حلقات مسلسل نهب الآثار العراقية لا تنتهي

القطع النفيسة المستردة لا تعني توقف السرقة والتهريب.
الاثنين 2021/08/23
هوية العراق تاريخه

نجح العراق في استرداد الآلاف من القطع الأثرية التي تم تهريبها منذ سنة 2003 إلى اليوم، لكن ذلك لا يعني أن حلقات النهب والسرقة انتهت، فمازالت عمليات التنقيب غير المشروع متواصلة من قبل عصابات في ظل غياب تطبيق القانون والمراقبة التي تحمي كنوز وهوية البلاد.

بغداد – لا يزال نزيف تهريب الآثار هادرا في العراق، رغم نجاح البلد الجريح في استرداد 17 ألف قطعة أثرية مؤخرا.

في التاسع والعشرين من يوليو الماضي حطت طائرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مطار بغداد قادمة من الولايات المتحدة، وعلى متنها 17 ألف قطعة أثرية عراقية مستردة من واشنطن.

وقالت السلطات العراقية آنذاك إن الآثار المستردة بينها قطعة أثرية يعود تاريخها إلى 4 آلاف عام، وجرى تهريبها خارج البلاد في خضم الفوضى الأمنية التي رافقت احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

الأرقام الرسمية تغيب عن رصد نزيف الآثار المهربة في ظل حالة الفوضى الأمنية واستمرار العصابات في عمليات التنقيب

واعتبر وزير الثقافة حسن ناظم، في مؤتمر بمطار بغداد آنذاك، أن استعادة القطع الأثرية “أكبر عملية استرداد لآثار العراق”.

وتغيب الأرقام الرسمية عن رصد نزيف الآثار العراقية المهربة خارج البلاد، لاسيما في ظل حالة الفوضى الأمنية واستمرار العصابات في عمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار.

ويقول المتحدث باسم وزارة الثقافة أحمد العلياوي “العراق استعاد الآلاف من القطع الأثرية منذ عام 2003، ولا يزال يواصل العمل لاستعادة ما تبقى من الآثار المهربة”.

ويضيف العلياوي “هناك تعاون مع الدول التي هربت إليها الآثار (لم يسمها) من أجل استعادتها خلال الفترة المقبلة”.

ويوضح “العراق لا يملك إحصائية دقيقة بشأن عدد القطع الأثرية المهربة إلى الخارج، والتي كانت وراء معظمها عصابات التهريب.. القوات الأمنية تكثف تواجدها قرب المناطق الأثرية للحد من عمليات التنقيب غير المشروع”.

وعلى وقع الاحتلال الأميركي عام 2003، تعرضت الآثار العراقية إلى عملية نهب ممنهجة طالت المتاحف والمواقع الأثرية.

وفقد العراق أكثر من 15 ألف قطعة أثرية من متحف بغداد وحده، تعود إلى حضارات مختلفة بدءا من السومرية قبل 4 آلاف عام ومرورا بالبابلية والآشورية وصولا إلى الحضارة الإسلامية.

ومن بين القطع المفقودة التي وافقت الولايات المتحدة على إعادتها لوح أثري مصنوع من الطين مكتوب عليه باللغة المسمارية جزء من “ملحمة جلجامش” السومرية التي تُعد أحد أقدم الأعمال الأدبية للبشرية.

ويتهم محمد العبيدي أستاذ تاريخ الفن والآثار في الجامعة المستنصرية ببغداد (حكومية) “القوات الأميركية في عام 2003 بالاستيلاء على المئات من القطع الأثرية”.

ويضيف العبيدي “هناك تنسيق رباعي بين وزارتي الثقافة والخارجية من جانب، ومنظمة اليونسكو والشرطة الدولية (الإنتربول) من جانب آخر لاستعادة جميع الآثار المهربة”.

ويقول “الحروب التي تعرض لها العراق، فضلا عن الاقتتال الداخلي، جميعها عوامل أسفرت عن هشاشة الوضع الأمني الذي سمح بعمليات التهريب المكثفة”.

وبيّن العبيدي أن تنظيم “داعش” عند سيطرته على المحافظات العراقية في عام 2014 أقدم على تهريب آثار تصل قيمتها إلى الملايين من الدولارات.

ويوضح أن “القانون الدولي يلزم الدول بإعادة الآثار المسروقة إلى بلدانها الأصلية خلال مدة أقصاها 3 سنوات من تاريخ رفع دعوى قضائية بهذا الشأن”.

متحف الحضارات المتعاقبة
متحف الحضارات المتعاقبة

ورغم ذلك لا تزال أمام العراق مهمة شاقة لتعقب آثاره في المزادات والأسواق السوداء وخوض العشرات من النزاعات القضائية لاستردادها، لكن بغداد تعول على تفاهمات مع حكومات البلدان التي هربت إليها القطع الأثرية.

ويقول عضو لجنة الثقافة بمجلس النواب بشار الكيكي إن “العراق اتفق مع العديد من الدول من أجل استعادة الآلاف من القطع الأثرية خلال الأشهر القليلة المقبلة”.

ويضيف “وزارة الخارجية فاتحت جميع البلدان حول العالم من أجل إبلاغها باحتمال وجود قطع أثرية تعود ملكيتها إلى العراق على أراضيها”.

ويوضح “العاصمة بغداد ومدينة الموصل بمحافظة نينوى (شمال)، أكثر المدن التي شهدت تهريبا للآثار خلال السنوات الماضية”.

وكشف تقرير استقصائي حديث فقدان نينوى 90 في المئة من معالمها الأثرية، فيما أشار إلى أن المحافظة تدمرت باشتراك داعش و”الميليشيات” ومؤسسات حكومية.

وبحسب التقرير الذي أعده نوزت شمدين وفريق نينوى الاستقصائي، فإن المحافظة لم تستفد طوال قرون من آثار ممالكها العظيمة التي لا تقدر بثمن، والتي كانت يمكن أن تشكل قبلة للسياح.

وحطم داعش تماثيل ومجسمات أثرية في متحف الموصل بمحافظة نينوى (شمال)، كما نهب القطع النفيسة من المتحف وهربها إلى الخارج.

وجرف التنظيم الإرهابي مواقع أثرية مهمة، بينها مدينة النمرود (30 كلم جنوب الموصل) والتي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وتعد أحد أهم المواقع الأثرية في العراق والشرق الأوسط.

و”النمرود” هي التسمية المحلية بالعربية لمدينة كالخو (كالح) الآشورية التي بنيت على نهر دجلة على يد الملك الآشوري شلمنصر الأول، وكانت عاصمة الحكم خلال الإمبراطورية الآشورية الوسيطة.

واستغلت عصابات الجريمة المنظمة هشاشة الأمن خلال العقدين الماضيين لنهب الآثار من المتاحف والتنقيب عنها في المواقع الأثرية التي لا تحظى بحماية كافية.

وسادت الفوضى في البلاد عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، عقب حل المؤسسات الأمنية والجيش، قبل أن تدخل البلاد حربا طائفية بين عامي 2006 و2008 في ظل هجمات متواصلة شنها تنظيم “القاعدة” على القوات الأميركية.

وكان أسوأ انهيار أمني في العراق عندما اجتاح تنظيم “داعش” شمالي وغربي البلاد عام 2014، وسيطرته على ثلث مساحة البلاد حتى عام 2017.ورغم إعلان العراق تحقيق النصر على “داعش” باستعادة كامل أراضيه، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بالعراق ويشن هجمات بين فترات متباينة.

20