حقائق جديدة عن الربيع العربي.. أميركا خططت لاحتواء الجهاديين فأحيتهم

لعبة توزيع الأدوار بين القاعدة والإخوان تسهم في رواج دور المتطرفين.
الأحد 2022/01/23
انفلات الجهاديين بعد دعم واشنطن للربيع العربي

أسرار الربيع العربي بدأت تتفكك بعد مرور عشر سنوات على الثورات التي قادت الإسلاميين إلى الحكم، سواء من ناحية علاقاتهم بالولايات المتحدة أو علاقاتهم البينية خاصة بين تنظيم القاعدة وبعض فروع جماعة الإخوان المسلمين والشخصيات المحسوبة عليها، وهذا ما ترصده كتب جديدة لباحثين غربيين.

خرجت في الآونة الأخيرة بعض الحقائق لكتّاب وباحثين غربيين غيرت من الصورة النمطية التي رُويت بها بعض الأحداث الكبرى في العقد الماضي، ما يشجّع على النظر فيها لبلورتها وفق المعلومات الجديدة.

وفجر الكاتب جون روسوماندو مفاجأة مرتبطة بحقبة الربيع العربي في كتابه الذي صدر مؤخرًا “كيف خدع الإخوان المسلمون واشنطن في سوريا وليبيا” والذي وصف فيه سياسات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بالفشل والسذاجة وإخفاء فشل سياساته بدلًا من إصلاحها.

وأكد أن المسؤولين في واشنطن كانوا على علم باتصالات جرت بين قادة من الإخوان والقاعدة خلال أحداث الثورات أو ما يوصف بالربيع العربي، وأن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أبلغ هيلاري كلينتون باتصالات بين شخصية إخوانية ليبية بارزة مع تنظيم القاعدة خلال انتفاضة فبراير 2011 التي أدت إلى سقوط نظام حكم العقيد معمر القذافي.

كشف روسوماندو أن سيدني بلومنتال، وهو صديق كلينتون ومستشارها، قد أبلغها أن جماعة الإخوان في مصر كان لها تواصل مع الجهاديين خلال الربيع العربي، لكن ذلك لم يمنع إدارة أوباما من الاحتفاء بأعضاء الإخوان ودعم تطلعاتهم في السلطة.

ويدعم مضمون هذه الدراسة طروحات سابقة لأحد كبار الصحافيين المتخصصين في الكتابة عن تنظيم القاعدة وهو لورانس رايت الحاصل على جائزة بولتزر عام 2006 وصاحب أشهر كتاب في سيرة مؤسس القاعدة أسامة بن لادن “البروج المشيدة”.

إذا كانت تفجيرات 11 سبتمبر أثبتت سوء تقدير القاعدة فقد أثبتت تداعيات الانتفاضات العربية سوء تقدير واشنطن

رصد رايت تواصلًا بين عناصر من أجهزة المخابرات الأميركية وقادة من القاعدة خلال الفترة بين 2005 و2010 ما دفعه إلى تقديم طلبات بفتح تحقيق مع المشتبه بتورطهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مرفقة بقائمة أسماء محددة من الطرفين تشير لتورط تلك الأجهزة فيها.

لم يلقَ طرح لورانس رايت بشأن العلاقات التي ربطت المخابرات الأميركية بتنظيم القاعدة الرواج المطلوب داخل الأوساط البحثية على الرغم من قضائه ما يقرب من أربع سنوات بين أعضاء وقادة التنظيم حصل خلالها على وثائق كثيرة، وما يزيد عن مئتي ساعة تصوير فيديو وآلاف الصور الفوتوغرافية التي تثبت هذه العلاقة وتوثقها، ما مكّنه من صياغة تصور متماسك يتسق مع نشأة القاعدة في كنف المخابرات الأميركية ليس بدعمها فقط بل برعاية كاملة لمواجهة أعداء الولايات المتحدة وليس الروس فقط.

جددت المعلومات التي ضمنها جون روسوماندو دراسته الأخيرة مستندًا إلى رؤية كبار مستشاري الرئيس باراك أوباما ومنهم البروفيسور السابق في كلية رودس كوينتان فيكتوروفيتش وهو مدير قسم الانخراط العالمي في مجلس الأمن القومي بدءًا من يناير 2011 بشأن فرضية أن السماح للإسلاميين بدخول الحكومة يخفّف تشدّدهم ويبعدهم عن الإرهاب النقاش والجدل حول طبيعة العلاقة التي تربط أجهزة الولايات المتحدة بتنظيم القاعدة وليس فحسب بجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي.

وطفا على السطح مجددًا تشكك باحثين في حقيقة انقلاب القاعدة ضد واشنطن بالنظر إلى العديد من الأسئلة التي سبق وطرحها لورانس رايت التي لم يجب عليها أحد حتى الآن والمتعلقة باتصالات قادة وعناصر القاعدة عبر القارات، وكيف لا تلتقطها أجهزة الأمن الدولية، فضلًا عن مؤسسات التنظيم الاقتصادية العملاقة ورؤوس أمواله الضخمة ولماذا لم تتعامل معها الأجهزة الأمنية للتضييق على مصادر تمويل التنظيم.

