خطاب نتنياهو العنصري وتكلفته الباهظة

السبت 2015/03/21

لا يزال النقاش مستمرا حول فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بانتخابات مجلس النواب الإسرائيلي. كيف استطاع نتنياهو العودة من بعيد، حيث كانت استطلاعات الرأي ترجّح خسارته فيما جاءت النتيجة صادمة بشكل كبير، إذ رفع حزب الليكود عدد مقاعده في البرلمان من 21 إلى 30 مقعدا.

ظهر بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية بمظهر مختلف إلى حد ما. فالشخص المثير للجدل الذي حمل دوما ميولا يمينية عنصرية وطباعا فظة جعلت علاقته متوترة مع واشنطن ومع عدد من العواصم الأوروبية، دفع تلك الميول إلى حدودها القصوى، مستخدما لغة عنصرية مقززة وغير مألوفة في الخطاب الرسمي الإسرائيلي.

كانت إسرائيل الرسمية تترك مهمة بث العنصرية ضد العرب لليمين الإسرائيلي المتطرف من أمثال أفيغدور ليبرمان، الذي نسبت له دوما المواقف المتطرفة الرافضة لوجود الفلسطينيين، والداعية إلى التخلص منهم ومن أي تسوية معهم.

نتنياهو أشار، صراحة، قبل الانتخابات إلى أنه سوف يواصل عمليات الاستيطان ويعمل على توسعها. كما أعلن الانقلاب على كل الخطاب السياسي الذي ساد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ توقيع اتفاق أوسلو مطلع التسعينات، فتعهد بأنه لن يلتزم بحل الدولتين، وأن الدولة الفلسطينية الموعودة لن تقوم طالما استمر هو في الحكم. فضلا عن كتابات عنصرية أطلقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، داعيا مناصريه لمواجهة مشاركة العرب بالانتخابات وقيامهم بالتصويت.

حاول بنيامين نتنياهو عبر خطابه الانتخابي نشر مزيج من الخوف والعنصرية في محاولة لكسب مزيد من أصوات اليمين الإسرائيلي. وضع القضايا الأمنية في المقدمة وعمل على تضخيمها، خصوصا وأنه لا يملك سجلا حافلا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فدفـع العـامل الأمني إلى حدوده القصوى لينشر الرعب من وجود الفلسطينيين، ومن برنامج إيران النووي، ومن “حماقة” إدارة بـاراك أوباما الذي لا يعي ما تقوم به إيران، ولا يهتم بالخطر المحدق الذي يتهدد الإسرائيليين.

“بيبي” وحده يعي ويفعل ذلك. من الواضح أن محاولة نتنياهو قد نجحت في استمالة أصوات اليمين الإسرائيلي. غير أن عليه أن يبقى وفيـا لتلـك الـوعود المثيرة للجدل والتي قطعها على نفسه، وإلا أجبره اليمين على خـوض انتخـابات جديدة بعد عام من الآن وسيواجه فيها الخسـارة الأكيدة.

البقاء على وعوده سيكون خاضعا لتكاليف لا يمكن تحديد مدى جدية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في جعلها باهظة، حيث تمنعه من الانسياق أكثر في مسار من التطرف.

لطالما كانت الضغوط على إسرائيل غير جدية في مواجهة التطرف في سياسات الحكومات المتعاقبة والتي عملت جميعها، يمينا ويسارا ووسطا، على توسيع الاستيطان وتقويض حل الدولتين، لكنها التزمت بخطاب وسطي يدعو إلى التعايش، وهو ما لا يفعله نتنياهو فيصعب من مهمة داعميه الغربيين.

يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تواصل عمليات الاستيطان فهذا ليس بجديد، وقد تعامى الغرب عن ذلك طيلة العقود الماضية. ولكن، هل يمكنها المجاهرة برفض السلام كما فعلت اليوم؟ هذا يفتح الباب لإقرار سياسة علنية تدعو إلى تقويض السلام بعد أن كانت تلك السياسة غير معلنة. ويزيد من حرج كل من أميركا وأوروبا، وقد بدا ذلك واضحا بمسارعة كل منهما إلى إعلان التمسك بحل الدولتين والتخوف من ارتفاع حدة الخطاب العنصري ضد العرب في إسرائيل.

انتشرت بعض التوقعات في اليومين الماضيين تقول إن أميركا، وفي سياق جعل نتنياهو يدفع ثمن تصريحاته وسلوكه غير الناضج، سوف توافق على صدور قرار دولي لطالما رفضته في السابق. قرار ملزم للفلسطينيين والإسرائيليين ويتعلق باستئناف المفاوضات والتوصل إلى تسوية على أساس حل الدولتين وخلال فترة زمنية محددة. ربما تنتظر الولايات المتحدة تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ففي حال تأسست حكومة يمينية خالصة، فسوف يسرع ذلك من حدوث مواجهة أميركية إسرائيلية.

وكذلك الحال مع الاتحاد الأوروبي، إذ بات يجد حرجا كبيرا في الدفاع عن المستوطنات وتقبل توسيعها بعد أن تقبل وجودها. ويشكل خطاب نتنياهو حافزا لتصعيد الضغوط على إسرائيل، وذلك عبر فرض عقوبات على المستوطنات، أو قد تحاول دول الاتحاد الأوروبي تجنب مواجهة مباشرة مع إسرائيل باستبدال العقوبات عليها بإقرار سياسة محابية للفلسطينيين، وهو ما درجت عليه دول أوروبية عديدة في الفترة الأخيرة بالاعتراف بدولة فلسطين.

أما في حال تسامح الاتحاد الأوروبي وأميركا مع خطاب نتنياهو الرافض لحل الدولتين، ويصعب عليهم ذلك، فستكون تكاليف الاحتفاظ بهذا الخطاب باهظة في ما يخص صورة إسرائيل في العالم، إذ سيعطي هذا الخطاب زخما أكبر للنشاط المدني المناهض للاحتلال والاستيطان الإسرائيليين.

لقد حققت حركات مقاطعة إسرائيل نجاحا كبيرا في السنوات الأخيرة وخصوصا في أوروبا. وقد كانت المجموعات الموالية لإسرائيل تتهم حركات المقاطعة بالمعاداة للسامية. لكن خطاب نتنياهو الذي يرفض حل الدولتين ويوسع الاستيطان بشكل علني، يدعو تبعا لذلك إلى إدامة الاحتلال الأخير المتبقي في العالم، سوف يساعد حركة المقاطعة على الازدهار واكتساب شرعية متزايدة.

هكذا يبدو بنيامين نتنياهو أمام خيارين، إما الاحتفاظ بخطابه العنصري العلني مقابل تكاليف باهظة وعزلة دولية أشد، أو التخلي عن ذلك الخطاب وفقدان تأييد اليمين الإسرائيلي، وبالتالي مواجهة خطر خسارة السلطة في انتخابات مبكرة.

كاتب فلسطيني سوري

9