حمى الانتخابات تأخذ توقعات البيرق الاقتصادية إلى أوهام بعيدة

توقعات البيرق تضلل الأتراك وتقلق المستثمرين الذين ينتظرون من الحكومة إظهار بعض الواقعية والحكمة.
الجمعة 2019/03/22
توزيع الأوهام الانتخابية دون خجل

دفعت حمى الانتخابات البلدية التركية المتصاعدة وزير المالية والخزانة براءت البيرق إلى نسج توقعات خيالية بتراجع معدل التضخم المرتفع إلى خانة الآحاد بحلول سبتمبر وأن تتراجع أسعار الفائدة.

وتمثل تعليقات البيرق، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، دعاية انتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في 31 مارس الجاري، لكنها مضللة وبعيدة كل البعد عن التقديرات الحصيفة، التي يتّبعها سلفه محمد شيمشك، الخبير الاقتصادي السابق في ميريل لينش.

وزعم البيرق أيضا في بيان هذا الأسبوع أن الاقتصاد التركي قد خرج من الركود بعد ربعين من انكماش الاقتصاد في النصف الثاني من العام الماضي.

ولا تؤدي توقعات البيرق فقط إلى تضليل الأتراك قبل الانتخابات التي تمثل أول اختبار لشعبية أردوغان منذ فوزه بسلطات رئاسية واسعة في يونيو الماضي، بل تزيد أيضا من قلق المستثمرين القلقين، الذين يتطلعون إلى السلطات لإظهار الواقعية والحكمة في أعقاب أزمة العملة في العام الماضي.

فالاضطراب الاقتصادي والمالي كان أساسا بسبب الاقتصاد التضخمي وضغوط أردوغان على البنك المركزي لتأجيل زيادة أسعار الفائدة، حين كان الاقتصاد في أمسّ الحاجة إليها، إضافة إلى الخلاف السياسي مع الولايات المتحدة.

ويتفق معظم خبراء الاقتصاد الآن مع البنك المركزي في إبقاء سعر الفائدة في مستوياته المرتفعة البالغة 24 بالمئة لحين تراجع ضغوط التضخم بشكل ملحوظ.

وقبل تولى البيرق مهمة إدارة الاقتصاد في يوليو الماضي، كان شيمشك يحظى باحترام كبير من المستثمرين بسبب واقعيته وقدرته على كبح جماح سياسات أردوغان غير القويمة، فضلا عن طمأنته الأسواق بتصريحات مصاغة بعناية.

تتمثل الوصفة التقليدية لترويض التضخم البالغ حاليا 19.7 بالمئة، في خفض الإنفاق الحكومي، وإذا أمكن، تعظيم الإيرادات من خلال زيادة الضرائب أو الخصخصة أو غيرها من الإجراءات السديدة.

مثل هذه الخطوات تخفف ضغوط الأسعار وتقلل من توقعات التضخم في المستقبل وتغرس الثقة في الأسواق المالية. ثم تترجم هذه الثقة إلى استقرار في قيمة العملة أو تقويتها، مما يؤدي إلى تأثير إيجابي على التضخم وأسعار الفائدة.

لكن حكومة أردوغان لا تخفض الإنفاق ولا ترفع الضرائب أو تبيع الأصول الحكومية. بل تفعل العكس تماما.

سجلت ميزانية تركيا في شهر فبراير عجزا بقيمة 16.8 مليار ليرة (3.1 مليار دولار) تعادل 8 أضعاف العام السابق، بعد ارتفاع النفقات بنسبة 33 بالمئة بمقارنة سنوية. كما انخفضت الإيرادات الضريبية بنسبة 9.4 بالمئة، حيث تراجعت إيرادات ضرائب القيمة المضافة بنسبة 19.5 بالمئة في حين خفّضت الحكومة الرسوم الأخرى.

وفي الوقت الذي تأمل فيه حكومة أردوغان في تحقيق انتعاش اقتصادي فوري فإنها تنفذ في الواقع سلسلة من الإجراءات التي تفسد وتربك توقعات المستثمرين.

وتشمل الخطوات تخفيض أو إلغاء الضرائب والتعهد للشركات بأن تدفع السلطات أجور الموظفين الجدد وأن تُستخدم البنوك الحكومية لإعادة هيكلة ديون المستهلكين والشركات.

وتبيع الحكومة أيضا أغذية رخيصة في ساحات المدن لممارسة الضغط على تجار التجزئة لخفض الأسعار. كما جمعت مليارات الدولارات من خلال إصدار عفو عن عمليات البناء غير القانونية.

توقعات البيرق بشأن التضخم وأسعار الفائدة غير واقعية، إلا إذا خفّضت الحكومة الإنفاق فجأة أو إذا تعمق الركود الاقتصادي في تركيا بشكل ملحوظ. ولكن من المفارقات أن الوزير يتوقع عودة النمو الاقتصادي.

ليست هذه أول مرة يقوم فيها البيرق بتقديم توقعات اقتصادية مشكوك فيها. ففي يناير، قال أمام المنتدى الاقتصادي العامي في دافوس إن تركيا ستخرج من الركود تماما، وأكد “في الوقت الحالي، لا نرى أي ركود، لا يوجد أي نمو سلبي”.

لكن الاقتصاد انكمش بنسبة 2.4 بالمئة في الربع الأخير من عام 2018 بعد نمو سلبي قدره 1.6 بالمئة في الربع السابق، وذلك حسب بيانات رسمية نشرت في 11 مارس الجاري.

لقد فقدت الليرة، وهي مؤشر على ثقة المستثمرين مثل أي عملة أخرى، ما يقرب من ثلث قيمتها في العام الماضي. واستمر الانخفاض هذا العام حيث تراجعت حتى الآن بنسبة 4 بالمئة.

ومن المحتمل أن تفقد الليرة 8 بالمئة تقريبا من قيمتها بحلول الربع الثالث من العام، وفقا لمسح أجرته مؤخرا وكالة بلومبيرغ للأنباء الاقتصادية. وتتوقع تي.دي سيكيوريتيز، وهي مؤسسة استثمارية مقرها تورنتو، عودة أزمة العملة التي حدثت العام الماضي بحلول الربع الثالث.

ورجّح كريستيان ماجيو، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في مؤسسة تي.دي هذا الشهر، أن تتعرض الليرة لضغوط بسبب انكماش الاقتصاد المتزايد، والتضخم ودولرة الاقتصاد والتوقعات “القاتمة” لبنوك البلاد.

ويتوقع مَسح للبنك المركزي شمل 96 من الاقتصاديين وغيرهم من قادة الرأي أن التضخم سينتهي هذا العام عند 15.6 بالمئة، أي أعلى بنحو 6 بالمئة من توقعات البيرق لرقم في خانة الآحاد.

ورجح المسح أن تصل أسعار الفائدة إلى 18.35 بالمئة بعد 12 شهرا. وقال البنك المركزي إن الاقتصاد من المتوقع أن ينمو بنسبة 1.2 بالمئة هذا العام.

أسباب القلق دفعت شركة وليام بلير أند كومباني الأميركية، التي تدير حوالي 100 مليار دولار من الأصول، إلى تقليل انكشافها على الليرة التركية.

وقالت إن الاقتصاد الهش قد يكون أقل ما يثير مخاوف المستثمرين، وأن مصدر القلق الأكبر هو أن تجد تركيا نفسها قريبا في أزمة سياسية أخرى مع الولايات المتحدة، هذه المرة بسبب عزمها شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية أس 400.

10