حقوق الإنسان بمصر رقم في السياسة والاقتصاد مع أوروبا

في ظل أزمة اقتصادية وضغوط غربية، تتحرك القاهرة بخطى محسوبة لتحسين سجلها الحقوقي، في محاولة لفتح قنوات التمويل الأوروبي العالقة، حيث باتت قضايا حقوق الإنسان، وفي مقدمتها ملف الاختفاء القسري أداة تفاوضية في علاقات مصر الدولية، وسط محاولات رسمية لتخفيف الانتقادات الحقوقية دون المساس بثوابت الأمن الداخلي.
القاهرة - نشطت مؤسسات حكومية في مصر باتجاه عقد فعاليات لتسليط الضوء على السجل الحقوقي وإمكانية اتخاذ إجراءات تضمن تحسينه، مع حاجة القاهرة إلى جذب تمويلات خارجية تساعدها على التعامل مع الضغوط الاقتصادية الناجمة عن استقبالها أعدادا كبيرة من اللاجئين، وبدت التحركات موجهة إلى جهات دولية لديها ملاحظات على وضع حقوق الإنسان، ما أدى إلى بطء التعاون السياسي والاقتصادي مع القاهرة.
وعقد المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، الاثنين، لقاءً حواريًا موسعًا تحت عنوان “ضرورات وإمكانية الانضمام إلى الاتفاقيات والمواثيق والبروتوكولات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ورفع التحفظات عن بعض بنودها”، بهدف تقديم توصيات عملية لرفع التحفظات على بعض بنود الاتفاقيات الدولية بما يُسهم في حماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وجاء تنظيم الفعالية مع الاتحاد الأوروبي في وقت تنادي فيه مصر بتسريع صرف الدفعة الثانية من حزمة مساعدات اقتصادية مقدمة من الاتحاد بقيمة 4 مليارات يورو. وبدا أن السجل الحقوقي يشكل رقما مهما، ليس فقط في المعادلة السياسية، لكن أيضا على المستوى الاقتصادي، بعد تصاعد لهجة منظمات حقوقية غربية طالبت الاتحاد الأوروبي بممارسة ضغوط كثيفة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بمصر قبل صرفها.
وكان من المقرر صرف الدفعة الثانية مطلع العام الجاري، وزار وفد أوروبي رفيع بمشاركة رئيسية المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين القاهرة منذ شهرين، فيما تقوم بعثة من المفوضية بإجراء زيارة ثانية إلى مصر قبل نهاية مايو الجاري لإتمام الإجراءات المتعلقة بصرف الشريحة الثانية من الآلية.
وقالت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب خلال الفعالية الأخيرة إن مصر لديها مصلحة في الانضمام لأكبر عدد ممكن من اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لأن البلاد تمر بمرحلة تحول اقتصادي مهمة وحين تكون سمعة الدولة جيدة في مجال حقوق الإنسان، فهذا عنصر جاذب للاستثمارات الأجنبية.
وتنضم مصر إلى ثماني اتفاقيات أساسية لمنظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من بين تسع اتفاقيات، وطالب مجلس حقوق الإنسان في توصياته الأخيرة بانضمام القاهرة إلى اتفاقية منع الاختفاء القسري، وتعد أحد أبرز النقاط التي تركز عليها انتقادات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لمصر في سجلها الحقوقي.
وأوضحت مشيرة خطاب أن جريمة الاختفاء القسري لها صدى ومعنى قاتمان، في حين يمكن التغلب على ذلك ومسح هذه التهمة من سجلنا، موضحة أن السبب في الاتهام أو دعاوى الاختفاء القسري أنه حين يتم توقيف شخص للاشتباه فيه، ينص القانون على السماح لهذا الشخص بالاتصال وإبلاغ ذويه، وأحيانًا لا يحدث ذلك، بالتالي تتعرض الدولة لتهمة خطيرة قائلة “أتمنى أن تنضم مصر لاتفاقية منع الاختفاء القسري ويوصي المجلس القومي لحقوق الإنسان بذلك.”
وحضر وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي مؤخرا الاجتماع الوزاري الرابع للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وتطرق لمناقشة التوصيات التي تلقتها مصر في إطار آلية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان بجنيف، وتم استعراض أعمال الدورة الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التي عُقدت في مارس الماضي.
