حمى تعديل الدستور تجتاح القارة الأفريقية

النظامان المصري والسوداني يمهدان لتعديل الدستور لفتح الطريق أمام البشير والسيسي للترشح لفترة رئاسية جديدة.
الاثنين 2018/08/13
لا انفراج في الأفق

القاهرة - لم يكن التقارب السياسي الحاصل بين مصر والسودان يرتبط فقط بجملة من المصالح الثنائية والتطورات الإقليمية، لكنه يحمل بين ثناياه تقاربا ضمنيا في الظروف الاقتصادية الصعبة. ففي الوقت الذي بدأت فيه القاهرة خطوات جريئة للإصلاح ولم تسفر عن نتائج ملموسة لتخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين، تحاول الخرطوم الإقدام على خطوات شبيهة بإصلاحات المجال الاقتصادي، في حين لا يختلف المزاج السياسي للبلدين بعد ظهور دعوات تطالب بتعديل الدستور، لفتح الطريق أمام الرئيس السوداني عمر حسن البشير للترشح لفترة رئاسية جديدة، مع حلول موعد الانتخابات عام 2020، وتمهيد الطريق للرئيس عبدالفتاح السيسي، للترشح في انتخابات 2022.

ويشير البعض من المراقبين إلى أن ما يمكن الإقدام عليه في مصر والسودان، أصبح اتجاها لدى العديد من الدول الأفريقية، فبحسب دراسة أعدها الباحث السيد علي أبوفرحة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بني سويف (جنوب القاهرة) فقد شهدت 26 دولة أفريقية، من إجمالي 54 دولة، تعديلات دستورية، أو إصدار دساتير جديدة، منذ نهاية 2010 وإلى حدود العام الماضي.

وأشارت الدراسة إلى أن معظم المراجعات الدستورية تمّت بهدفٍ تمديد بقاء النظام الحاكم.

وأوضح مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الإقدام على إدخال تعديلات دستورية يمس بجوهر الديمقراطية، ويكشف عن التأثر بنماذج الحكم في دول كروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، التي يحكم فيها النظام القائم بقبضته على السلطة.

وقطع السودان شوطا إيجابيا في هذا المسار، بعد إقرار مستويات مختلفة في الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني” موافقتها على ترشح عمر البشير في الانتخابات المقبلة، ما يمهد الطريق لتعديل دستوري متوقع، مع اتخاذ الرئيس مجموعة من الخطوات السياسية والأمنية تكرس لاستمراره على قمة السلطة. وأدخل البشير تعديلات عدة على هيكل حزب المؤتمر الوطني الحاكم قضت بإبعاد الأطراف الرافضة لترشحه مرة أخرى، وأقصى الأطراف المعارضة لتواجده في السلطة داخل مؤسسات الرئاسة والجيش والمخابرات.

ومتوقع أن يقر المؤتمر العام للحزب في أبريل القادم، التعديلات الداخلية المطلوبة بصورة نهائية ليعلن البشير الترشح ممثلا عن الحزب، على أن تبقى خطوة تعديل الدستور، وهي مضمونة بحكم الأغلبية التي يملكها حزب المؤتمر الوطني في البرلمان، ناهيك عن عدم الممانعة الخارجية.

تعديل الدستور في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية الراهنة يزيد الاحتقان في الشارع وقد يلاقي معارضة قوية لقناعة الكثيرين بأنه تغيير غير محسوب العواقب

وقال مكي مغربي، المحلل السياسي السوداني، إن البشير عمل خلال السنوات الماضية على تهيئة المجتمع الدولي لقبوله كمرشح رئاسي جديد خلال الانتخابات المقبلة، وكان ذلك دافع لرعايته اتفاق السلام في جنوب السودان.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن الاتجاه نحو تعديل الدستور في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية الراهنة يزيد الاحتقان في الشارع وقد يلاقي معارضة قوية، وسط قناعة الكثيرين بأن أي تغيير غير محسوب العواقب “يعد انتحارا يدمر كافة أركان الدولة”.

ولفت مكي إلى أن انهيار المشروع العلماني الموازي، أو ما يسمي بالسودان الجديد منذ رحيل الزعيم الجنوبي جون قرنق وتراجع تأثير المعارضة الشمالية، رجح كفة المؤتمر الوطني، وشجعه على اتخاذ خطوات كثيرة تؤكد أنه مازال يستطيع فرض هيمنته، مع تكثيف الدعاية التي تشير إلى أن البشير هو الوحيد الذي يمسك بالخيوط ويتحكم في حركة العناصر المتصارعة داخل النظام، بما في ذلك الجيش والحزب الحاكم.

 أما الحالة المصرية فتتسم بالغموض، لأن التعديل يتطلب تجاوز عقبات سياسية كثيرة، أهمها أن السيسي لا يملك حزبا حاكما، على غرار البشير، لكنه يملك نفوذا كبيرا داخل البرلمان، مكنه من تمرير مئات القوانين التي تريدها الحكومة، وسوف يساعده على تمرير أي تعديلات دستورية مطلوبة مع غياب المعارضة القوية داخل البرلمان.

وتكمن المشكلة في مدى القدرة على تمرير التعديلات المطلوبة من خلال الشارع المصري، الذي يتململ من تبعات الأزمات الاقتصادية المتتالية، ويجعل من قبوله بالتعديلات عملية صعبة. وأكد أسامة هيكل، نائب رئيس ائتلاف دعم مصر، صاحب الأغلبية في البرلمان المصري، أن إدخال تعديلات على الدستور “سيتم عاجلا أم أجلا، وهناك بعض المواد يستحيل تنفيذها، وأن فترة الرئاسة الواحدة (أربع سنوات) قليلة للغاية ولا تساعد على تحقيق أيّ إنجازات”.

غير أن هيكل وضع في تصريحاته التي أطلقها قبل أيام، يده على جوهر تعديل الدستور وهو أن يكون مرتبطا بالتوافق المجتمعي، باعتباره كلمة السر في الإقدام على أي تغيير، من دون أن يشير إلى الاحتقان الموجود حاليا في الشارع نتيجة الأوضاع المعيشية المتردية، ومدى احتمال أن يؤدي قرار التعديل إلى مأزق سياسي قد تجد أجهزة الدولة صعوبة في الخروج منه.

وظهرت بوادر تحريك حملات لتعديل الدستور في مصر، من خلال تداول وثيقة انتشرت على نطاق ضيق بين نواب البرلمان تحمل عنوان “الشعب يطالب”، ومتوقع أن تخرج للعلن، قبل أن يتخذ البرلمان خطوات تشريعية للتعديل مع بدء دورته الجديدة في أكتوبر المقبل.

6