حكومة السودان تربح الشارع قبل 30 يونيو

اجتماع موسع بين التحالف ورئيس الوزراء السوداني أفضى إلى توافقات بشأن "تصحيح المسار" لاستكمال مطالب الثورة.
الأربعاء 2020/06/24
الحكومة تتبنى مطالب الشارع

الخرطوم- استبقت الحكومة الانتقالية في السودان المظاهرات التي دعت إليها قوى سياسية عديدة في 30 يونيو المقبل، وأصدرت جملة من القرارات هدفت لترميم ثقوب المرحلة الانتقالية، بالتزامن مع الذكرى الأولى للدعوات الاحتجاجية التي قادها تحالف الحرية والتغيير العام الماضي، وبدت كمقدمة للوصول إلى توافق بين المكونين المدني والعسكري وأفرزت تشكيل الحكومة الحالية.

وأعلنت الحكومة الانتقالية، الثلاثاء، أنها عقدت اجتماعا مع المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، مساء الاثنين، بحضور رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وتبنت مطالب الشارع التي تصاعدت الأيام الماضية، مؤكدة حقه في التظاهر، مع ضرورة مراعاة الضوابط الصحية اللازمة لعدم تضرر المواطنين.

تزامن الاجتماع مع إشارات من جانب وزارة الخارجية، أوحت فيها أن الأمور تسير بوتيرة جيدة لرفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وملف تسوية أزمة تفجير سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا أوشك إغلاقه.

وتقرر الشروع في تعيين الولاة المدنيين، وتشكيل المجلس التشريعي، مع الوضع في الاعتبار المقاعد المخصصة لكتلة السلام (من دون تحديد موعد زمني)، وإجراء تعديل وزاري بعد تقييمات مشتركة لأداء الوزارات، وتشكيل وفد مشترك للعمل على إزالة كل العقبات التي تعترض مسار السلام.

الحكومة الانتقالية احتضنت مبكرا المظاهرات المتوقعة بما لا يعطي فرصة أمام فلول النظام البائد للسيطرة عليها

وهدف الاجتماع إلى إحداث حالة من النقاش المباشر مع تجمع المهنيين السودانيين، أحد أبرز مكونات قوى الحرية والتغيير، والذي دعا لتنظيم مليونية في 30 يونيو الجاري، باسم “تصحيح المسار”، لاستكمال مطالب الثورة، فضلا عن التوافق حول الخطوط العريضة التي لا يمكن تجاوزها خلال التظاهرات واحتواء مطالب التجمع وإبداء حسن النية في المضي قدماً لتنفيذها.

ويرى مراقبون، أن الحكومة احتضنت مبكرا المظاهرات المتوقعة بما لا يعطي فرصة أمام فلول النظام البائد للسيطرة عليها وتطويعها لصالح الرغبة في إسقاطها، وأبدت استعدادها لتقديم المزيد من التنازلات لصالح استقرار الشارع، وحقق الاجتماع هدفه الرئيسي لإعادة التوافق بين العديد من مكونات الحرية والتغيير والحكومة، في ظل انشقاقات حدثت خلال الفترة الماضية.

حازت الحكومة على موافقة تحالف قوى الحرية والتغيير بشأن الإجراءات التي أصدرتها اللجنة الاقتصادية العليا للطوارئ، ما يجعلها تقدم على اتخاذ جملة من القرارات الصعبة مرتكزة على ظهير شعبي وسياسي مؤيد لها، ما يشير إلى نيتها إصدار عدد من القرارات لمعالجة تخفيف أعباء المعيشة وتوفير السلع الضرورية ومعالجة أزمة الدواء بالسرعة المطلوبة.

وأكد القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير، نورالدين صلاح الدين، أن تفاقم مشكلات الشارع تطلبت أن يكون هناك اجتماع موسع بين التحالف ورئيس الوزراء وعدم الركون على اجتماعات اللجان المشتركة بين الحكومة والتحالف، لأن هناك مطالب بحاجة لقرار سياسي مباشر من الحكومة ومجلس السيادة.

وأضاف لـ”العرب”، أن قوى الحرية والتغيير وجدت أن هناك رغبة من قبل السلطة الانتقالية في إحداث تعديلات وزارية موسعة، والشروع في تعيين المجلس التشريعي والولاة المدنيين وعدم الانتظار فترات أطول، لما سببه ذلك من تأثير سلبي على المرحلة الانتقالية، وأفرز تشكيل لجان للتواصل مع الحركات المسلحة بشأن حصصها في الحكومة والتشريعي والولايات دون انتظار لتوقيع السلام.