وتركز السياسة المصرية حاليا على الاقتصاد، وتسعى للدخول في شراكات تجارية واستثمارية جعلت من مسألة حقوق الإنسان أبعادا اقتصادية، بخاصة في ما يتعلق بتعامل القاهرة مع اللاجئين الفارين إليها من مناطق الصراعات، وأوضاع الحريات التي تشجع المستثمرين على التوافد إليها.
وتقتضي المرحلة الراهنة أن تذهب القاهرة باتجاه الاستجابة لبعض المطالب الحقوقية في وقت تعتمد فيه على جذب الاستثمارات لنجاح خطة الإصلاح التي تنفذها مع صندوق النقد الدولي، ولم يعد الاعتماد على قرارات مثل رفع الدعم والتقشف، قادرة على أن تحقق الأثر المرجو منها اقتصاديا، ما يتطلب صيغة مغايرة للتعاون الدولي.
وقال رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن ملف حقوق الإنسان من أدوات القوى الناعمة التي تنشط وتتراجع، وهو ملف حاضر في المفاوضات بشكل كبير، واستقرار الأوضاع السياسية مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يجعله بلا تصعيد، ومع تنامي التعاون الاقتصادي وتقديم مساعدات تصل إلى 7.4 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لمصر يعود الملف ليحظى بأهمية.
وأوضح لـ”العرب” أن المنظمات الحقوقية الدولية تنتظر أيّ مناسبة مهمة لتقديم ما لديها من تقارير، ويبدو أن الدفعة الثانية من اتفاق التمويل الأوروبي فرصة سانحة لذلك، وكان يمكن تمرير تلك الشريحة دون تعثر، حال لم يتم إثارتها في لجنة حقوق الإنسان داخل البرلمان الأوروبي، ما يلقى تأثيرا في الشارع الغربي، وأن خضوع الحكومات الأوروبية لشعوبها يساهم في التركيز على السجل الحقوقي المصري لكن ذلك في النهاية لا يبقى على حساب المصالح الاقتصادية والسياسية بين الطرفين.
◙ جهات دولية لديها ملاحظات على وضع حقوق الإنسان، ما أدى إلى بطء التعاون السياسي والاقتصادي مع القاهرة
وأشار إلى أن منظمات حقوقية لديها خلافات سياسية مع مصر توظف الملف ليكون شوكة في ظهرها، وتفويت الفرصة على إثارة الشارع جعل مسألة حقوق الإنسان منفذا مواتيا، غير أن الضغط في هذا الاتجاه لن يأتي بمرود قوى بعد أن شكلت الحرب على قطاع غزة نقطة فارقة في أوضاع حقوق الإنسان العالمية، ومصر لم تعد تعير الضغوط الخارجية اهتماما كبيرا لما تم ارتكابه من جرائم لم يتم تسليط الضوء عليها.
ويرى مراقبون أن التطرق لقضية الاختفاء القسري لا ينفصل عن ضغوط أوروبية على مصر لوقف ارتكابها، وهي من مطالب العرض الدوري الشامل الأخير أمام مجلس حقوق الإنسان، وسوف تتيح القاهرة حرية حركة أكبر أمام مجلس حقوق الإنسان لتبني تلك القضية ما يدعم الاستجابة للضغوط الخارجية ويقود إلى تحسين صورة المجلس مع خفض تصنيفه الدولي، ما يؤثر بشكل سلبي على التفاعل بين القاهرة والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، وغيره من الجهات الحقوقية الأخرى.
ولفت أيمن نصري في حديثه لـ”العرب” إلى أن خروج تصريحات شبه رسمية تتبنى مسألة التوقيع على معاهدة منع الاختفاء القسري ربما يأتي نتيجة لضغوط مارسها الاتحاد الأوروبي وتعبّر عن وعود مصرية بشأن تحسين السجل الحقوقي مع الربط المستمر بين أوضاع حقوق الإنسان وبين أيّ مساعدات يقدمها الاتحاد للدول التي ترتبط معه بمصالح مشتركة، وأن حجم التعاون الكبير بين الطرفين يجعل دول الاتحاد الأوروبي تبحث عن أكبر فائدة سياسية لها، غير أن مصر في المقابل لديها قدرة للتعاطي مع بعض المطالب فيما ترفض التجاوب مع مطالب أخرى.
ورفضت مصر 71 توصية من إجمالي 372 توصية قُدمت خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. وقالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رانيا المشاط إن تمويل الاتحاد الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو يتم على 3 مراحل وحتى نهاية 2026، ما يشير إلى وجود تعديل على طريقة تقديم الشريحة الثانية وكانت ستقدم على مرحلة واحدة.