حميد أبو طالبي سفير إيران الجديد في الأمم المتحدة إرهابي وقاتل مأجور

لندن - يبدو أن بصمة “الإرهابي” ستظل تلاحق الدبلوماسي والسياسي الإيراني الرفيع حميد أبو طالبي على الرغم من أنه كان قد نزع جلده وغيّره مرات ومرات بحسب الزمان والمكان متبعا بذلك لفقه مرشده الأعلى مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وأعلن غير ذات مرة أنه ما عاد ذلك الطالب الثوري المتشدد الذي يعتبر الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” ورأس ” الاستكبار العالمي”، وأنه بات بعد سنوات من تلك الفترة الثورية، إما في خانة الإصلاح أو في بيت الاعتدال، وهو حال الكثير من الطلاب والطالبات السائرين على نهج الإمام ‘الخميني!
فلقد أثار تعيين الرئيس الإيراني (المعتدل) حسن روحاني حميد أبو طالبي سفيرا جديدا لإيران في الأمم المتحدة، خلفا للسفير السابق “محمد خزاعي” غضب بعض المسؤولين الأميركيين الذين يتهمونه بالمشاركة في احتجاز الرهائن الأميركيين السابقين (52 دبلوماسيا وعاملا) الذين احتجزوا في السفارة الأميركية بطهران العام 1979 لمدة 444 يوما. واعتبر رهائن أميركيون سابقون تعيين أبو طالبي في الأمم المتحدة “صفعة أخرى على وجه الأميركيين الشجعان الذين تعرضوا للإيذاء العقلي والجسدي لمدة 444 يوماً”..
الموت لأميركا
الاقتحام الثوري
حميد أبو طالبي كان من أوائل الشبان المؤمنين بالثورة الإسلامية على الشاه السابق بقيادة الإمام الخميني، وكان يوزع بياناته التي كان يصدرها من النجف الأشرف بالعراق ومن بعدها من ضاحية نوفل لوشاتو قرب باريس بعد أن هاجر إلى فرنسا
كان أبو طالبي واحدا من الطلاب الإسلاميين الذين دأبوا على التظاهر في تلك الأيام ضد “التدخل الأميركي” لصالح الشاه في السنوات التي سبقت انتصار الثورة، كما كان واحدا من الشبان الذين ساهموا في التعبئة الجماهيرية لصالح حكومة الثورة التي أسسها الخميني في إيران بعد الخلاف الذي نشب مع حكومة الولايات المتحدة الأميركية عندما طالبت إيران بتسليمها الشاه مع ثروته الطائلة البالغة عدة ملايين من الدولارات، والإفراج عن أرصدة إيران المحتجزة في البنوك الأميركية، وتعثرت المفاوضات في هذا المجال. وظهر في إيران تيّار شعبي كبير معاد لأميركا ويتّهمها بالتدخل ضدّ الثورة، وتظاهر الطلبة ومنهم حميد أبو طالبي في سائر أرجاء البلاد، وحاصرت مظاهرة طلابية كبيرة قيل إن حميد أبو طالبي كان فيها، سفارة أميركا في طهران وفي صباح يوم 4/11/1979 وهاجمت مجموعة من الطلبة المتظاهرين حرس السفارة الأميركية بطهران وتغلبوا عليهم وأخذوا معهم 66 شخصا كانوا بداخلها وذلك كرهائن وأعلنوا أن اسمهم هو ( الطلبة السائرون على نهج الإمام ) الخميني برغم أن ما جرى باسم الخميني لم يكن بعلمه ولكنه باركه وأطلق اسم (الثورة الثانية ) على احتلال الطلبة مجمّع السفارة بتأييد من الحرس الثوري الإيراني، وإعلان احتجاز كافة موظفيها من الجنسية الأميركية كرهائن لحين استجابة الحكومة الأميركية لمطالبهم!
حصل ذلك قبل سنة بالضبط من الانتخابات الرئاسية الأميركي في الرابع من نوفمبر/ تشرين ثاني 1979 وتقول طهران هذه الأيام إن حميد أبو طالبي لم يكن متورطا بشكل مباشر في عملية احتجاز الرهائن الأميركيين بل اقتصر دوره على الترجمة الأمر الذي ينفيه محامو الرهائن الأميركيين، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية في وقت سابق.
الإرهابي الدبلوماسي
هناك من الطلبة ممن يعرفه يقول إن حميد أبو طالبي، له اليد الطولى في التعاون مع استخبارات الحرس الثوري والعمل مع الأجهزة المخابراتية الأخرى للنظام وهو يقف وراء تنظيم عملية اغتيال محمد حسين نقدي ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (بقيادة منظمة مجاهدي خلق) في إيطاليا في 16 مارس/ آذار 1993، وقيل في هذا السياق إن تحقيقات الشرطة القضائية الإيطالية وإفادات الشهود أكدت تورط الدبلوماسي الإيراني في الاغتيال.