أرضية خصبة للقاعدة

روسوماندو كشف أن سيدني بلومنتال مستشار كلينتون، قد أبلغها أن جماعة الإخوان بمصر تتواصل مع الجهاديين خلال الربيع العربي

الجدلية التي يعيدها البعض من الباحثين الغربيين بعد أكثر من عقد على أحداث ما عُرف بثورات الربيع العربي للصدارة تدخل في صلب الإشكالية التي شغلت المساحة الأكبر من تفكير الساسة الأميركيين وخطط واشنطن وسياساتها الخارجية خلال السنوات الماضية، والمتعلقة بكيفية التوفيق بين القيم الديمقراطية والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة ليس فحسب بالشرق الأوسط بل في العالم كله.

إذا كانت هناك رواية أكاديمية وفكرية تبنّاها سياسيون أميركيون تقول إنه إذا جرى تمكين الأحزاب الإسلامية من السلطة سوف يقوض ذلك الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة، فكيف يتحقق هذا الهدف الرئيسي وهناك علاقات قائمة بين الإسلام السياسي والسلفية الجهادية، وكلاهما (القاعدة والإخوان) تجمعهما أهداف جيوسياسية واحدة بعيدة المدى مع اختلاف في بعض التفاصيل والتوقيتات بشأن التخلص من النظام الدولي المعاصر القائم على دول قومية لتحل مكانه الأمة الإسلامية الموحدة بسلطة سياسية مشتركة.

من المنطقي مع وجود تقارب فكري وحركي بين الإخوان والقاعدة أن يستفيد الأخير من الأحداث وهو الذي حشد أتباعه في الشرق الأوسط من منطلق معاداة الولايات المتحدة بوصفها هي من تدعم وتقوّي الأنظمة العربية التي تسببت في بؤس وشقاء وقهر شعوب عربية وإسلامية.

صب تسلسل الأحداث في خانة الرواية التي روجها الجهاديون، وفي مقدمتهم قادة وأعضاء القاعدة، وهو التنظيم الذي استغل المناخ العام الذي ساد الشرق الأوسط والمنطقة العربية بعد عقود طويلة من فشل موجة الثورات القومية العلمانية التي اندلعت في بدايات خمسينات القرن الماضي في تحقيق أحلام الشعوب، ما وفّر أرضية خصبة للقاعدة وغيرها من تنظيمات التطرف واعتبرت الولايات المتحدة التي تدعم الأنظمة والحكومات بالمنطقة العربية رأس الأفعى والسبب وراء كل مشكلات المجتمعات العربية الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى الرغم من تأخر استفادة القاعدة بعض الوقت من أحداث ثورات الربيع العربي بالمقارنة مع الإخوان، إلا أن نتائج تلك الانتفاضات الشعبية النهائية التي أزاحت أربعة رؤساء عرب ظلوا طويلًا بالسلطة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، قد تقاطعت مع النتائج التي وضعها قادة القاعدة نُصْبَ أعينهم وهم يخططون لتوجيه ضربات إلى الولايات المتحدة.

وكان أسامة بن لادن يتصور أن استهداف الولايات المتحدة عبر عمليات موجعة سيجبرها على التراجع نتيجة خروج الأميركيين للشوارع مطالبين حكومتهم بالانسحاب من الدول ذات الأغلبية المسلمة، وسحب قواتها من المنطقة العربية، ما يؤدي إلى تمكين المقاتلين الجهاديين من مواجهة الأنظمة الاستبدادية من دون دعم أميركي لها.
إذا كانت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر أثبتت سوء تقدير زعيم القاعدة الذي لم يتوقع أن تخوض الولايات المتحدة حربًا ردًا على الهجمات، فقد أثبتت تداعيات الانتفاضات العربية سوء تقدير واشنطن التي توهّمت وروّجت لتحول ديمقراطي في أعقابها بينما فتحت الباب واسعًا أمام هيمنة لا تقتصر على الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان إنما تشمل القاعدة وفصائل السلفية الجهادية.

وأعطى فك الارتباط الأميركي مع المنطقة بعد الانتفاضات الشعبية على الأنظمة المدعومة من الولايات المتحدة فضلًا عن صعود مجمل تيار الإسلام السياسي إلى إعطاء القاعدة طاقة أمل جديدة في العودة، لذلك عبّر أسامة بن لادن وقتها عن سعادته في نجاح من سمّاهم بالثوار في إسقاط الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في تونس ومصر وليبيا.

ووجه بن لادن أتباعه لضرورة دعم هذه الثورات راسمًا تصورًا يتواءم مع تصورات جماعة الإخوان لتصب المتغيرات في المشهد بالنهاية في مصلحة الإسلاميين الذين سعوا في السابق لتغيير الأوضاع وإزاحة الأنظمة الحاكمة وان اختلفت الوسائل، أما وقد تحقق الهدف فعلى الإسلاميين والجهاديين انتهاز الفرص والبناء على ما تحقق بمنع الدخول في أنصاف الحلول واعتبار المرحلة التي تلت إسقاط الحكام العرب مباشرة مجرد مرحلة انتقالية قصيرة تليها مرحلة تمكين لعموم الإسلاميين.