وتعد مفاوضات السلام الجارية أحد أبرز المعوقات أمام تنفيذ مخرجات الاجتماع الأخير، في ظل عدم حسم ملف السلطة بين الحكومة والجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وسياسية، ما يعني أن الحكومة الانتقالية قد تكون أمام مأزق آخر حال أقدمت على استكمال هياكل السلطة من دون موافقة الجبهة الثورية بما يعرقل جهود السلام ويبدد آمال المواطنين في الوصول إلى اتفاق نهائي.

ويقول مراقبون، إن الحكومة ضربت عصفورين بحجر واحد، لأن مضيها في إجراءات استكمال هياكل السلطة يشكل ورقة ضغط مطلوبة في الوقت الحالي لإنجاز مفاوضات السلام التي تراوح مكانها منذ عدة أيام نظراً لوجود قضايا أمنية وسياسية عالقة بين الطرفين، وأنها استجابت لطلب الشارع الذي تململ من الأوضاع الحالية ويريد الشعور بأن مطالبه تلقى آذانا صاغية من الحكومة.

وعلمت “العرب” أن الوفد المشكل من قبل الحكومة وقوى الحرية والتغيير سوف يطرح تخصيص مقعدين للجبهة الثورية في مجلس السيادة، وأربعة وزراء اتحاديين، و50 مقعداً في المجلس التشريعي، وتمثيل واسع في الولايات، غير أن تلك المخصصات مازالت تلقى رفضاً من قبل الجبهة الثورية التي تطالب بنسبة تصل إلى 45 في المئة في هياكل السلطة العليا.

حمدوك أراد إيصال رسائل عديدة مفادها أنه يعمل مع حكومته لتخطي أشواك المرحلة الانتقالية
حمدوك أراد إيصال رسائل عديدة مفادها أنه يعمل مع حكومته لتخطي أشواك المرحلة الانتقالية

تدرك الحكومة أن الخلافات على نسب المحاصصة لا تعني كثيراً للمواطنين في الشارع، ولعل ذلك ما جعل تركيزها ينصب على التعامل مع تململ الشارع من إجراءات العدالة الانتقالية البطيئة، وعدم إحداث إصلاحات في النظام القضائي والتعثر في محاسبة مرتكبي حادث فض الاعتصام أمام قيادة القوات المسلحة.

وذهب البعض من المتابعين، للتأكيد على أن قرارات، الاثنين، هدفت لتهيئة البيئة الداخلية المناسبة قبل بدء عمل بعثة الأمم المتحدة تحت البند السادس “يوناميتس”، وإظهار قدر من التماسك الداخلي حول جملة من القضايا الرئيسية التي تقوم عليها المرحلة الانتقالية، وأن هناك تقاربا كبيرا بين الشارع والحكومة الانتقالية.

وكشف الاجتماع أهمية وحدة تحالف الحرية والتغيير ومكوناته المختلفة في هذه المرحلة الحرجة، والتأمين على بعثة الأمم المتحدة تحت البند السادس، وشدد الاجتماع على الالتزام الصارم بالصلاحيات المحددة لهياكل السلطة، كما وردت في الوثيقة الدستورية.

وأشار المحلل السياسي، شوقي عبدالعظيم، إلى أن حمدوك أراد إيصال رسائل عديدة للشارع والقوى السياسية والحركات المسلحة وبعثة الأمم المتحدة، مفادها أنه يعمل مع حكومته لتخطي أشواك المرحلة الانتقالية، ولا يتوانى عن إحداث مراجعات في التوقيتات المناسبة، وأن هناك رغبة في الاستماع لجميع الأصوات والحصول على توافق أكبر قدر من مكونات قوى الثورة.

وتوقع في تصريح له إجراء تعديل وزاري خلال أيام يشمل سبعة وزراء، ليكون بمثابة مقدمة للتأكيد على أنه سوف يجري استكمال هياكل السلطة في حال استمرار مفاوضات السلام، وأن هذا التعديل يعد بمثابة تحرك استباقي يبرهن على عدم قدرة أي طرف في تكبيل أذرع الحكومة وإرغامها على تأجيل الاستحقاقات.

7