حكومة السوداني وأولويات المرحلة

منذ تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني في تشرين الأول – أكتوبر من العام الماضي، وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر، تبنت هذه الحكومة أولويات وضعتها في مقدمة برامجها، وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي تقوم بها الحكومة، وهي واضحة للعيان ولا يمكن إنكارها، إلا أن هناك بعض الأمور، التي من شأنها أن تضع النقاط على الحروف في مسيرتها نحو الاستقرار السياسي.
من أبرز التحديات التي تواجه الدولة العراقية الملف الاقتصادي الذي يتعلق بطريقة معالجة البنى الاقتصادية للدولة من جانب، وتحمل المسؤولية التنفيذية في معالجة الإخفاق من جانب آخر. فعلى الجميع تحمل المسؤولية في مواجهة التحدي الاقتصادي الخطير الذي يتأثر بالزيادة السكانية الكبيرة، مع تراجع وتغيّر في الموارد الطبيعية، ومن أبرزها الجفاف والتصحر والتغير المناخي، والأزمات الاقتصادية المتتالية التي يعانيها العالم اليوم.
المسؤولية لا تقع فقط على الجهاز التنفيذي، بل هي مسؤولية مشتركة بين جميع القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، فيتطلب من الجميع التكاتف، وإعطاء الأولوية القصوى في مواجهة هذا التحدي الذي يمس قوت شعبنا ومستقبل أجيالنا.
◙ ينبغي إبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية بجميع صنوفها عن أي تجاذبات سياسية، وعدم السماح لأي جهة سياسية بالتدخل في عملها
كما أنه أمام هذه التحديات، ينبغي أن تكون هناك رؤية اقتصادية واضحة، وخطوات إصلاحية جريئة، إذ لا يمكن أن تكون هناك خطوات تصحيحية ما لم يكن هناك دعم وتعاون مجتمعي يعي أهمية التحدي الاقتصادي، وخطورته المستقبلية على البلاد.
نشر الوعي بين أبناء الشعب، ودفعه لمشاركته في الرؤية الإستراتيجية لأي خطوة إصلاحية بنيوية، من شأنه أن يقطع الطريق أمام المتربصين والمتصيدين، إلى جانب تحديد أسقف زمنية محددة، وبنسب إنجاز أي مشروع أو خطوة إصلاحية إلى مؤسسات الدولة.
كما ينبغي مصارحة الشعب العراقي بأي ملف يمس حياته اليومية، وأولها ملف الطاقة الكهربائية، والذي ينبغي أن يعرف الجميع متى سنصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من إنتاج الطاقة الكهربائية، وغيرها من مشاريع هي بمساس بحياة المواطن العراقي.
التحدي الآخر الذي يقف عائقاً أمام الحكومة، هو العمل الجاد والمضني من أجل إرساء وتدعيم قواعد الاستقرار في البلاد، حيث استطاع العراق أن يتجاوز ظرفاً صعباً بالغ التعقيد، خصوصاً ونحن نستذكر الذكرى العشرين لتأسيس النظام الديمقراطي الاتحادي الفيدرالي في العراق، ونمتلك تجربة سياسية تستند على الإرادة الشعبية الواعية، بالإضافة إلى الوضع الإقليمي الساند والداعم للتجربة الديمقراطية الجديدة.
يأتي هذا الاستقرار من خلال الوقوف على قراءة الدستور العراقي من جديد، وإجراء التعديلات المطلوبة التي تتسق والمرحلة، وتشريع القوانين الهامة التي من أبرزها: قانون النفط والغاز، وقانون المحكمة الاتحادية، وقانون المجلس الاتحادي. وأيضا إيجاد الحلول الفعالة للخلافات بين الإقليم والمركز.
◙ نشر الوعي بين أبناء الشعب، ودفعه لمشاركته في الرؤية الإستراتيجية لأي خطوة إصلاحية بنيوية، من شأنه أن يقطع الطريق أمام المتربصين والمتصيدين
ويجب تقوية مؤسسات الدولة، وإبراز مهمة القضاء ودوره المهم في حل الخلافات، والتي ساهمت في إيجاد الأرضية المناسبة للتفاهم والحوار، كما ينبغي إبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية بجميع صنوفها عن أي تجاذبات سياسية، وعدم السماح لأي جهة سياسية بالتدخل في عملها، بالإضافة إلى إيجاد خطاب موحد وواع ووطني مسؤول يسهم في تعزيز الثقة بين المواطن والدولة، ويضع يده على نقاط الضعف ومواطن الخلل من أجل معالجتها.
ويجب أيضا مواصلة الانفتاح العراقي على الوضع الإقليمي والدولي، وتعزیز المشتركات والمصالح المتبادلة، إذ لا بد من الحفاظ على المنجز السیاسي المتحقق، على الصعید الإقلیمي والدولي في التواصل مع الجمیع، وتعزیز ذلك بمزید من الحرص والتفاعل، والشراكة المتبادلة مع دول المنطقة.
يبقى الملف الأهم هو الوقوف بوجه الظواهر الثقافية السلبية التي تريد النيل من المعتقد العراقي، وتحارب الموروث النقي الذي تعشقت به الروح العراقية، لأنه من شأنها أن تهدد أواصر المجتمع وتماسك الأسرة العراقية، حيث باتت تجارة المخدرات، والانحدار القیمي في السلوك عبر وسائل التواصل الاجتماعي خطراً یزید على خطر الإرهاب وداعش، فهناك من يستهدف أمن بلدنا ویعرّض شعبنا للضیاع والانحدار نحو الهاوية بتلك الأدوات القذرة.