حكومة السوداني وحلول المرحلة الصعبة

بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تشكيل حكومة السوداني ينبغي الوقوف على أبرز معوقات إصلاح النظام الاقتصادي والعمل على أن يكون الإصلاح متسقاً تماماً مع الإصلاح السياسي وبشكل لا ينفصل عنه.
الثلاثاء 2023/05/16
السوداني بدأ خطواته نحو معالجة الفساد بصورة واقعية

واجهت حكومة محمد شياع السوداني الكثير من العقبات وكان أبرزها عبور حالة الصراع التي تولدت داخل القوى السياسية من جهة، وحالة اللامقبولية التي أظهرتها بعض القوى السياسية أمام تشكيل الحكومة ورفضها المشاركة فيها من جهة أخرى، ما سبّب حالة من عدم التوازن بين القوى السياسية برمّتها. ولكن، وعلى الرغم من هذا الصراع إلا أن السوداني كان جادا في حل المشاكل وإنهاء حالة الاتكال والرتابة في تسيير أمور الدولة العراقية.

السوداني بدأ خطواته نحو معالجة الفساد بصورة واقعية بعيدا عن الإيهام والشعارات التي تركت مال العراق عبثاً بأيدي الفاسدين والسراق، فالمبالغ التي هرّبت تقدر بأكثر من 300 مليار دولار بين تهريب وشراء عقارات وأسهم لشركات داخل العراق وخارجه، بل تعدته إلى سرقة المال العام في وضح النهار وبأساليب شيطانية وتحت غطاء القانون.

السوداني بدأ حرباً شاملة على كل أنواع الفساد، وحيّد الأحزاب وأبعدها عن أيّ تدخل بالشأن الاقتصادي أو الأمني، إلى جانب ذلك استطاع أن يستقل بقراراته المركزية بعيدا عن أيّ تأثير حزبي من هنا أو هناك، معتمدا على تدرجه في كافة مفاصل الحكومة، فهو اعتلى أول منصب عندما كان “قائم مقام”، وأخذ يتسلم المناصب العليا حتى وصل إلى رئاسة الوزراء.

◙ ينبغي الاعتماد كلياً على الارتفاع الطارئ لأسعار النفط العالمية، بل ينبغي الإسراع بوضع إستراتيجية اقتصادية تعتمد على إيجاد خزين هائل من المال والذهب في البنك المركزي العراقي

أهمّ ما يمكن أن يشكل حلاً سريعاً لمشكلات العراق هو الملف الاقتصادي، حيث أن المؤشرات تشير، وبصورة واضحة، إلى أن الأمور كانت متجهة في عام 2020 إلى الانهيار، وكان النظام السياسي والقوى السياسية تعيش خطرا حقيقيا بفعل هذه الأزمة، وكانت هذه القوى تبحث عن حلول سريعة، ولكن بعد تلاشي خطر الانهيار وارتفاع أسعار النفط أعادت النخبة تبني السياسات المتبعة منذ عام 2003، وتخلت عن كل الأفكار التي تتعلق بتغيير النهج الاقتصادي

إن الفرص التي أتاحها التدفق النقدي لرؤوس الأموال من الخارج، وتطور سوق الأوراق المالية لم تكن كافية لإصلاح الهيكل الإداري للمال في العراق، بل كان ينبغي العمل على تنويع أبواب الاقتصاد من خلال تنويع الإيرادات وعدم الاعتماد على النفط، بل ينبغي الإسراع في إيجاد أبواب جديدة لرفد الاقتصاد العراقي بإيرادات إضافية من خلال فتح أبواب استثمار في مجالات متعددة أهمها السياحة والتي تعتبر نبض العراق، ومن أهم العناصر الأساسية في إثراء ميزانية الدولة بالمليارات من الدولارات سنوياً.

الآن وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على تشكيل حكومة السوداني ينبغي الوقوف على أبرز معوقات إصلاح النظام الاقتصادي، والعمل على أن يكون الإصلاح متسقاً تماماً مع الإصلاح السياسي وبشكل لا ينفصل عنه، إذ لا يمكن إصلاح ملف بمعزل عن الآخر. ومن المهم جداً العمل على إيجاد الثقة الضرورية بين الجمهور وبين هذه الطبقة السياسية، وبما يعزز قوتها في إجراء الإصلاحات الضرورية على الهيكل الأساسي للدولة.

لا ينبغي الاعتماد كلياً على الارتفاع الطارئ لأسعار النفط العالمية، بل ينبغي الإسراع بوضع إستراتيجية اقتصادية تعتمد على إيجاد خزين هائل من المال والذهب في البنك المركزي العراقي. عدا ذلك ربما تعود نفس المشاكل السابقة التي برزت في 2020 ما لم يتم تدارك الموقف وتعالج الحكومة الملف الاقتصادي بالتوازي مع الملف السياسي. وطالما أن الاقتصاد العراقي الحالي غير مستدام، ستكافح الحكومة، في المستقبل القريب، من أجل توفير رواتب الموظفين والمتقاعدين، ناهيك عن الحفاظ على المستوى الاجتماعي والاقتصادي للفرد العراقي، وعلى نطاق كافٍ لمنع أيّ اضطراب اجتماعي محتمل وإعادة شحن للشارع العراقي مستقبلاً.

8