خالد الفالح بئر أرامكو المتدفق معرفة

في كيان عملاق يتربع على مساحات شاسعة من أراضي المنطقة الشرقية، يستثمر فيه وطن ويستثمر هو في الكيان البشري، يعيش على هيكلة إدارية لافتة، لا يعمل هذا الكيان بمنظور حكومي فلذلك أبدع، وحقق آفاقا مختلفة في كل شأن يعمل عليه.
تاريخ هذا الكيان بعيد، وعميق أكثر وذو جودة تعادل جودة نفطه، يتطهر بزيته ويستغل أمواله خير استغلال كما هو مع غازه، به تعرف السعودية، ويُعرف بالسعودية، كوجه استثماري اقتصادي رفيع، يقوده في غالبه اليوم سعوديون عززوا صورة ابن البلد بعد سنوات من إدارة أميركية تعلّم منها بلا شك حسن التخطيط الاستراتيجي.
تربية العقول
استثمار الكيان في بشره لا يعادله استثمار، حتى أصبح موظف هذا القطاع الكبير والشامل ذا حظوة اجتماعية، وأسلوب انضباطي، غالبا ما يرى ويسمع الشارع السعودي أنه “تربية أرامكو”.
هي تربية حافلة بالمعرفة قبل أن تكون انضباطا في مجالات العمل والحياة، تتلمذت قرابة الأربعين عاما على الإدارة الأميركية التي اكتشفت خير السعودية الوفير بأسلوب الإحلال، واستغلال الفرص وفق عوامل سياسية وعملية.
من هناك استطاعت هذه المنظومة بتراكم السنين، أن تحيي أرضا بوراً، فثقفت مجتمعا كان يصحو بهدوء كما الخليج العربي، وجاءت رياح أرامكو بكوادرها لتهبّ على المحيط في المنطقة الشرقية، من بئر الخير في الظهران، إلى رأس تنورة، ومن بين كثبان الربع الخالي في حقل الشيبة إلى تنمية بلد، حيث أثبتت أرامكو بقدرة طاقاتها البشرية أنها خير من ينفذ التنمية، علاوة على تنميتها الحقيقية داخلها.
صعودا إلى هرم النفط
في أرامكو السعودية، يسيرٌ على كوادرها أن تصعد، وصعبٌ عليها كذلك أن تصل إلى القمة، كونها متمرسة على الصرامة والجدية الدقيقة في العمل، و ما يحسب للشركة العملاقة ذات الإيرادات المالية الضخمة حسن معرفتها بصغارها ليكونوا غدا قادة وطاقما جديدا متجددا في بحر نفطها اللجي الذي لا ينافسها فيه أحد.
أسس الفالح شركة (الربع الخالي) في عمق الصحراء، فكان رجل تنفيذ المبادرة السعودية الجديدة للتنقيب عن الغاز الذي بدأ إنتاجه في العام 2006
من أولئك الرجال القادة، رئيس هو السعودي الثالث الذي استلم دفة قيادة الشركة بعد مراحل سابقة من أمركتها، وحتى أصبحت اليوم سعودية خالصة، خلفا للمثقف والإداري الكبير عبدالله جمعة، والوزير الملهم اليوم للبترول في المملكة علي النعيمي. خالد بن عبدالعزيز الفالح، قيادي بتربية أرامكو منذ مراحل التعليم العام، تدرج في رحلة العلم حتى أنهى الثانوية العامة، والتحق بركب أرامكو الإداري مباشرة من خلال بعثة دراسية إلى جامعة تكساس الأميركية في الهندسة الميكانيكية.
راية النفط من الأب إلى الابن
عاد ولا تزال أرامكو في دمه، فوالده أحد القياديين السابقين في الشركة، حيث انتهى بالفالح الأب المطاف نائبا لرئيس الشركة لقطاع التموين، لكن خالد بدأ رحلة العمل الميدانية من “بقيق” حقل النفط الكبير القريب من المقر الرئيسي للشركة بالظهران.
انتقل منها المهندس البكر، إلى بريطانيا بعد بضع سنوات من بقيق، في خطة استراتيجية للشركة للبدء في التخطيط لإنتاج الغاز من بعض مواقع المملكة، فكان الاختيار عليه ليكون بذرة الأمس وعطاء اليوم للإشراف على ذلك القطاع.
عاد خالد الفالح إلى بلاده، ملتحقا للعمل في مصفاة “راس تنورة” مهندسا لا يشق له غبار، وحينها كانت كل التقارير المرفوعة عنه إلى قيادات أرامكو تخط بماء من ذهب تعرفه الشركة، فسمحت له حينها بإكمال دراسته العليا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ونال منها درجة الماجستير، وعاد مكملا العمل، فالشركة الكبرى لا تهدف إلى أصحاب الدرجات العلمية العالية فقط، بل تؤمن بالقدرة والإرادة والمنجز.
قائد استراتيجية الغاز
قضى خالد الفالح قرابة 15 عاما في مصفاة أرامكو برأس تنورة، تدرج في مصفاة القادة تلك في مراتب مختلفة من الإدارات، حتى تم ترشيحه للعمل في الفلبين رئيسا لشركة “بترون” التي تعد نتاج عمل مشترك بين شركة أرامكو وشركة نفطية فلبينية، لكن نظرا لأنه أحد العاملين في قطاع استراتيجية الغاز لم يدم أكثر من عام حتى عاد إلى المملكة قائدا لفريق الاستراتيجية.
