حكومة مصطفى بين موقف حماس وبيان فتح

بعد انقلاب حركة حماس في قطاع غزة في العام 2007 أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة الدكتور سلام فياض، الذي قاد آنذاك مرحلة استكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية مستندا على جدار شرعية منظمة التحرير الفلسطينية، وفقا لمتطلبات دولية كانت ترى في تشدد حكومة إسماعيل هنية وتصلب برنامجها عائقا لتعاون حقيقي بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي ومؤسساته، خاصة وأن حكومة فياض سارت بمسارات إعادة بناء مؤسسات السلطة وترقيتها إلى مؤسسات دولة، وهو ما عبر عنه تقرير البنك الدولي عام 2012، باعتراف صريح وواضح بأن مؤسسات السلطة أصبحت جاهزة لتكون مؤسسات دولة.
حركة حماس من ذلك الوقت إلى اليوم لم تستوعب بعقليتها السياسية المنغلقة والمرتهنة لأجندات إقليمية، أن الواقع الدولي لم يتقبل وجودها في حكومة فلسطينية إبان فوزها في الانتخابات التشريعية بل سارع إلى حصارها ماليا وسياسيا، في توقيت كان الشعب الفلسطيني أحوج إلى دعم دولي يدفع نحو عملية سياسية واقتصادية متكاملة بعد انسحاب حكومة أرييل شارون من قطاع غزة نتيجة انتفاضة شعبية مسلحة تعاملت معها أجهزة إسرائيل العسكرية بضرب واستهداف مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وها هي حماس تكرر ذات الخطيئة السياسية بذات القصور الفكري بشن هجوم على تكليف محمد مصطفى بتشكيل حكومة تكنوقراط لقيادة مرحلة حرجة تتطلب تضافر التواصل والاتصال بلغة سياسية واقعية تلامس خطاب المجتمع الدولي وأروقة مؤسساته لقطع الطريق أمام توغل سياسات حكومة اليمين الإسرائيلي الهادفة إلى كسر صمود الشعب الفلسطيني المنكوب على أرضه.
◙ ليس مستغربا أن تذهب تيارات داخل حماس لتأييد بيان حركة فتح، تيارات أصبحت تتنكر لأفعال تيار يحيى السنوار وشعاراته ومحاولاته رهن قرار الحركة لأجندات رأت في الشعب الفلسطيني جسرا لمصالحها
خطوة تشكيل حكومة تكنوقراط ضرورة ملحة، لن تعود بالنفع على الفلسطينيين فقط بل أيضا تصب في صالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية لكونها سلاحا سياسيا يمنحها التوازن في معادلة التناقض مع بنيامين نتنياهو وحكومته، لذلك كان التعجيل في إعلانات التأييد والاعتراف بشرعية حكومة محمد مصطفى من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مجددا، موقف حماس وفصائل الفلك الإيراني ينم عن عقلية لم تدرك حقيقة معاناة الشعب الفلسطيني، وحجم الدعم الدولي المطلوب للخروج من ويلاته، فالحقيقة أن حماس تسعى لإبقاء وجودها في القطاع من خلال تأمين حماية أمنية وسياسية لقادتها بمفاوضات عبثية مع حكومة نتنياهو على حساب الكيانية الفلسطينية الموحدة نظاما وجغرافيا، وهو ما عبر عن بيان حركة فتح التي خرجت للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر بموقف جريء يليق بحجمها في الشارع الفلسطيني ويمثل ما يجول في خاطر قطاعات وشرائح المجتمع الفلسطيني ويتحدث بلسانهم بهدم أصنام صنعتها الماكينة الإعلامية الإيرانية والقطرية الإخوانية، فلا أحد يعفي الاحتلال الغازي المجرم من جرائمه، لكن في المقابل لا أحد يعفي حركة حماس من مسؤوليتها عن عدم حمايتها للشعب الفلسطيني، وخوضها حربا لم تستعد لها، ولم تستطع مواكبة ارتداداتها ونتائجها فتركت الشعب يئن من الموت والجوع والمرض والعوز.
بيان فتح، وإنْ كان متأخرا فقد أثار جدلا مطلوبا يؤسس لفكر وموقف أكثر حزما أمام المغامرات غير المحسوبة من تيار داخل حماس لن يجد حلولا ولن يملك مقومات استنهاض الشعب الفلسطيني في القطاع من واقع أزماته المركبة، وليس مستغربا أن تذهب تيارات داخل حماس لتأييد بيان حركة فتح، تيارات أصبحت تتنكر لأفعال ومغامرات تيار يحيى السنوار وشعاراته ومحاولاته للاستحواذ على قرار الحركة ورهنه لأجندات رأت في الشعب الفلسطيني جسرا لمصالحها وقربانا في معابدها السياسية.