ونشر معارضون في حينه أن محمد حسين نقدي الذي كان القائم بأعمال السفارة الإيرانية في روما (أعلى مسؤول دبلوماسي للنظام في إيطاليا) كان قد غادر سفارة النظام دون رجعة في مارس/ آذار 1982 للاحتجاج على الإعدامات والتعذيب وأعمال القتل التي كان يمارسها النظام والتحق بالمقاومة الإيرانية وبدأ كممثل للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في إيطاليا بنشاط بالكشف عن الجرائم التي ترتكب في السجون بحق أعضاء مجاهدي خلق وباقي المنظمات المعارضة التي صنفها النظام في خانة (التنظيمات المحاربة).
وفور اغتيال محمد حسين نقدي وُجهت أصابع الاتهام إلى النظام الإيراني وأعلنت فصائل المعارضة الإيرانية وخصوصا منظمة مجاهدي خلق أن السفارة الإيرانية في روما كانت ضالعة في تنظيم عملية الاغتيال. ثم تبين وخلال السنوات التي تلتها في تحقيقات الشرطة الإيطالية وإفادات الشهود أن حميد أبو طالبي الذي كان سفيرا في روما خلال أعوام 1988 – 1992 هو من كان يقف وراء تنفيذ العملية وتنظيمها. وحسب التحقيقات فأبو طالبي كان قد دخل الأراضي الإيطالية أثناء اغتيال نقدي باسم مستعار وبوثائق مزورة لتنفيذ الجريمة. وجاء في تحقيقات الشرطة التي شملت إفادة شهادة شاهد مطلع: “يجب اعتبار قتل نقدي اغتيالا سياسيا حيث تم اتخاذ القرار بشأنه في الدوائر الحكومية الإيرانية في إطار حملة عارمة للقضاء على المعارضة الإيرانية في الخارج. نقدي وبسبب نوعية نشاطاته السياسية وحجمها في إيطاليا أصبح هدفا للنظام وكذلك بسبب الحنكة التي أبرزها في ترتيب العلاقات مع الشخصيات الكبار في الطبقة السياسية الإيطالية على المستوى الوطني وكذلك بسبب الكفاءة الإنسانية الفذة ومواصلته العنيدة للنضال ضد النظام الإيراني. اتخاذ القرار بشأن تنفيذ هذه العملية تم من قبل شخصيات سياسية ودينية رفيعة في طهران وأوكل تنفيذها لمجموعة دخلت بشكل خاص لهذا الغرض الأراضي الإيطالية. تنظيم تلك المجموعة في الموقع كان على ارتباط مباشر مع الممثلية الدبلوماسية للنظام الإيراني في إيطاليا وبشكل خاص مع السفير أبو طالبي”.
وجاء في جانب آخر من تقرير الشرطة الجنائية الايطالية: ” أبو طالبي ونقدي كانا يعرفان بعضهما البعض منذ الثورة في عام 1979. الرغبة الشخصية لأبو طالبي في قتل نقدي كان مردها واجب ديني لتنفيذ حكم الموت الذي صدر على شكل فتوى من جهة ومن جهة أخرى وبسبب أن السفير كان يعرف الضحية منذ سنوات فوجد الفرصة مواتية لتنفيذ الفتوى دون خطر. كما أن تنفيذ مثل هذا المخطط وبهذه الطريقة كان يعود بالفائدة لأهدافه الشخصية والارتقاء بمنصبه”.
ودائما بالاستناد إلى تقرير الشرطة الجنائية الإيطالية فإن “اسم العملية كان على شكل شفرة وكان على أبو طالبي أن يتلقى الضوء الأخضر النهائي من طهران قبل إدخال العملية حيز التنفيذ”.
وكان اغتيال محمد حسين نقدي واحدا من الاغتيالات التي استهدفت مسؤولي المعارضة الإيرانية في أثناء رئاسية أكبر هاشمي رفسنجاني عندما كان علي فلاحيان وزيراً للأمن والاستخبارات وهو أحد المطلوبين أيضا للشرطة الدولية (الإنتربول) في تفجير مركز ثقافي يهودي في بوينس آيرس بالأرجنتين. كما اُتهم حميد أبو طالبي بالضلوع في اغتيال سياسي آخر قبل نقدي بثلاث سنوات وبالتحديد في نيسان/ أبريل 1990 في اغتيال شقيق مسعود رجوي زعيم منظمة مجاهدي خلق وهو الدكتور كاظم رجوي ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في جنيف. كاظم رجوي هو الآخر كان أول ممثل للجمهورية الإسلامية في إيران لدى الأمم المتحدة في جنيف بعد سقوط نظام الشاه، ولكنه احتج على جرائم هذا النظام والتحق بما سمّي (المقاومة) في الصراع الذي اندلع بين المعارضين السابقين للشاه والقادة الدينيين الجدد. وذُكر على نطاق واسع في التحقيقات أن الدبلوماسيين وسفارة النظام في جنيف لعبوا الدور الأكبر في تنظيم تلك العملية وتنفيذها.