الفالح هو السعودي الثالث الذي يتسلم دفة قيادة أرامكو بعد مراحل سابقة من أمركتها حتى أصبحت اليوم سعودية خالصة، خلفا للمثقف والإداري عبدالله جمعة والوزير علي النعيمي
قام الفالح باختيار فريقه لتأسيس شركة جديدة تابعة لأرامكو وبتعاون مع شركات عالمية كبرى، تم إطلاق اسم “شركة الربع الخالي” للتنقيب عن الغاز في صحراء لا تعترف إلا بمن يعرف كثبانها ويتقن فن البحث فيها برويّة وتنظيم، فكان رجل تنفيذ المبادرة السعودية الجديدة للتنقيب عن الغاز، الذي بدأ إنتاجه في العام 2006، وبذلك تم تعيينه نائبا للرئيس لقطاع الغاز.
الإيمان بالشباب
خالد الفالح خير العارفين بإدارة المال نحو البشر، خاصة الشباب، الذين يؤمن بهم بعد أن أصبح في العام 2009 رئيسا لأكبر شركة نفط في العالم وكبير إدارييها التنفيذيين بعد بضعة أعوام قضاها في منصب النائب التنفيذي لرئيس العمليات، الذي يشمل قطاعات رئيسة في أرامكو السعودية هي التنقيب والإنتاج، والهندسة وإدارة المشاريع، وخدمات الأعمال والتكرير والتسويق. وقبل ذلك، كان يشغل منصب النائب الأعلى لرئيس العلاقات الصناعية، يقول الفالح :”إعداد شبابنا لمواجهة المستقبل أكبر تحدياتنا، لكنه قد يكون فرصتنا الكبرى”.
مسؤولية اجتماعية
مع قرار المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة العاهل السعودي الملك عبدالله، بالموافقة على ترشيح الشركة لخالد الفالح ليصبح رئيسا لها، فالكل يعلم داخل الشركة حرص الأخير على تعزيز الجانب الثقافي والمعرفي، فأولى الشباب أهمية لتحقيق غاياتهم ومنحهم مساحات أكبر داخل العمل الإداري.
بعد ذلك انتهج الفالح خطط أرامكو في المسؤولية الاجتماعية، لكنه أثرى المجال التثقيفي، الذي أبرزه عبر إنشاء “مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي” الذي يعد لبنة مختلفة في دعم التوجه الحقيقي نحو مجتمع المعرفة، مستبقا قبل افتتاحه في أواخر العام المقبل؛ بمشاريع ولبنات ثقافية معرفية تجوب مناطق البلاد المختلفة، سلاحها الشباب وهدفها هم وهنّ.
عاد الفالح من أميركا إلى بلاده ليرحل بسرعة إلى بريطانيا بعد بضع سنوات من العمل في حقل (بقيق)، في خطة استراتيجية للشركة للبدء في التخطيط لإنتاج الغاز من بعض مواقع المملكة، فوقع الاختيار عليه للإشراف على ذلك القطاع
أطلق الفالح عبر برنامجه “إثراء” منافع عدة لجيل تقني باحث عن المعلومة، مغيّرا من أساليب تقليدية كانت منهلا للحصول على المعرفة، بتوظيف حديث يليق ببلد ومكانة دولة هي أبرز عشرين دولة على مستوى الاقتصاد والسياسة، طامحا المركز إلى أن يكون محفزا للتفوق والإبداع والتنوع.
يقول الفالح إنه “بنهاية العقد القادم، سيصبح معدل أعمار 60 بالمئة من موظفي شركة أرامكو السعودية دون 35 عاماً” مؤمنا بأن شباب اليوم هم أكثر شغفا وتأملا مما كان عليه الجيل الذي سبقه، مفندا الفالح ذلك بأن هذا الجيل منذ صغره عايش العديد من الابتكارات التكنولوجية المتطورة، الأمر الذي ساهم في توسعة مداركهم وتطوير قدراتهم على القيام بعدة مهام في وقت واحد الأمر الذي سيساهم في جعل منظوماتهم أكثر مرونة وتحسن قدراتهم على إدارة المشاريع.
تعد أرامكو السعودية اليوم، مربطا تنمويا توكل لها الحكومة أوامر بتنفيذ والإشراف كذلك على مشاريع عديدة في غالب مناطق المملكة،
فهي تقوم على مبدأ استثنائي لتأهيل وتطوير الأعمال، في وقت تخاذل فيه عدد من القطاعات والشركات العامة والخاصة، فهي تسيّر وتقود تنمية، بقطار سريع لا يعترف إلا بمنجز حقيقي.
الفالح، ابن الزلفي الشرقي السعودي، في معترك أرامكو، مرشح ليكون خليفة الوزير النعيمي، في وزارة البترول والثروة المعدنية، لكن تلك الترشيحات تلقى سمعا آخر، أن الفالح في كلا المنصبين، رجل في كيان مستقر، لا تعكره خلافات أوبك، فالنفط السعودي له زبائنه في المنظمة وغيرها، حيث يرى الفالح أن تقلبات سوق النفط لن تؤثر على الخطط طويلة الأجل، التي تعيش عليها أرامكو، رأس النفط السعودي.