعد اتفاق ثلاثي بين الأمم المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وتتضمن تلك الاتفاقية أن تتمكن الحكومة التابعة للرئيس محمود عباس من قيادة جهود إعادة الإعمار، وتمكين القطاع الخاص من المشاركة في العملية، بالإضافة إلى طمأنة الدول والجهات المانحة من أن عملية الإعمار سيتم تنفيذها دون تأجيل.
لكن ما جرى على الأرض أبعد من تحقيق تلك البنود، خاصة في ظل العراقيل الإسرائيلية، التي تخشى من تحول مواد البناء المختلفة إلى أدوات في أيدي حماس لصناعة أسلحة وصواريخ، بالإضافة إلى استمرار حالة الانقسام الداخلي التي أثّرت بشكل مباشر على عمليات إعادة الإعمار.
ولاقت عملية إدخال مواد البناء لإعمار غزة، إبان حرب 2014، مماطلة إسرائيلية إذ دخلت أولى الشحنات المحمّلة بهذه المواد في 14 أكتوبر من ذات العام، عبر معبر كرم أبوسالم التجاري، الذي تسيطر عليه إسرائيل.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له آنذاك، إن إدخال تلك المواد جاء ضمن “عملية تجريبية، وفقا للآلية الدولية للإشراف والمراقبة المتفق عليها، والتي تتم إدارتها وتنسيقها من قبل ممثلي الأمم المتحدة وبمساعدة السلطة”.
وخلال السنوات الماضية، فرضت إسرائيل شروطا على إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، بينما منعت دخولها لفترات طويلة جدا امتدت في بعض الأوقات لأكثر من عام لدواع أمنية.
وفي نوفمبر من العام 2015، أعلنت وكالة أونروا أنها تمكّنت من إعادة إعمار منزل واحد فقط، من المنازل المدمّرة خلال حرب 2014.

وقال مسؤولون أمميون آنذاك إن هذا التأخر بسبب “وضع إسرائيل العراقيل أمام تدفق مواد البناء”، بينما اتهم مسؤولون فلسطينيون “آلية سيري” بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لوضع تلك العراقيل.
وفي 21 مايو، أعلنت إسرائيل وحماس التي تسيطر على غزّة وقفا لإطلاق النار أنهى تصعيدا دمويّا بين الطرفين استمرّ 11 يوماً وأسفر في الجانب الفلسطيني عن سقوط 260 قتيلاً بينهم 66 طفلاً والعديد من المقاتلين، وفي الجانب الإسرائيلي عن سقوط 13 قتيلاً بينهم طفل وفتاة وجندي.
وترفض الفصائل الفلسطينية المختلفة العودة إلى اتفاقية “روبرت سيري” مع بدء مباحثات جديدة لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
ويقول وكيل وزارة الأشغال في غزة إن “إسرائيل تعمّدت خلال السنوات السابقة، تأخير عملية إعادة إعمار غزة، من خلال آلية سيري، التي باتت خلف ظهورنا”.
ويوضح أنه تم الاتفاق مع “مسؤولين مصريين لاستيراد مواد البناء مباشرة بدلا من الجانب الإسرائيلي”، مشيرا إلى أن ما بين 65 و70 في المئة من الإعمار هي مواد بناء.
وعلى الرغم من التوافق بين حماس ومصر حول ملف إعادة إعمار غزة، إلا أن إسرائيل تعاود التدخل في هذا الملف وتفرض شروطها، التي ترفضها الحركة الإسلامية، حيث اشترطت مؤخرا، حسب قناة “كان” العبرية الرسمية، إعادة أربعة إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة؛ قبل انطلاق أي عملية لإعادة إعمار القطاع.
وتقول حماس إنها تحتفظ بإسرائيليين بينهم جنديان أسرا خلال حرب عام 2014 من دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي. كما ترفض الربط بين عملية الإعمار وملف تبادل الأسرى.
وتفرض إسرائيل حصارا بريا وبحريا وجويا على القطاع الفلسطيني الذي يبلغ عدد سكانه مليوني نسمة وتسيطر عليه حماس منذ أكثر من عقد.