حوار استراتيجي بين موسكو والقاهرة: روسيا ترسخ تحالفاتها الإقليمية الآمنة

القاهرة - استضافت موسكو، الإثنين، الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي بين مصر وروسيا، في إطار ما يعرف بصيغة 2+2، بين وزيري الدفاع والخارجية في مصر، صدقي صبحي وسامح شكري، مع نظيريهما الروسيين، سيرجي لافروف وسيرجي شويغو، بهدف مناقشة سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والسياحية.
وعقدت مصر وروسيا 3 اجتماعات في إطار هذه الصيغة، الأول في القاهرة في نوفمبر 2013، والثاني في موسكو في فبراير 2014 والثالث في القاهرة في مايو 2017. جاء اجتماع موسكو 2018 -وهو الأول منذ إعادة انتخاب كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين- بالتزامن مع العديد من التطورات في المنطقة.
عقد الاجتماع في اليوم الذي افتتحت فيه الولايات المتحدة رسميا سفارتها بالقدس المحتلة، في رسالة تشي بأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي لمواجهة القرارات المنفردة للإدارة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، والتي أدت إلى فقدان الثقة في واشنطن كوسيط “نزيه” في عملية التسوية السلمية لهذا الصراع. وروسيا من أكثر القوى اللاعبة في الشرق الأوسط التي توجهت إليها الأنظار لتكون وسيطا جديدا للسلام في المنطقة.
وجاء الاجتماع، أيضا، بعد أيام من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، ما جعل المنطقة برمتها في مهب مرحلة جديدة تدعوها نحو مراجعة التحالفات وإعادة التموقع؛ تُضاف إلى ذلك التطورات الحاصلة في سوريا، كما بعض المقترحات الأميركية الرامية إلى إنشاء “ناتو عربي” لمواجهة إيران، وهي فكرة تلقى تأييدا من بعض الدول العربية.
وفي تطور آخر جرى الاجتماع بعدما احتوت مصر وروسيا أزمة دامت بضع ساعات، على خلفية طرح الموقع الإلكتروني لقناة “روسيا اليوم” استطلاعا للرأي، السبت الماضي، بشأن تبعية منطقة حلايب الحدودية بين مصر والسودان، والتي يتنازع البلدان ملكيتها. وقامت القناة التابعة للحكومة الروسية برفع الاستطلاع من على موقعها الإلكتروني والاعتذار، بعدما أعلنت القاهرة رفضها الحاسم لطرح الفكرة والتشكيك في سيادتها على مثلث حلايب، وقرر وزير خارجيتها إلغاء حوار كان مقررا مع القناة الروسية.
جاءت النهاية السريعة لأزمة الاستطلاع وعقد الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي، كتأكيد على مدى التفاهم بين القاهرة وموسكو، في ظل رغبة قادة الدولتين في نقل العلاقات من الشراكة إلى التحالف المستقر، في رسالة متعددة العناوين والغايات.
وتفسر القفزات الكبرى في العلاقات الروسية المصرية بعدد من العوامل، أهمها: الحاجة المتبادلة بين البلدين، حيث ترى القاهرة في موسكو قوة كبيرة ومهمة في النظام الدولي، يمكن أن تساعد على تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتخفيف الضغوط الأميركية على القاهرة في ما يتعلق بالتهديد المستمر بتقليص المساعدات. وتمثل موسكو مصدرا لتنويع التسليح بعيدا عن الغرب، بالنسبة لمصر، كما لمختلف الدول الإقليمية. وتوفر العلاقات الوثيقة مع الجانب الروسي دعما ملموسا للقاهرة حيال تلك القضايا التي تحظى باهتمام مشترك، وفي مقدمتها الأزمة السورية.
في المقابل، تنظر روسيا لمصر، باعتبارها أحد أهم الشركاء الرئيسيين في الشرق الأوسط. وأبدت مصر ميلا إلى اتباع سياسات مستقلة لتحقيق مصالحها دون انصياع تام للمواقف الأميركية، الأمر الذي يفيد موسكو ويصب في صالح توازناتها الإقليمية المتغيرة، خصوصا في ما يتعلق بالتحالف مع إيران.
وترى موسكو أن القاهرة يمكنها أن تلعب دورا مهما في حل الأزمة السورية، ولها قنوات اتصال مع حزب الله اللبناني، ولم تلتحم مباشرة في التحالف المناهض لإيران، وتدعم بقاء الدولة السورية في مواجهة الجماعات الإرهابية المعارضة، وتتحفظ على التدخل البري في سوريا.
وتطرح روسيا دوما على أجندة المحادثات مع القاهرة، منذ فترة، مسألة المشاركة في تنفيذ مبادرة المناطق الآمنة ومنع التصعيد في سوريا، وساهمت في اتفاقيات خفض التوتر في مناطق عدة خلال العام الماضي.
وثمة عامل مؤثر في تعزيز التقارب بين البلدين، ويتعلق بعلاقات روسيا المتوترة مع الغرب. وهو ما يدفع موسكو إلى زيادة تدخلها في الأزمات المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط، بغرض التوغل في شرق وجنوب مياه البحر المتوسط لتمثل طوقا جنوبيا لأوروبا، وهو ما يمنح موسكو فرصة أكبر للتفاوض مع أوروبا حول رفع العقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية.
ولا يقتصر الأمر على التوجهات السياسية، حيث يحضر أيضا العامل الاقتصادي بقوة لفهم التقارب بين البلدين. وتمثل خطوط نقل الغاز الطبيعي أحد العوامل الرئيسية لتعزيز هذا التقارب. فموسكو تسيطر على سوق الغاز الأوروبي عبر خطوط النقل التي تمتد من أراضيها إلى العديد من الدول الأوروبية، وأي منافسة في هذا المضمار تشكل تهديدا لإحدى أهم الأوراق الاستراتيجية التي تمتلكها موسكو.
هناك حديث متزايد عن تحول مصر إلى منصة لتصدير الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، ما يثير هواجس شديدة لدى روسيا بشأن إمكانية نجاح أوروبا في تقليل الاعتماد على الغاز القادم من روسيا، الأمر الذي لن ينجح إلا عن طريق مصر في الفترة المقبلة، نتيجة الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط (إسرائيل وقبرص)، وامتلاك مصر لبنية أساسية مهمة لتسييل وتصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية.
في ظل التغيرات المتسارعة لا شك في أن فرص نجاح الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي بين مصر وروسيا كبيرة وأن التقارب الروسي المصري سيزداد قوة بما يساهم في بلورة نقطة توازن جديدة في خضم التغيرات التي فرضتها قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من القدس إلى الملف السوري، وصولا إلى الاتفاق النووي الذي شكل نقطة التحول الرئيسية نحو مرحلة جديدة في المنطقة.