يعد أبو طالبي من العقول الأمنية الإيرانية وقام أثناء عمله سفيرا للنظام في إيطاليا بتجنيد مختلف الإمكانيات التي في السفارة وعدد من العرب للعمل ضد المعارضة الإيرانية في أوروبا وخصوصا مجاهدي خلق
وطبقا لتقرير رسمي للشرطة القضائية الإيطالية لعام 2003 كان حميد أبو طالبي محظورا عليه الدخول إلى دول الشينغن ( في الاتحاد الأوروبي) لاشتباه به في الضلوع في الجريمتين.
كان أبو طالبي يعمل منذ البداية مع استخبارات قوات الحرس وظهر في احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين كرهائن في إيران في عام 1979. وفي عام 1981 انخرط في سلك وزارة الخارجية لكنه ظل يحتفظ بعلاقته مع الحرس الثوري. وفي عام 1982 انتقل إلى دائرة المخابرات في سفارة الجمهورية الإسلامية في باريس. ثم عاد بعد عامين إلى طهران ونقل فيما بعد إلى سفارة إيران في السنغال. وأعلنت حكومة السنغال إنه شخص غير مرغوب فيه فاضطر إلى المغادرة وعاد إلى البلاد.
ويعد أبو طالبي من العقول الأمنية في الدبلوماسية الإيرانية وقام أثناء عمله سفيرا للنظام في إيطاليا بتجنيد مختلف الإمكانيات التي في السفارة وعدد من العرب للعمل ضد المعارضة الإيرانية في أوروبا وخصوصا مجاهدي خلق، واستخدم جهد ووكالات المخابرات بشكل واسع ضد المعارضين الإيرانيين .
ولا يستطيع أبو طالبي إنكار دوره في احتجاز الرهائن الأميركيين لكنه يحاول التقليل من أهمية ذلك ويقول إني كنت أقوم فقط بدور المترجم للطلاب السائرين على نهج الإمام! (خبر آن لاين – 9 مارس/ آذار2014).
إلا أن موقعا خاصا بهؤلاء الطلبة يوثق مشاركته ويفخر بكونه واحدا من الطلاب الذين سطروا تلك الملحمة! وأنه من القلائل الذين بقوا على قيد الحياة حيث ذكر الموقع أسماء (الشهداء من الطلبة الذين قضوا في الحرب مع العراق). ونقلت صحيفة إيران 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 عن محمد هاشمي أصفهاني وهو أحد “الطلاب السائرين على نهج الإمام” قوله : «في عام 1979 وباحتلال السفارة الأميركية في طهران فإنهم قد سطروا موجة جديدة من الثورة الإسلامية أو بتعبير الإمام الثورة الثانية. وبدأوا توجيه الدعوة لـ “للحركات التحررية في العالم” حيث توجه السيد عباس عبدي (تحول إلى خانة الإصلاح وتم سجنه في إيران بسبب مطالباته الإصلاحية الواسعة، وقد أرسل السيد حميد أبو طالبي إلى الجزائر ممثلا عن الطلاب السائرين على نهج الإمام» في عام 1979، ووجهوا الدعوة لـ17 حركة تحررية في العالم إلى طهران.. أي إننا كنا نحمل راية بيد “الاتحاد بين مستضعفي العالم” وبيد أخرى كنا نحمل (نحن الطلاب السائرين على نهج الإمام) 52 من الرهائن الأميركيين”.
بنية النظام الإيراني
وبسبب هذا التعيين والإصرار عليه بعد أن أرسلت واشنطن إشارات عن رفضها (الخجول ) استقبال أبو طالبي على أراضيها في ظل التقارب الملموس بين طهران وواشنطن وتوقعات قوية بحل أزمة الملف النووي الإيراني، فقد نشطت المطالبات من معارضين إيرانيين بـ “عزل وطرد هذا النظام وممثليه ودبلوماسييه الذين معظمهم ضالعون في التعذيب والإعدام والتجسس والإرهاب بحق المعارضين، عن الأسرة الدولية”!