حماس المتأزمة والمحور المرتجف

بعد ثلاثة أسابيع من حرب إسرائيلية شرسة على قطاع غزة، بدأت صورة مغامرة حركة حماس العسكرية تتضح سياسيا واقتصاديا وإنسانيا. فقد أدركت الحركة أن الحرب لم تكن نزهة تتحكم بسيرها ومحطاتها، ولم تستطع امتلاك مفاتيح إدارة المشهد من خلال المناورة بأسراها من إسرائيليين، فانتقل مشهد فوضى يوم السابع من أكتوبر وما بعده من الجانب الإسرائيلي ليصبح تخبطا واضحا في الجانب الحمساوي، فلا بد من الاعتراف بأن إسرائيل نجحت بتجيير الفوضى لصالحها.. من خلال تلقي صدمة العملية العسكرية الحمساوية، وخلقت الظروف المواتية لتحقق من خلالها دعما دوليا سياسيا وعسكريا غير مسبوق.
الدعم الدولي جعل هامش حركة حماس محدودا، فحجم الضربات العسكرية الإسرائيلية فاق توقعاتها، وسيناريو الحرب الدائرة بهذه الشراسة لم يكن ضمن حساباتها التي كانت تعتمد على وجود الأسرى الإسرائيليين في القطاع، وعلى تدخل حلفائها في المحور الإيراني بالمنطقة.
صدمت الحركة بجدار الواقع المزيف والحرب الطاحنة. القصف متركز على بنية الحركة وشبكة أنفاقها من جهة، وعلى قياداتها وعناصرها العسكرية والسياسية من جهة أخرى، مما سبب خللا في التنظيم أدى إلى حالة التخبط في مشهدها الداخلي العسكري والسياسي، فضلا عن أن الأساليب الدعائية التي اعتمدتها الحركة في تسويق إمكانياتها وصمودها في الحرب لم تعد تجني ثمارها أمام الماكينة الدعائية الإسرائيلية والأميركية.
◙ الدعم الدولي جعل هامش حركة حماس محدودا، فحجم الضربات العسكرية الإسرائيلية فاق توقعاتها، وسيناريو الحرب الدائرة بهذه الشراسة لم يكن ضمن حساباتها
سلسلة الأحداث السياسية التي جرت مؤخرا وأهمها اللقاء مع أمين عام حزب الله، وما تمخض عنه من تسريبات حول طلب حماس انخراط الحزب في الحرب الجارية بشكل أوسع إنقاذا للحركة، وهو ما كان قد ألمحت إليه بانزعاج عدة قيادات من حماس عبر وسائل الإعلام، ليرد الحزب عبر أبواقه الإعلامية برسائل واضحة بأنه ليس بصدد فتح جبهة جديدة تجر لبنان إلى حرب تجلب مزيدا من الويلات على بلد يعاني ما يعانيه من أزمات سياسية واقتصادية. وهو انعكاس لموقف النظام الإيراني الذي يرغب في حصر التصعيد الجاري بأروقة السياسة ووسائل الإعلام فقط دون الانجرار إلى حرب تستهلك من رصيده ومكانته الشعبية داخل إيران.
الوجود الأميركي العسكري المتسارع في منطقة الشرق الأوسط جعل من إيران ومحورها المرتجف في حالة تردد وارتباك بين الذهاب نحو استفزاز محدود للولايات المتحدة عبر أدواتها في المنطقة دون الدخول في مواجهة مباشرة معها، وبين تحقيق مكاسب سياسية سريعة تقل فرصها يوما بعد يوم بسبب وضع حماس السياسي والعسكري المتأزم في قطاع غزة.
حركة حماس اليوم ونتيجة عوامل عديدة، تجد نفسها في وضع متأزم. الحديث الجاري عن طلب أميركي من قطر بإعادة النظر في علاقتها مع الحركة، والتي تقيم بعض قياداتها على أراضيها، يضع الحركة أمام معضلة إيجاد دولة حاضنة بديلة. ويأتي ذلك تزامنا مع إعلان آليات فرض حصار سياسي ومالي أميركي يضع الحركة في مأزق جديد. وهو ما جعل الحركة تذهب مهرولة نحو الشرق بعقلية براغماتية، لعقد لقاء مع ممثلين عن وزارة الخارجية الروسية لفتح أبواب جديدة بعلاقاتها قد تحلّ عقد الخناق والحصار الذي بدأ يفرض حولها، وذلك من خلال تقديم “هبات سياسية” لنظام بوتين بالإفراج عن مواطنين روس احتجزتهم من ضمن من احتجزت، لعل ذلك ينتشل الحركة من المستنقع الذي وضعت نفسها فيه.
الحقيقة الثابتة الآن أن مكانة حماس السياسية ما بعد السابع من أكتوبر لن تكون كما قبله.