وروجت جماعة الإخوان لذلك تحت شعارات التحلي ببعض المرونة وادّعاء توافق الحكم الإسلامي مع القيم الديمقراطية وبالإفصاح عن جانب من التفاهمات والتنسيق مع القوى الغربية والولايات المتحدة، وعبّر قادة القاعدة عنها تحت شعار نهاية الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط وأن ما جرى من تحولات دليل دامغ على ضعف الغرب.

فرص مراحل الفوضى

الكاتب روسوماندو يفجر في كتابه مفاجأة مرتبطة بحقبة الربيع العربي عن كيفية خداع الإخوان المسلمون واشنطن في سوريا وليبيا
الكاتب روسوماندو يفجر في كتابه مفاجأة مرتبطة بحقبة الربيع العربي عن كيفية خداع الإخوان المسلمون واشنطن في سوريا وليبيا 

لم تلبّ طريقة التغيير الثورية الرغبة الأميركية الرئيسية المتعلقة بجذب الشعوب باتجاه التغيير السلمي الذي يخصم من فرص رواج أدبيات القاعدة وهو ما أشار إليه السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين بعد الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك عندما اعتبر الثورة المصرية دليلًا على نبذ الشعب للقاعدة التي تعتقد أن الطريق الوحيد للتغيير يمر عبر العنف.

ولم تصمد الرواية والرؤية الأميركية طويلًا ولم يطل انقياد الانتفاضات الشعبية لقيم القومية والديمقراطية وعاد السلفيون وهم السند الجماهيري وأرضية التجنيد للقاعدة لاعتناق تصورات الكفر بالديمقراطية بعد أن شاركوا في الحكومات في عقب موجة الثورات، وذلك نتيجة لحالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي التي ضربت المنطقة والتي صبت في مصلحة القاعدة ودفعت به من الهامش للصدارة.

بدأ تنظيم القاعدة الذي لم يكن له أيّ دور في المظاهرات ولا في صياغة المطالب الشعبية في اتخاذ خطوات للمشاركة بفاعلية في منتصف عام 2011، ليتضاعف حضوره بعد فشل الإخوان وفي خضم الدمار الاقتصادي والمجتمعي والفوضى الأمنية التي لحقت بدول الربيع العربي.

الجدلية التي يعيدها البعض من الباحثين الغربيين للصدارة تدخل في صلب الإشكالية التي شغلت المساحة الأكبر من تفكير الساسة الأميركيين وخطط واشنطن المتعلقة بكيفية التوفيق بين القيم الديمقراطية والمصالح الاستراتيجية لأميركا

إذا كانت الفرص التي جرى منحها للإسلاميين من خلال تصدير جماعة الإخوان كواجهة وغض الطرف عن علاقاتها الفكرية والحركية مع تنظيم القاعدة قد تم توفيرها في بداية أحداث ثورات الربيع العربي عن قصد وسابق تدبير وتخطيط من قبل القوى الغربية والنخب الأميركية، فإن ما توفر للقاعدة من فرص في أعقاب الثورات كان خارج نطاق السيطرة بعد انفلات الأوضاع وشيوع حالة الفوضى وعدم الاستقرار ما أتاح للقاعدة المضي قدمًا بأهدافه العملياتية على أنقاض الفشل الإخواني بعد اشتداد حدة الصراعات الطائفية والسياسية وغياب الأمن وازدياد البطالة والفقر وضعف مؤسسات الدول وانتشار الفساد وتضاعف نفوذ الميليشيات.

في جميع الأحوال يتأقلم القاعدة ويحاول الاستفادة من أوضاع تبدو متناقضة، فلم يجر إقصاء كامل للتنظيم أو تهميش لحضوره مع بدايات تمكين الإسلاميين تحت مزاعم أن المرحلة هي لمن يعتنق القيم الديمقراطية والتغيير السلمي، حيث تأكد أن تنظيم القاعدة كان ضمن من يجري تدجينهم بغرض الاحتواء وتحويل عنفه وتطرفه للداخل المحلي.

في حال صعود جماعة الإخوان وقوّتها يثبت تنظيم القاعدة متانة علاقاته معها ومدى تأثر زعيم ومؤسس التنظيم بأفكار الإخوان والتقارب الشديد بين أفكار وأيديولوجيا وأهداف الجماعتين، وهو ما أثبتته الوثائق التي صادرتها السلطات الأميركية أثناء عملية قتل بن لادن في مجمع أبوت آباد في باكستان في مايو 2011 التي نشرتها لاحقًا.
وفي حال فشل الإخوان يجد القاعدة أيضًا فرصته سانحة عبر طرح اسمه كبديل أكثر قدرة على جلب الثأر لأعضاء الإخوان ولعموم الإسلاميين في مواجهة أجهزة الدول ومؤسّساتها، فضلًا عمّا تشهده فصائل السلفية الجهادية من حضور ورواج في ظل الحروب الأهلية وحالة الاستقطاب الداخلي، مع حرص العديد من الأطراف على توفير المال والسلاح لجبهات التمرد وللجماعات الأكثر تطرفًا.

7